رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هكذا كان عاطف الطيب محظوظًا مع نجيب محفوظ.. ما القصة؟

عاطف الطيب
عاطف الطيب

عاطف الطيب، اسم له بريق خاص في عالم السينما المصرية، وهو صاحب أبرز الأعمال الفنية التي تعد علامات فارقة في مسيرة جيل الواقعية الجديدة، صاحب الحساسية في اختيار النص السينمائي، بحسب ما وصفه المؤرخ الفني الكبير محمود قاسم.

عاطف الطيب وموهبته في اختيار النصوص

عاطف الطيب، صاحب أشهر الأفلام السينمائية التي لا تغيب عن وعي الأجيال الفنية المتعاقبة، بل إن العديد من الجمل الحوارية في أفلامه لا تزال متداولة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.  

وفي كتابه "الفيلم السياسي في مصر"، يذهب مؤلفه محمود قاسم إلى أن: "زمن عاطف الطيب الذي بدأ في الثمانينيات ولم يستمر طويلا، لكن يبدو أن الفنان المخرج كان يقرأ أن عمره قصير فعمل بشكل مكثف كأنه يلحق الزمن، هذا العصر اتسم بظهور هذه المجموعة من الكتاب والمخرجين والنجوم الذين ارتبطوا معًا بالعمل والتعاون بشكل مكثف، فتركوا بصماتهم علي مرحلتهم بأفلامها ورحل الكثيرون منهم وهم أصغر سنا، بينما البعض الآخر توقف عن العمل.

ويستدرك "قاسم": لكن لا شك أن أهم سمة في سينما المخرج هي اختيار النصوص. فعاطف الطيب هو منفذ بالغ الجودة للسيناريو، وكان محظوظًا عندما يأتيه نص كتبه بشير الديك أو وحيد حامد أو مصطفي محرم، كما أنه أخرج العديد من النصوص الأدبية كي يشكل الجيل الأخير من مخرجي السينما.

أبدى اهتمامًا شديدًا بالنص الأدبي، وكان في أحسن حالاته مع نصوص مأخوذة عن نجيب محفوظ، وإسماعيل ولي الدين وعبد الفتاح رزق وغيرهم، بما يعني أنه رغم المجموعة محدودة العدد من الكتاب الذين تعامل معهم فإن المخرج قد تنوع بشكل ملحوظ في أفلامه، حتى حين عمل في نصوص مأخوذة عن النصوص العالمية.

عاطف الطيب والفيلم السياسي

تأتي أهمية عاطف الطيب الذي لم يشارك في الكتابة أنه كانت لديه حاسة فائقة في اختيار النص، خاصة المرتبط بالتحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها مصر في حقبته، وهناك أكثر من علامة فارقة مميزة في حياة المخرج، إلا أنني أحب التوقف عند فيلم "أبناء وقتلة"، فالنص من النوع النهري يعبر عن صراع الأجيال ومسيراتها. فالنص الأدبي هو قصة قصيرة نسبيًا منشورة في مجموعة قصص تحمل عنوان "القاتل والمقتول" حولها مصطفي محرم إلي سيناريو ضمن الكثير من الأعمال التي تحمس لها الكاتب إسماعيل ولي الدين، حول شخص ورحلته من الفقر إلى الثراء عبر أربعين عامًا منذ عام 1956 وحتى تاريخ إنتاج الفيلم في عام 1987. 

ويضيف "قاسم" موضحًا: وقد ارتبط الفيلم بأبرز الأحداث السياسية على المستوى العام وربطها بالمسيرة الخاصة بالمواطن شيخون عامل البار، الذي اشترى البار من صاحبه اليهودي قبل رحيله عن القاهرة عقب التأميم، ولأسباب خاصة فإن شيخون قد تم تسريحه من السجن يوم صدور القرارات الاشتراكية وتأميم الشركات الصغيرة. وقام الرجل بتحويل البار الذي ورثه الأبناء عن أمهم التي وشت به ليصبح مع عدوان 1967 تاجر سلاح، وينفرد بامتلاك المحل ليصبح من كبار تجار الأسلحة ليكون شاهدا على التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد في الثمانينيات من صعود التيار الديني، الذي يتمثل في انضمام ابنه زهيرالأستاذ الجامعي إلى هذا التيار.

 وتكون الفتاة التي خطبها أيضا من التيار نفسه ليكون مشهد الذروة حين يأتي والد الفتاة لوضع يده في يد شيخون وقراءة الفاتحة، لقد مر بهما الزمن حتى صارا في الشيخوخة. يعاني الأب من ضعف البصر، في هذا المشهد فإن الخصمين القديمين يتواجهان من جديد. فهذا الأب هو ضابط الشرطة الأسبق الذي سبق أن قام بالقبض علي شيخون وزج به في السجن وتزوج من الراقصة دلال التي كانت زوجة لشيخون.

 إنه صراع الأجيال والأوطان عبر أربعين عاما، والمصائر التي آل اليها الأشخاص فيبدو أن شيخون قد دفع ثمن جريمته التي ارتكبها لقد تم سجنه؛ لأنه رجل شهم ساند زوج أخته، إلا أنه عندما دبر لقتل طليقته والقاتل الذي دبر الجريمة صار عليه أن يهنأ بما ارتكب، ويبقي الزمن في حالة ترقب حتى يأتي اليوم الذي يقوم فيه الآباء بقتل الأبناء بأصابعهم التي تضغط علي الزناد ولا تحسم الصراع، بل تزيد من جسامة الموقف.

ويشدد "قاسم" على: هذه هي أهمية النص السينمائي الذي عزف على مسألة التحول بين الأجيال، وقد غير السيناريو من مهنة شيخون الثانية، ففي النص الأدبي فإن شيخون حلم دومًا بافتتاح معرض سيارات، أما في الفيلم فإن الحركة السهلة للسلاح عقب هزيمة 1967 جعلته يصبح تاجرا مرموقا في هذا المجال، وبواسطة واحد من هذه الأسلحة قتل ابنه، مثلما فعل مع قاتل زوجته قبل ذلك.