القاتل الصغير.. يهدد زفاف ابن نتنياهو!
بعدما أطلق حزب الله اللبنانى طائرة مُسيرة، استهدفت منزل رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، فى قيساريا، قبل أسبوعين، ووصلت إلى غرفة نومه، فى وقت لم يكن موجودًا فيه، لا هو ولا زوجته ولا أبناؤه، أعرب نتنياهو عن قلقه بشأن تهديد الطائرات بدون طيار، وقال «بالنسبة للصواريخ، لدينا أنظمة كشف واعتراض جيدة»، وقرر تأجيل حفل زفاف نجله، أفنير، لأسباب أمنية، وفق ما ذكرت قناة «كان» الإخبارية، العبرية، التى أوردت أن نتنياهو صرح خلف الأبواب المغلقة، بأنه يجب تأجيل الزفاف، لأنه قد يعرض سلامة الحاضرين للخطر.. هذا الحفل، الذى كان من المقرر أن يقام فى السادس والعشرين من نوفمبر الحالى، فى مزرعة رونيت بالقرب من تل أبيب.. ورد نتنياهو على الحادث فى ذلك الوقت، قائلًا: «إن عملاء إيران الذين حاولوا اغتيالى وزوجتى ارتكبوا خطأً فادحًا.. هذا لن يردعنى أو يردع دولة إسرائيل عن مواصلة الحرب ضد أعدائنا، لضمان سلامتنا للأجيال القادمة.. وأقول للإيرانيين وشركائهم فى محور الشر: كل من يمس المواطنين الإسرائيليين سيدفع ثمنًا باهظًا.. سنواصل القضاء على إرهابييكم واستعادة رهائننا من غزة، وإعادة الأمن لسكاننا فى الشمال»!!.
هذه الطائرة الصغيرة بدون طيار، أو «القاتل الصغير»، التى أدت إلى قلب الموازين العسكرية فى المنطقة، واستطاعت التسلل عبر الدفاعات الجوية، إلى أماكن لا تصلها الصواريخ، سبق وأدى انتشارها فى الحرب فى أوكرانيا إلى تغيير رؤية العديد من الخبراء لمستقبل الحرب.. وقال رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية، الجنرال ديفيد دبليو أولفين: «أعتقد أن ظهور الطائرات بدون طيار وظهور المنصات المحمولة جوًا، والتى يمكن تكرارها بسرعة ومنخفضة التكلفة، يشكل تهديدًا وفرصة فى نفس الوقت».. فهى ولا شك، توفر للجيش وسيلة لضرب الأهداف بدقة وبطريقة فعالة من حيث التكلفة.. إن هذا يوفر الفرصة «لتوفير القوة الجوية القتالية والاستشعار والاتصالات بطريقة مختلفة».. لكن، ما ينجح فى أوكرانيا، ونجح فى لبنان، قد يكون أقل فائدة فى غرب المحيط الهادئ مثلًا، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى مواجهة القوة العسكرية الصينية المتنامية.. و«السؤال الذى يتعين علينا معالجته، ونحن ننظر فى كيفية تأثيره على سلاحنا الجوى، هو مدى فائدته عبر الجغرافيا.. لا أريد أن نأخذ ما يحدث فى أوكرانيا وننقله على الفور إلى منطقة المحيطين الهندى والهادئ، بسبب طبيعة طغيان المسافة».
وقد أشار مسئولون فى البنتاجون إلى فائدة الطائرات بدون طيار للقوات الروسية والأوكرانية على حد سواء.. فقد استخدمت روسيا طائرات بدون طيار إيرانية الصنع، لمهاجمة البنية التحتية للطاقة فى أوكرانيا.. كما استخدمت القوات الروسية طائرات بدون طيار صغيرة، رباعية المراوح وذات رؤية من منظور الشخص الأول للاستطلاع والضربات الجوية.. وفى المقابل، قامت أوكرانيا بتطوير طائرات بدون طيار بعيدة المدى، قادرة على ضرب أهداف فى روسيا، من مسافة تزيد على أربعمائة كيلومتر، حسبما قال وزير الدفاع، لويد أوستن، الأسبوع الماضى.
لقد منحت وزارة الدفاع الأمريكية مؤخرًا صناعة الطائرات بدون طيار فى أوكرانيا، ثمانمائة مليون دولار، لمواصلة العمل على الطائرات طويلة المدى.. وإذ إن تكنولوجيا الطائرات بدون طيار مفيدة للولايات المتحدة أيضًا، حيث تسعى القوات الجوية إلى تصميم قوتها المستقبلية، وقال أولفين: «إن هذه الكلمات الثلاث لا تنتمى غالبًا إلى نفس النص: غير مكلفة، ودقيقة، وبعيدة المدى.. لكننا ننظر إليها من منظور الفرصة والتهديد، فى كيفية دمج هذه العناصر فى القوة».. ومع ذلك، فإن العديد من الأنظمة المتطورة التى تسعى القوات الجوية للحصول عليها من أجل المنافسة على القوة العظمى، أكثر تطورًا وتكلفة من الطائرات بدون طيار، التى انتشرت فى المجال الجوى الأوكرانى.
