رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تغييرات بحجم الجمهورية الجديدة

بعد مائة يوم فقط، عاد الاتحاد الأوروبي إلى القاهرة من جديد، حاملًا رغبته في توطيد أواصر التعاون بين القارة الأوروبية وبين مصر، وبناء المزيد من الاتفاقات، على ما تم وتم الاتفاق عليه في مارس الماضي، يوم جاءت رئيسة المفوضية الأوروبية، بصحبة عدد من المسئولين الأوروبيين لعقد شراكة استراتيجية بين مصر وأوروبا.. وأمس، تجدد اللقاء.. بانطلاق مؤتمر الاستثمار المصري ـ الأوروبي، الذي تسضيفه مصر لمدة يومين، ويحظى بأهمية كبيرة، لأنه يعكس ثقة العالم في الاقتصاد المصري، ويسهم في التعريف بمختلف الفرص الاستثمارية المتاحة في اقتصادنا، كما يسعي لتعزيز ودعم أوجه التعاون الاقتصادي بين مصر والاتحاد الأوروبى، في ظل مشاركة قوية من جانب العديد من الكيانات الاقتصادية الأوروبية الكبرى وشركات الاستثمار، وهو رسالة ثقة من الاتحاد الأوروبي في الاقتصاد المصري، بما تم تحقيقه من خلال برامج الإصلاح التى نفذتها الدولة المصرية خلال السنوات العشر الماضية، فضلًا عن مشروعات البنية التحتية غير المسبوقة التى تم إنجازها خلال تلك الفترة، التي أسهمت في تحسين بيئة الاستثمار في مصر، فضلًا عن أنه رسالة مهمة تؤكد دخول الاقتصاد إلى مرحلة الاستقرار، خصوصًا بعد تحرير سعر الصرف والقضاء علي السوق الموازية، وهى الإصلاحات التى كان لها القدرة علي تغيير رؤية مؤسسات التصنيف الدولية مرة أخرى عن الاقتصاد المصري، لتُعدل من نظرتها السلبية إلى أن تصبح نظرة مستقرة ثم إيجابية.
يهدف المؤتمر إلى جذب الاستثمارات الأوروبية المتنوعة والمُهمة إلى مصر، لا سيما في القطاعات ذات الأولوية، على رأسها البنية التحتية المستدامة، والطاقة المتجددة والكهرباء، والأمن الغذائي، والصحة والتعليم، والنقل المستدام، وشبكات المياه والصرف الصحي، إضافة إلى المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر والبيئة.. وفي ظل حرص الدولة علي تفعيل دور القطاع الخاص وزيادة حجم مشاركته في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، فإن المساحة الأكبر في هذا المؤتمر جاءت للقطاع الخاص من الجانبين المصري والأوروبي.. وقد تطرق المؤتمر لمناقشة عدد من الملفات ذات الأولوية المشتركة، من بينها تعزيز الابتكار والريادة الاقتصادية، حيث التركيز على دور الابتكار والريادة في تعزيز الاقتصاد وخلق فرص عمل، بالإضافة إلى تحقيق التنمية المستدامة في ضوء التحديات البيئية العالمية.. ولذا، فمن الضروري تحقيق أقصي استفادة من هذا المؤتمر والترويج له عالميًا، باعتباره اعترافًا دوليًا بقوة الاقتصاد المصري، وحقيقة امتلاكه فرصًا استثمارية مهمة في قطاعات متنوعة، باعتبار أن جذب الاستثمارات الأجنبية أحد الحلول المتاحة لإحداث طفرة نوعية في الاقتصاد، وتوفير الملايين من فرص العمل.. كما أنه يُشكل منصة مهمة للتعريف بإجراءات الجمهورية الجديدة.

