رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعجاز العصر الحديث.. كيف حافظ المصريون على ظاهرة تعامد الشمس بعد نقل معبد أبوسمبل؟

تعامد الشمس
تعامد الشمس

تعد  ظاهرة تعامد الشمس على تمثال  الملك رمسيس الثاني في معبد أبوسمبل واحدة من أروع الظواهر الفلكية القديمة، والتى تثير إعجاب العالم، حيث تحدث هذه الظاهرة مرتين سنويًا، في 22 أكتوبر و22 فبراير، وفيها تتعامد أشعة الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني داخل المعبد الكبير، لكن المفاجأة الكبرى جاءت في الستينيات من القرن الماضي، عندما تم نقل المعبد بالكامل لحمايته من الغرق بسبب بناء السد العالي. 

وإليكم خلال السطور الآتية كيف حافظ المصريون على ظاهرة تعامد الشمس بعد نقل معبد أبوسمبل.

 

تهديد السد العالي

في أوائل الستينيات، كانت مصر على وشك الانتهاء من بناء السد العالي في أسوان، وهو مشروع ضخم يهدف إلى توليد الكهرباء والسيطرة على الفيضانات، لكن بناء السد شكل تهديدًا مباشرًا للآثار القديمة في منطقة النوبة، بما في ذلك معبد أبوسمبل، وحينها تم غمر المياه المتوقعة من بحيرة ناصر وكان يعني أن المعبد سيغرق بالكامل تحت المياه إذا لم يتم اتخاذ إجراء سريع.

عملية نقل معبد أبوسمبل

بدأت الحكومة المصرية، بالتعاون مع اليونسكو، في تنفيذ خطة غير مسبوقة لإنقاذ معبد أبوسمبل، استمرت العملية من عام 1964 حتى عام 1968، وتمثلت في تفكيك المعبد إلى أكثر من 1000 قطعة ضخمة، بعضها يزن أكثر من 30 طنًا، ثم إعادة تجميعه على موقع مرتفع بعيد عن منسوب المياه المتوقع، وعلى الرغم من النجاح في نقل المعبد بشكل كامل، كان التحدي الأبرز هو الحفاظ على ظاهرة تعامد الشمس بدقة كما كانت في موقعها الأصلي.

التحدي الفلكي

ظاهرة تعامد الشمس على وجه تمثال رمسيس الثاني لم تكن مجرد صدفة، فقد خطط الفراعنة لهذا الحدث بدقة مذهلة تعكس معرفتهم العميقة بعلم الفلك. لذلك، كان التحدي الذي واجه المهندسين والعلماء بعد نقل المعبد هو التأكد من أن الشمس ستتعامد على وجه التمثال في نفس التواريخ كما كانت سابقًا، دون أي انحراف.

الحل الهندسي

لحل هذا التحدي، استعان المهندسون بخبراء في علم الفلك والهندسة الدقيقة، وتم حساب الموقع الجديد للمعبد بعناية فائقة لضمان تعامد الشمس في نفس التواريخ المحددة، وحينها تم استخدام أجهزة قياس حديثة وبرامج محاكاة معقدة لإعادة ضبط المحور الفلكي للمعبد في موقعه الجديد. 

على الرغم من النجاح الباهر في الحفاظ على الظاهرة، فإن النتيجة النهائية كانت تحتوي على فارق بسيط؛ حيث تأخرت الظاهرة بيوم واحد عن التوقيت الأصلي، لكنها لا تزال تحدث مرتين سنويًا كما كانت.

بالنظر إلى حجم التحدي وتعقيد العملية، يعد نقل معبد أبوسمبل والحفاظ على ظاهرة تعامد الشمس إنجازًا هندسيًا وفلكيًا غير مسبوق، وقد أثبتت مصر مرة أخرى قدرتها على الحفاظ على تراثها الثقافي والتاريخي، حتى في ظل تحديات معاصرة ضخمة مثل بناء السد العالي.