رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما يكشف جيمس جفرى الخطط السرية.. من ينقذ غزة؟

رغم الواقع المأساوى لما آلت إليه الحرب الإسرائيلية النازية على غزة ورفح وحرب الإبادة الجماعية والتهجير ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، واللعب بالنار فى واقع أشد خطورة، التصعيد فى الضفة الغربية والقدس من حكومة التطرف والحرب التى يقودها السفاح نتنياهو،؛ الأمر بات واضحًا، أن المجتمع الدولى، وحتى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى، نفضوا أيديهم من إدراك سياسة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى، وحيثيات الدعم الأمريكى والغربى الأوروبى لسياسة ومعالجة مسارات الحرب، التى تحولت فعليًا إلى إبادة ومجاعة تحصد الأرواح يوميًا.

* مخاوف من سياسة لا أطر لها
كل ذلك يحدث، من آخر الأبحاث، الإشارات التى تبناها، ربما شكليًا، السياسى الدبلوماسى الأمريكى «جيمس جيفرى» الذى يعتبر خبيرًا فى القضايا الاستراتيجية فى مناطق الشرق الأوسط والبلقان وألمانيا.
جيفرى يطرح فى خلاصة أبحاثه مقالًا نشر فى مجلة «المجلة» السعودية التى تصدر فى لندن، محاولًا الطرح سياسيًا وأمنيًا عن «إدارة دولية مؤقتة لقطاع غزة بعد وقف إطلاق النار»؛ ذلك أنه يرى، وهنا الخطورة، أن التهديد الاستثنائى للأمن الإقليمى يحتم على جميع الأطراف بذل جهود استثنائية. 
.. وكيف هذه الجهود، أو مجالها، فهو، كعادة الدبلوماسية الأمريكية، ينطلق من أطر، هى:

* الإطار الأول:
أدى إقرار الرئيس الأمريكى جو بايدن يوم 31 مايو خطة وقف إطلاق النار الإسرائيلية الجديدة إلى تغيير فى ديناميكية الحرب فى غزة برمتها. ومنذ ذلك الحين ركزت معظم التعليقات على رد «حماس»، الذى أعلنته مؤخرًا، وتفاصيل الاقتراح، بدلًا من التحول الملحوظ فى الاستراتيجية الإسرائيلية فيما يتعلق بغزة. ويتضمن هذا الاقتراح انسحابًا إسرائيليًا كاملًا ووقفًا دائمًا للأعمال العدائية، ما يعطى أهمية أكبر لوضع الخطط الشاملة لمرحلة ما بعد الصراع، وهو ما لم يتم تفصيله بعد فى إسرائيل أو تطويره بالكامل فى العاصمة الأمريكية واشنطن.

* ثانيًا:
لم تعلن إسرائيل عن تفاصيل رؤيتها لوقف إطلاق النار، وبالتالى فإن فهمنا لإطارها الهيكلى الذى يعتمد بشكل أساسى على تصريحات الرئيس بايدن وردود الأفعال الإسرائيلية المختلفة والمتضاربة أحيانًا. ولكن يبدو جليًا أن إسرائيل قبلت أولًا الانسحاب الكامل لقوات الدفاع الإسرائيلية من غزة، فى حال نجحت المفاوضات، وذلك فى نهاية المرحلة الثانية من الاقتراح.

* ثالثًا:
تركز الخطة، حسب فهم جيفرى، فى البداية على تشكيل سلطة متعددة الجنسيات لإدارة غزة، التى ستقدم تقاريرها إلى مجموعة اتصال دولية.

* رابعًا:
تبدو إسرائيل مستعدة للموافقة على خطة إعادة إعمار شاملة لقطاع غزة فى المرحلة الثالثة التى تأتى لاحقًا. وهذا عند تحليل جيفرى، «تطور كبير» لأنه، حتى فى الوقت الحاضر، كما اعترف الرئيس بايدن، لا يزال البعض فى إسرائيل يأمل فى احتلال إسرائيلى شبه دائم للقطاع، وأن: أى خطة إعادة إعمار كبرى يجب أن تحظى بدعم إسرائيلى، مع الأخذ فى الاعتبار مخاوفها الأمنية، وسيطرتها على كثير من المعابر الرئيسة، وتوفيرها الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والاتصالات. 

