رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صابرون على أرض صلبة

أحد عشر دهرًا، إذن، انقضت أمس الأحد، باحتفالنا بالذكرى الحادية عشرة لثورة ٣٠ يونيو، ونبدأ اليوم دهرًا جديدًا، آملين، ومعنا غالبية المصريين، الصابرين، أن يكون أقل قسوة، ثقلًا وصعوبة، من سابقه، بعد أن صرنا، بالفعل، «نقف على أرض صلبة»، بوصف الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته أمس، التى أشار فيها إلى أن مصر تمضى، رغم التحديات، على طريق التنمية، متعهدًا بعدم التراجع، «بإذن الله العلى القدير»، عن هذا المسار، وعن تحقيق الحلم المصرى فى التقدم والحياة الكريمة.

غدًا، سنتناول حصاد «مؤتمر الاستثمار المصرى الأوروبى»، الذى استضافته القاهرة خلال اليومين الماضيين، والذى تصادف أن يعرب خلاله يورجن ريجتيرينك، النائب الأول لرئيس «البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية»، عن تثمينه الخطوات المهمة التى اتخذتها الحكومة المصرية على مدار السنوات الماضية، بما فى ذلك برنامج الإصلاح الاقتصادى، وسط كم كبير من التحديات واجه هذا البلد. بينما كان الرئيس السيسى يشرح، فى كلمته، كيف انتقلنا من حال إلى حال، وكيف عرف الأمان طريقه إلى قلوبنا، بعد سنوات من الخوف والقلق، وكيف استقرت مؤسسات الدولة، بعد أن كادت تعصف بها الرياح. 

بالتزامن، أيضًا، مع إلقاء الرئيس كلمته، كان فالديس دومبروفسكيس، نائب الرئيس التنفيذى للمفوضية الأوروبية، المُفوض الأوروبى للتجارة، يتحدث عن دور مصر السياسى المحورى، لتحقيق الاستقرار فى المنطقة، لافتًا إلى انعكاس هذا الدور فى التعامل مع أحداث غزة، وكذا أهمية مصر باعتبارها بلدًا اقتصاديًا واعدًا، مؤكدًا دعم الاتحاد الأوروبى للعديد من المجالات الاستثمارية فى السوق المصرية، وعلى رأسها الطاقة النظيفة، والمشروعات التى تحقق الاستدامة فى مختلف المجالات.

الحرب الإسرائيلية الغاشمة فى قطاع غزة، التى غاب فيها ضمير الإنسانية، وصمت عنها المجتمع الدولى، لم تغب عن كلمة الرئيس، موضحًا أن موقف مصر كان نبيلًا وشريفًا، وأنها لم تتوقف، بالفعل قبل القول، عن إغاثة الأشقاء الفلسطينيين، بكل ما أوتيت من قوة وعزم، وصمدت، بعزة وكرامة، أمام المحاولات الخبيثة لتهجيرهم، وأسمعت صوتها واضحًا جليًا، حماية لأمنها القومى، ومنعًا لتصفية الحق الفلسطينى.

المهم هو أن ما قاله النائب الأول لرئيس «البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية»، نائب الرئيس التنفيذى للمفوضية الأوروبية، مجرد عينة من شهادات دولية عديدة، تؤكد أننا نقف، اليوم، بالفعل، على أرض صلبة، دولة مؤسساتها راسخة، يعم فيها الأمن والاستقرار فى محيط إقليمى مضطرب، ذات بنية تحتية متطورة، دولة تعمل بكل طاقاتها ليل نهار، لبناء المصانع وتحديثها، واستصلاح الصحراء بملايين الأفدنة، وتحسين الصحة والتعليم، وتشييد المدن والطرق، وشبكات الطاقة والمياه والرى، وإنشاء وتطوير شبكة استراتيجية من الموانئ، والربط بين جميع أنحاء الدولة بخطوط مواصلات متنوعة وسريعة وحديثة.

هكذا، شقت دولة ٣٠ يونيو طريقها إلى التنمية الحقيقية، بعد أن قضت على الإرهاب، رغم صعوبة الأمر وجسامة التضحيات. كما لم تترك قطاعًا إلا واقتحمت مشكلاته المعقدة، وأزماته المتراكمة، أو الموروثة، تحت قيادة رئيس لم يهب المسئولية ولم يتجنبها، مدركًا قدرات وإمكانات هذا الشعب العظيم، ومراهنًا عليها. إذ لم يكن ممكنًا، كما قلنا أمس، أن نجتاز الأحد عشر دهرًا، أو السنوات الأصعب والأكثر ثقلًا، فى تاريخنا الحديث، لولا صبر المصريين وتحملهم وإصرارهم على إعادة بناء بلدهم. 

استكمالًا لهذا الرهان، الذى كسبه مرارًا، قال الرئيس لـ«كل المصريين»، لـ«المكافحين الشرفاء من أبناء شعب مصر العظيم»، الذين «يتحملون مشاق الحياة وارتفاع الأسعار، خلال الفترة الأخيرة»، إنه يعرف، بشكل كامل، حجم معاناتهم، مؤكدًا أن «تخفيف تلك المعاناة» سيكون شغله الشاغل، والأولوية القصوى للحكومة الجديدة، مع إيجاد المزيد من فرص العمل وبناء مستقبل أفضل، لجميع أبناء مصر الكرام.

.. وأخيرًا، لم يفت الرئيس، طبعًا، أن يقدم، باسمه واسمنا جميعًا، تحية إجلال واحترام لجميع شهداء الوطن، لافتًا إلى أننا «شعب أصيل» لا ينسى من ضحوا لأجله، متعهدًا بالعمل على بناء وطن قوى كريم، يليق بحجم تضحياتهم، التى ستظل تاجًا فوق رءوسنا، ينير لنا الطريق، نحو المستقبل الذى نتطلع إليه.