والحال هكذا، جنبًا إلى جنب، مع ما تواحهه مصر من تحديات جِسام، في الاقتصاد والأمن القومي، ومشكلة اللاجئين والمهاجرين، أو كما نسميهم (ضيوف مصر)، كان على الدولة المصرية تغيير حكومتها، بما يتلاءم مع متطلبات المرحلية الراهنة والمستقبلية.. تغيير يعمد إلى الاستعانة بأصحاب الكفاءات في الوزارات المختلفة، الذين يدركون أبعاد ما نعيشه من تحديات، وما يجب أن تكون عليه حياة المواطن في الأيام القادمة، حتى تكون مصر كما ينظر إليها العالم، وكما ينتظر منها المواطن، الذي دفع ـ وما زال ـ فاتورة الإصلاح، بحب واحتساب، وانتظار للآتي القريب.

والآن.. يعيش المصريون حالة من الترقب، في انتظار إعلان تشكيل الحكومة الجديدة، التي كلف الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الوزراء الحالي، الدكتور مصطفى مدبولي، بتشكيلها في الثالث من يونيو الحالي، وسط تأكيدات بأنه ستتم الاستعانة بكفاءات وطنية وخبرات دولية، للوصول إلى أفضل تشكيل حكومي، يتناسب مع حجم التحديات الحالية، وأنه (يجري العمل على إعداد برنامج حكومي شامل للتعامل الفوري مع التحديات الحالية، والاستمرار في الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، وتحسين الخدمات للمواطن).. وكما قال الرئيس السيسي، (إن هدف هذا التغيير هو تطوير الأداء الحكومي في الملفات المهمة، على الصعيدين الداخلي والخارجي، من أجل حماية مصالح الدولة ومقدراتها). وبُعرب الكثيرون عن ثقتهم في أن تكون هذه التغييرات الوزارية (نوعية وكافية).. واعتبرها آخرون (بادرة جيدة تدل على حرص الدولة واستجابتها لمطالب المواطنين، الذين طالما نادوا بإحداث تغيير في عدد من الحقائب الوزارية).

ووفق توجيهات الرئيس السيسي، من المنتظر أن (تعمل الحكومة الجديدة على تحقيق عدد من الأهداف، على رأسها الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري في ضوء التحديات الإقليمية والدولية، مع وضع ملف بناء الإنسان المصري على رأس قائمة الأولويات، خصوصًا في مجالات الصحة والتعليم ومواصلة جهود تطوير المشاركة السياسية).. ومن المنتظر أن تعمل الحكومة الجديدة على (مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي، مع التركيز على جذب وزيادة الاستثمارات المحلية والخارجية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وبذل كل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق، في إطار تطوير شامل للأداء الاقتصادي للدولة في جميع القطاعات)، وفق بيان الرئاسة المصرية الذي صدر عقب تكليف د. مدبولي.

وقد أثار التأخر في إعلان التشكيل الحكومي الجديد، تساؤلات وانتقادات في الشارع المصري.. ورجح البعض أن يكون التأخر ناجمًا عن رفض البعض تولي حقائب وزارية، لكننا نرى أن التأخير يعود إلى الرغبة في البحث عن شخصيات وكفاءات تلائم السنوات المقبلة.. التأخر مبشر، ويعطي انطباعًا بأن الأمر ليس مجرد تغيير في الوجوه، بل هناك طموح كبير لإيجاد الكفاءات المطلوبة لتشغيل ما جرى إنشاؤه من أصول خلال السنوات العشر الماضية.. و(العثور على هذه الكفاءات التي تمتلك مؤهلات سياسية وإدارية ليس بالأمر السهل، ويتطلب وقتًا.. لو كان الأمر تغييرًا في الوجوه والأسماء، لجرى إعلان الحكومة في وقت سابق، دون انتظار كل هذه الفترة).