وتراهن القوات الجوية الأمريكية بشكل كبير على الطائرات القتالية التعاونية CCA، والتى من المقرر أن تكون بمثابة طائرات بدون طيار، تكلف خمسة وعشرين مليون دولار أمريكى لكل منها، وتطير إلى جانب المقاتلات والقاذفات المأهولة التابعة للقوات الجوية.. وقد تم الكشف عن أول سلسلة من التصاميم.. وأكد أولفين أن مائة وخمسين طائرة من هذا النوع، سوف تدخل الخدمة خلال السنوات الخمس المقبلة.. وقد دفعت القدرة والكتلة التى يمكن أن توفرها هذه المنصات القوات الجوية الأمريكية إلى إعادة تقييم احتياجاتها المستقبلية من الطائرات المأهولة، «لا أريد أن يفكر الناس فى الطائرات القتالية التعاونية، باعتبارها طائرات بدون طيار من طراز رباعية المراوح.. فهى بالتأكيد من فئة مختلفة، والفكرة هى أن تكون مستقلة ومتعاونة مع الأنظمة الحالية».. وهناك تحدٍّ آخر، يتمثل فى معرفة كيفية مواجهة الطائرات بدون طيار الرخيصة التى يستخدمها الخصوم.. ففى العام الماضى، استهدفت جماعات مدعومة من إيران بطائرات بدون طيار هجومية أحادية الاتجاه، القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط، بما فى ذلك غارة بطائرة بدون طيار أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود فى الأردن فى فبراير الماضى.. كما نشرت إيران طائرات بدون طيار هجومية أحادية الاتجاه ضد إسرائيل، والتى ساعدت مقاتلات القوات الجوية الأمريكية من طراز F-15E وF-16 فى إسقاطها فى أبريل، كما هاجم الحوثيون الشحن فى البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب جزئيًا، بطائرات بدون طيار هجومية أحادية الاتجاه عن طريق الجو والبحر.
«إن التهديد الذى يشكله استخدام الطائرات بدون طيار الصغيرة، أمر ينمو بوتيرة مقلقة بالتأكيد.. إن الحواجز التى تمنع دخول هذه الطائرات ضعيفة، والقدرة على تحديد المسئول عن الهجوم ضعيفة.. ونحن نخطط للعمل بجدية على هذا الأمر، وتطوير أنظمة مكافحة الطائرات بدون طيار الصغيرة، حتى نتمكن من مواجهة التهديدات، ليس فقط هنا، بل وأيضًا تلك التى نواجهها فى الخارج»، كما قال أولفين.
●●●
وفى ظل افتقاد طهران لقوات جوية فاعلة، تستطيع بها مواجهة الهجمات الإسرائيلية أو الأمريكية الحالية والمحتملة، فإن ذلك يدعونا إلى تناول تخطيط إيران لزيادة ميزانيتها العسكرية بنسبة 200%، وهو ما يعنى زيادة إنفاقها الدفاعى ثلاث مرات، خصوصًا أن الطائرات الإسرائيلية استطاعت فى ضربتها الأخيرة فوق الأراضى الإيرانية، أن تُحيد رادارات الدفاعات الجوية.. ومن شأن هذا أن يثير الدهشة فى المنطقة، وقد يؤدى إلى سباق تسلح.. وتقول التقارير إن المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجرانى، أعلنت عن هدف هذه الزيادة الكبيرة فى الميزانية، إذ قالت مهاجرانى: «لقد شهدنا زيادة كبيرة بلغت 200% فى ميزانية الدفاع فى البلاد».. كان هذا تصريحًا قصيرًا، ويؤدى إلى قدر كبير من التكهنات، حول ما تنوى الحكومة الإيرانية فعله بالفعل.
وعندما طُرحت مسألة ميزانية الدفاع، قالت المتحدثة: «لقد فكرنا فى زيادة القاعدة الدفاعية بنسبة 200% فى ميزانية العام المقبل».. لكن صياغة البيان تترك المجال للتغيير.. وانتقلت مهاجرانى سريعًا من مناقشة ميزانية الدفاع إلى مناقشة التهديدات الإسرائيلية لإيران، «الشعب الإيرانى ليس من الباحثين عن الحرب، بل من الباحثين عن السلام.. إيران تبحث عن السلام، ووزير خارجيتنا يتطلع إلى شرح مواقفنا بشكل صحيح وتقليل التهديدات والتوترات».
