«طالب صباحًا نشال ظهرًا».. أسرار من حياة محمود المليجى
ضمت الفنانة فاطمة رشدي محمود المليجي إلى فرقتها وهو طالب بالسنة الثانية بالثانوية، وكان يستعد لدخول امتحان الكفاءة عندما أسندت إليه دورًا مهمًا في إحدى مسرحياتها، وكان يمثل دور شاب يطلق الرصاص على البطل في الفصل الأول، ويختفي ليظهر أمام المحكمة لمدة دقيقة ونصف في الفصل الثاني، ثم يختفي ثانية ليعاود الظهور في الفصل الأخير ليعترف بجريمته، حسبما روى الفنان الكبير لمجلة الكواكب.
كانت فرحة المليجي بهذا الدور لا توصف وحسده عليه كل الهواة الذين كانوا يجلسون في مقاهي عماد الدين يجترون أحلامهم وأمانيهم.
وقررت فاطمة رشدي أن تقيم حفلة ماتينيه يوم الأحد من كل أسبوع تبدأ في السادسة على الرغم من أنها كانت قد ألغت حفلات الماتينيه بحلول الصيف، ولكنها اضطرت إليها للإقبال الشديد من الجمهور على الفرقة.
يروي محمود المليجي فيقول: كان علي أن أؤدي امتحانًا شفويًا لمادة الحساب أمام اللجنة وكنا نقف في صف طويل لانتظار دورنا، وبدأت الساعة تقترب من السادسة والغيظ يتملكني، كنت أخاف أن تضيع فرصة ظهوري على المسرح مما قد يسبب ارتباكًا للفرقة، وبدأت أضرب الأرض بقدمي وأتململ في الصف من الغضب والخوف معًا، وتملكني شعور بالقهر تنافرت له الدموع من عيني، ومر رئيس اللجنة ورآني على هذه الحال فقال لي "انت خايف من الامتحان يا شاطر"، فقلت له "لا.. أنا خايف من رفع الستار"، ولم يفهم رئيس اللجنة ما أقصد وظن أنني أهذي من شدة الخوف، فاستفسر فرويت له الحكاية، ولحسن حظي كان الرجل من المعجبين بفن فاطمة رشدي وقرر أن يمتحنني بنفسه حتى لا يفوت على موعد ظهوري على المسرح.
كنت أمتحن في الحساب ومع هذا فقد راح الرجل يسألني في الفن ويختبر معلوماتي الفنية ويحدثني عن المسرحيات الشعرية والمنافسة بين فرقتي فاطمة رشدي ورمسيس التي كانت على أشدها في ذلك الوقت، ونجحت ولم يكتف الرجل الطيب بنجاحي بل منحني خمسة قروش لأركب بها سيارة أجرة إلى المسرح لألحق بالفرقة قبل رفع الستار.
طالب صباحًا نشال ظهرًا
وعن بداياته في الفن قال الفنان محمود المليجي: “كنت أمثل في فرقة فاطمة رشدي، وكنت لا أزال طالبًا، وكانت فاطمة رشدي قد قررت منحي مرتبًا يوميًا قدره عشرة قروش".
وروى الفنان محمود المليجي قصة حدثت له أثناء عمله بمسرح فاطمة رشدي وذلك في حوار لمجلة الكواكب، وقال المليجي: "في إحدى الروايات كنت أقوم بدور نشال يخطف حقائب السيدات وكان أول مشهد أظهر فيه هو دخولي على ضابط البوليس والقيد الحديدي في يدي وأحد الجنود يقودني.
وحدث أن خرجنا أنا وزميلي الذي يؤدي دور الجندي إلى بوفيه المسرح بملابسنا التي نظهر بها في العرض، والقيد لا يزال في يدي، ووقفنا لنشرب زجاجات "القازوزة"، وفجأة وجدت نفسي أمام العربي أفندي مدرس الحساب في مدرستنا، ولم يكن بيني وبينه أي انسجام، فقد كان كثير التحقير لي، وكان يتنبأ بفشلي كثيرًا، وعلى الرغم من حبه للفن وتردده على المسارح فلم يكن يقر بهواية التلميذ للفن.
وما كاد يراني بالجلباب والقيد في يدي وزميلي إلى جواري حتى صاح في وجهي: "مش قلت لك.. آدي آخرتك يا عم.. لا حول ولا قوة إلا بالله"، والتفت إلى زميلي الجندي ليسأله: "انت موديه فين يا شاويش"، وكان زميلي قد فهم أنه شامت فأراد له أن ينعم بشماتته فقال: "على القسم يا افندي.. تحب حضرتك تضمنه ما دام انت تعرفه وممكن أسيبه"، وصرخ المدرس العربي افندي باستنكار: "أنا.. أعوذ بالله.. أنا معرفوش خالص"، ثم تركنا وهرول داخلًا إلى المسرح.
ورفع الستار واقترب دوري وكان دورًا فكاهيًا لطيفًا، وفوجئت بالعربي أفندي يقتحم الكواليس ليبحث عني ويحتضنني مقبلا خدي ويقول لي: "يا سلام.. مش تقول يا أخي إنك فنان كبير كده"، ومن يومها والعربي أفندي يعدني من تلاميذه النابهين الذين ينتظرهم مستقبل مشرق وقامت بيني وبينه صداقة كبيرة.