التغيير دائمًا مهم ويعبر عن الرغبة في خلق روح جديدة، وقدرة على مواجهة التحديات بأفكار مبتكرة، وهذا ما تدركه القيادة السياسية جيدًا.. ليس المهم تغيير الوجوه، ولكن الأهم أن تكون هناك نية واضحة لتغيير السياسات فى كثير من القطاعات، لأن كلمة السر لأى حكومة وأى نظام هى رضا المواطن.. ولذا، فإن المطلوب من الحكومة القادمة أن تكون كثيرة الخبرات، تضم أشخاصًا لديهم فكر اقتصادى متميز، حتى تخرج إلى منطقة جديدة، تكون لديها تحفيز للاقتصاد وتشجيع القطاع الخاص، والاستثمار الخارجى، وأن يكون هناك تحرك نحو الاستثمارات، حيث إن مصر جاهزة من الناحية الصناعية والتجارية.. لذلك مطلوب من الحكومة الجديدة أن يكون لديها فكر اقتصادى جديد، وخبرات اقتصادية كبيرة، حتى تستطيع أن تؤدى المطلوب منها، حتى ترفع المعاناة عن الشعب المصرى.. ومن المطلوب أيضًا من الحكومة الجديدة، أن تكون لديها أجندة عمل واضحة المعالم، وأن تكون هناك مراقبة للأسواق والقضاء على الاحتكار وخفض أسعار السلع، والعمل على جلب العملة الصعبة خلال الفترة المقبلة عن طريق التصدير للخارج، ما يؤدى إلى انخفاض سعر الدولار فى الداخل.. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن هناك تعاونًا كبيرًا بين الحكومة والحوار الوطنى، خصوصًا بعد إعلان الدكتور مصطفى مدبولى، الاستعانة بالحوار الوطنى فى وضع رؤية اقتصادية للدولة المصرية، ومن المتوقع أن تسير الحكومة الجديدة بنفس منهج رئيس الحكومة، وهو الاستعانة بالحوار فى وضع رؤية حول كل القضايا الشائكة والمشكلات التى تواجه الدولة المصرية، ووضع رؤية متكاملة بتعاون مع كل أطياف المجتمع والخبراء، للخروج بروشتة للتنسيق والتشاور فى تطبيقها.

 

■■ وبعد..
فإن اختيار أعضاء الحكومة ليس آخر المطاف، بل هو بداية المسئولية عن كل ما يصدر عنهم، أمام الشعب والقيادة السياسية، والبرلمان، المنوط به دور الرقابة على أداء الحكومة، عبر وسائل متعددة، تبدأ بالسؤال، وتنهي بالاستجواب، الذي يقول عنه الدكتور محمد رضا النمر، أستاذ القانون الدستورى، إن أهم وسائل الرقابة البرلمانية هو الاستجواب، وتنبع خطورته من كونه قد ينتهى إلى تقرير مسئولية رئيس مجلس الوزراء، أو سحب الثقة من الوزير المُستَجَّوب، كما يحمل فى طياته توجيه الاتهام لمحاسبة من وُجِه إليه الاستجواب، من خلال مجموعة الوقائع التى تجمعت لدى المُستَجوِب، ولها ما يدعمها من الأسانيد التى تستوجب المحاسبة، من وجهة نظره.. ويتعلق الاستجواب بأى تصرف فى شأن من الشئون العامة، وقد يتعلق بشأن من الشئون الخاصة، إذا كان مرتبطًا بسلوك الحكومة أو أحد أعضائها.. لقد جاءت توجيهات الرئيس السيسى واضحة وصريحة، بضرورة العمل على مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادى، والعمل على جذب مزيد من الاستثمارات، بما يدعم قوة الاقتصاد المصرى فى ظل التحديات الراهنة التى تشهدها البلاد، وتمثل ضغطًا وعبئًا على المواطنين، حيث زيادة التضخم وارتفاع الأسعار.. والحكومة الجديدة أمامها مهمة كبيرة فى طرح أفكار ورؤى جديدة من شأنها تنفيذ استراتيجية الدولة لبناء الإنسان المصرى.. ومَنْ لم يَصلُح ـ لا قدر الله- فالبرلمان في مواجهته، والشارع في انتظاره، فلم تعد لدينا رفاهية الوقت، للمحاولة والتجريب.

حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.