* خامسًا:
ذكر السيناتور ليندسى جراهام فى البرنامج التليفزيونى «واجه الأمة» فى 9 يونيو، مباشرة بعد لقائه رئيس الوزراء نتنياهو، أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة إعمار غزة والحكم فيها بما يتوافق مع اقتراح وقف إطلاق النار. وهذا يتفق مع معلومات أخرى يعرفها جيفرى وتتوافق الخطة التى قمنا بتطويرها بشكل وثيق مع تفكير الإدارة كما عرضها مستشار الأمن القومى جيك سوليفان فى 11 يونيو، الذى اقترح إنشاء «مؤسسة أمنية ومشروع حكومة مؤقتين» تلعب فيهما الدول العربية دورًا فى «استقرار وإعادة إعمار غزة».

*.. حقيقة الجدل عن تشكيل سلطة متعددة الجنسيات لإدارة غزة.
ضمن الحلول والخطط أحادية الجانب، تركز خطتنا، يطرح جيفرى، فى البداية على تشكيل سلطة متعددة الجنسيات لإدارة غزة، التى ستقدم تقاريرها إلى مجموعة اتصال دولية، يؤسس لها التعريف التالى: «هى هيئة دولية غير رسمية وغير دائمة يجرى إنشاؤها لأغراض خاصة، بهدف تنسيق الجهود الفاعلة الدولية فى هدفها المتمثل فى إدارة أزمة سلام وأمن دولة أو منطقة معينة». 
.. ولعل الطرح، بين مرجعية الدبلوماسية الدولية والعربية الأمريكية الأوروبية، وأحيانًا التداخل الأممى، تهدف، كما كشف التحليل:
1:
يُؤسَس هذان الكيانان بموجب ميثاق دولى أعدته مجتمعة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل،.. وحكومات عربية رئيسة أخرى وحكومات مجموعة الدول الاقتصادية السبع.
2:
الميثاق «الخطة»، آلية للتشاور مع السلطة الفلسطينية، وإذا أمكن، سوف يحصل على «المباركة» بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمتابعة قرار 10 مايو حول وقف إطلاق النار. ومن الممكن وضع أسس قانونية أخرى فى مفاوضات وقف إطلاق النار للمرحلة الثانية فى الاقتراح الإسرائيلى.
3:
ضرورة أن تحظى هيئة الحكم المؤقتة بسلطة رسمية، استنادًا لتجربة البوسنة رغم اختلاف الحالة تمامًا؛ وسيقود السلطة متعددة الجنسيات ممثل رفيع المستوى وستمولها حكومات مجموعة الاتصال الدولى، بالإضافة إلى تبرعات من حكومات أخرى، وسوف يكون لديها فريق خاص لكل من الشئون المالية، والأمن، والنقل، والتنسيق مع الوزارات واستطلاعات الرأى، والشئون العامة، مع دعم لوجستى من إسرائيل ومصر ودول أخرى، حسبما يقول جيفرى. 
وسوف تمتلك سلطات مركزية فى أدائها بدءًا بعملية إدارة الحكم واسعة النطاق والرقابة الأمنية.
4:
تقوم الولايات المتحدة والحكومات الأعضاء فى مجموعات الاتصال الدولية المعنية بالأزمة فى غزة بتنظيم قوة شرطة متعددة الجنسيات تحت إشراف السلطة متعددة الجنسيات للقيام «بدوريات إثبات الوجود» إلى أن يجرى تدقيق وتدريب عناصر الشرطة المدنية وقوات الدرك «وهى قوة عسكرية بتسليح منخفض ذات واجبات إنفاذ القانون بين السكان المدنيين» فى مرحلة ما بعد «حماس» لتولى مسئوليات الشرطة. وستضم هذه القوات عددًا صغيرًا من المسئولين المدنيين والعسكريين الأمريكيين. 
5:
وضع ترتيبات أمنية محددة فى المفاوضات الخاصة بالمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار.
وسوف تمتلك هذه السلطة أيضًا القدرة على تعبئة وتنسيق وتوحيد أنشطة الوكالات والمنظمات الدولية والحكومية وغير الحكومية المشاركة فى تقديم المساعدات الإنسانية وتحقيق الاستقرار والتنمية وإعادة الإعمار وكل أشكال المساعدة الأخرى لغزة.
6:
إن السيطرة المركزية ضرورية لتحقيق الأمن ولضمان ربط إعادة الإعمار وغيره من أشكال الدعم الدولى مع الالتزام بأحكام وقف إطلاق النار. ضرورة أن تحظى هيئة الحكم المؤقتة بسلطة رسمية «على النحو المنصوص عليه فى اتفاقات دايتون» للاستفادة من توفير إعادة الإعمار وغيرها من الخدمات فى حال قام السكان أو السلطات المحلية بعرقلة الأمن أو الوقوف بوجه اجتثاث التطرف واحتياجات تحقيق الاستقرار فى الأجل الطويل.
7:
لا يمكن لأى منظمة دولية لحفظ النظام أن توفر الأمن فعليًا دون دعم الولايات المتحدة أو على الأقل بعض الوجود الأمريكى على الأرض.