لقد زادت إيران ميزانيتها الدفاعية فى الماضى ولكن ليس بنفس القدر.. ففى عام 2022، «زادت إيران إنفاقها العسكرى بنسبة 11٪، ما جعلها فى المرتبة الرابعة عشرة، من حيث الإنفاق العسكرى العام الماضى.. وكانت هذه هى المرة الأولى منذ عقدين من الزمان، التى تحتل فيها إيران المرتبة الخامسة عشرة بين أكبر المنفقين العسكريين».. وبلغ هذا الإنفاق 24.6 مليار دولار.. وقد نمت الميزانية المخصصة للحرس الثورى الإيرانى بنسبة 14٪ مقارنة بعام 2020، وتمثل الآن 34٪ من إجمالى الإنفاق العسكرى الإيرانى.. ورغم التغييرات التى طرأت على الميزانية، فإن البنك الدولى يقدر الإنفاق الدفاعى الإيرانى بنحو 2% من الناتج المحلى الإجمالى.. ورغم الزيادة الطفيفة، إلا أنها تظل صغيرة نسبيًا.
ومنذ تقرير 2022، يبدو أن الميزانية كانت متقلبة.. وكانت ميزانية عام 2023 أقل من ميزانية عام 2021.. وخلص معهد ستوكهولم لأبحاث السلام إلى أن «إيران كانت رابع أكبر دولة منفقة عسكريًا فى الشرق الأوسط عام 2023 بمبلغ 10.3 مليار دولار.. ووفقًا للبيانات المتاحة، ارتفعت حصة الإنفاق العسكرى المخصصة للحرس الثورى الإيرانى من 27٪ إلى 37٪ بين عامى 2019 و2023».. وفى عام 2024، قررت طهران أن تصل ميزانية الدفاع الإيرانية إلى 16.7 مليار دولار، بزيادة قدرها 20٪ عن العام السابق، تشكل 25٪ من الميزانية الوطنية، وفقًا للبيانات التى نشرها مؤخرًا مركز البيانات المفتوحة فى إيران.. هذا الارتفاع الكبير فى الإنفاق العسكرى يأتى فى وقت يعانى فيه الاقتصاد الإيرانى من ارتفاع التضخم وانخفاض القدرة الشرائية، وفقًا لتقرير صادر عن Global Voices.
فى عام 2023، نشر مركز الإمارات للسياسات مقالًا، أشار إلى أنه «حتى مع وصول الاقتصاد الإيرانى إلى الحضيض، فإن قطاعه العسكرى لا يزال يحصل على حصة كبيرة من الكعكة، 21٪ فى ميزانية العام الإيرانى الجديد، ما يدل على التزام النظام بأجندته العسكرية والتسليحية».. فى حين أنه ليس هناك شك فى أن الإنفاق العسكرى الإيرانى قد زاد، وأن إيران تسعى إلى وضع نفسها كقوة عالمية على هذا الأساس، فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت إيران قادرة بالفعل على زيادة إنفاقها بنسبة 200.. لكن، إذا كانت الإنفاقات تتقلب بمليارات الدولارات سنويًا، فإن القدرة على زيادتها بنسبة كبيرة كهذه تكون أسهل.. على سبيل المثال، إذا كان هناك انخفاض بنسبة 50% فى الإنفاق من عشرين مليار دولار إلى عشرة مليارات دولار، فإن الزيادة بنسبة 200% تجعله ثلاثين مليار دولار.. وهذا يعنى أن الأرقام قد تكون خادعة.
■■ وبعد..
إن ما يهم أكثر هو نتائج هذا الإنفاق.. إذ سترغب إيران فى زيادة مدى صواريخها الباليستية ودقتها وعددها الإجمالى.. كما سترغب فى الاستثمار فى الجوانب العسكرية لبرامجها الفضائية والنووية.. كما ستستثمر بكثافة فى الطائرات بدون طيار.. وقد تسعى إلى تحديث، ليست فقط دفاعاتها الجوية، ولكن أيضًا قواتها البحرية والجوية، التى تأخرت لسنوات عديدة.. ويتطلب دعم إيران لوكلائها فى لبنان والعراق واليمن وغزة إنفاق مئات الملايين من الدولارات، أو ربما المليارات، اعتمادًا على مقدار ما تسعى إيران إلى استثماره فى كل هذه الأماكن.. وتأتى الزيادة الإيرانية فى الإنفاق الدفاعى، فى ظل المصالحة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج.. كما تأتى فى الوقت الذى تتحرك فيه إيران للعمل بشكل أوثق مع مصر وتركيا.. فهل تنظر هذه الدول إلى الإنفاق باعتباره تهديدًا، أم أنها ستفترض أنه يشكل تهديدًا لإسرائيل فقط؟.. هناك العديد من العوامل المؤثرة، ومن المؤكد أن إشارة إيران إلى زيادة الإنفاق ستثير الدهشة فى جميع أنحاء المنطقة.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.