* قضايا.. صيغ عابرة أو أساسية
القضايا حـول هذه الخــطة، كما يراها جيمس جيفرى، ربما بخبرة دبلوماسية فى الشرق الأوسط والمنطقة، يراها مع ملاحظة: «أو أى خطة أخرى لغزة تقريبًا».
* القضية الأولى: وجود طواقم عمل أمريكية، خاصة العسكريين، مع الأخذ فى الاعتبار التزام إدارة بايدن بـ«عدم وجود قوات أمريكية على الأرض». لكن، يجب أحيانًا كسر الالتزامات الرئاسية. فالولايات المتحدة لديها بالفعل قوات مشتركة فى الرصيف العائم بالقرب من غزة. كما أن واشنطن لديها قوات منتشرة فى حوالى 25 دولة، وقد تعرَّض بعض هذه القوات على الشواطئ أو المبحرة فى الماء لإطــلاق النار مؤخرًا. والحـقيقة التى أثبتــتـها صــراعات كثيرة هى أنه لا يمكن لأى منظمة دولية لحفظ النظام أن توفر الأمن فعليًا دون دعم الولايات المتحدة أو على الأقل بعض الوجود الأمريكى على الأرض.
* القضية الثانية: ما يتعلق بدور السلطة الفلسطينية. فالخطة تحدد المجالات التى ستشارك فيها السلطة، بما يتجاوز التنسيق المشار إليه أعلاه بينها وبين اللجنة الدولية، بما فى ذلك دفع الرواتب، وخدمات التمويل، ووثائق السفر. وأبعد من ذلك، وعلى وجه التحديد فيما يتعلق بدور السلطة الفلسطينية فى الحكم بعد انسحاب السلطة متعددة الجنسيات، هناك حاجة إلى مزيد من المفاوضات بين جميع الأطراف.
من المفترض أن التسوية السياسية ستشمل مصير «حماس» أو الالتزامات المترتبة عليها.
* القضية الثالثة: حساسية مستقبل «حماس». لا تناقش الخطة نفسها دور فلول «حماس» المتبقين فى غزة. ولكن يمكن القول إنه لا هذه الخطة ولا أى خطة أخرى للحكم والأمن وإعادة الإعمار فى غزة سوف يُكتب لها النجاح إذا ظلت «حماس» بأجندتها المناهضة لإسرائيل مسيطرة بشكل فعال. وقد شدد رئيس الوزراء نتنياهو، فى رده على مناقشة الرئيس للاقتراح الإسرائيلى، على أنه يجب هزيمة «حماس» حتى بموجب هذا الاقتراح. وفى الواقع أكد الرئيس أيضا على أن «غزة سوف تشهد يوما أفضل دون وجود (حماس) فى السلطة». ومن المفترض أن التسوية السياسية، ضمن وقف إطلاق النار الذى أشار إليه الرئيس، ستشمل مصير «حماس» أو الالتزامات المترتبة عليها، وكل ذلك سوف يجرى العمل عليه فى مفاوضات المرحلة الثانية من الاقتراح الإسرائيلى.

* الحل المؤقت لـ«اليوم التالى»
ما يراه جيفرى، أن دبلوماسية مبدأ «الأكثر خطورة» ضمن الحل المؤقت لـ«اليوم التالى»، فإن التهديد الاستثنائى للأمن الإقليمى الذى تمثله حرب غزة يحتم على جميع الأطراف بذل جهود استثنائية والاضطلاع بمخاطر كبيرة من أجل السعى للوصول إلى مستقبل أفضل ليس لمواطنى غزة والإسرائيليين وحسب ولكن لجميع شعوب المنطقة.
.. وفى حيثيات الوضع، تلغى الخطة، الحالات الأمنية والعسكرية التى تحدث فى جبهات مساندة، سواء فى جنوب لبنان من حزب الله، ومن الحوثيين فى اليمن، والمقاومة فى العراق، ونداولات المجتمع الدولى من عمل أمنى، أمريكى أوروبى، عربى وإسلامى مشترك، يستوعب، أن الذى حدث فى غزة فى هذه الحرب، أن العالم يريد صياغة الحدث وفق رؤى لا تضع الحلول العاجلة للإبادة المجاعة، وتدهور الوضع فى غزة ورفح وكل فلسطين المحتلة، بالذات استشراء وتغول حكومة التطرف التوراتية. 
.. مع كل ذلك، ما زالت المنطقة، بحاجة إلى حراك يضع النتائج وعملية الإنقاذ وإيقاف الحرب أولًا.