رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شخصيات نسائية غرّدت خارج السرب فى عالم نجيب محفوظ

جريدة الدستور

على النقيض من شخصية الست "أمينة" زوجة السيد أحمد عبد الجواد٬ في ثلاثية أديب نوبل نجيب محفوظ الشهيرة، والذي تحل اليوم الذكرى الــ 13 لرحيله عن عالمنا، تأتي شخصية "زنوبة" العالمة التي نشأت في بيئة مغايرة تماما لتلك التي عاشت فيها الست أمينة المحافظة الخانعة الخاضعة لزوجها وتحكماته. حتى عندما حرضها أولادها على الخروج لزيارة مقام الحسين وكسرت ساقها٬ لم تصمد للحظات بعدما أبلغت السيد عبد الجواد بالكذبة التي حفظها لها أولادها. وبينما زنوبة التي توفرت لها الحياة المادية المستقرة بعدما ارتبط بها السيد عبد الجواد مقابل ترويضها وقمع حريتها٬ ترفض أن تتحول لنموذج الست أمينة٬ تتمرد على أن تكون تلك الجارية المسبحة بحمد سي السيد.

تواجه زنوبة سي السيد في مشهد دال عندما يواجهها فتخبره بأنها تحب شخص آخر وترفض الاستمرار معه٬ وما أن يطردها من "العوامة" حتى تكسر شوكته وعنفوانه الذي طالما مارسهما على زوجته٬ تحطم جبروته وكبرياءه٬ صارخة فيه بأن يخرج هو من عوامتها٬ وبالفعل يخرج سي السيد منكس الرأس منكفئ، بعدما فضلت زنوبة رجلا آخر عليه٬ وهو من كان يظن أنه السيد.

شخصية نسائية أخرى تمردت على الوصاية الأبوية٬ تلك التي قدمتها السندريلا سعاد حسني في فيلم "أهل القمة" فبعد زمن طويل كانت "سهام" أسيرة لتحكمات شقيقها الضابط "محمد فوزي" وزوجته٬ ترفض الزواج من "زغلول بيه" رجل الأعمال الفاسد. تترك سهام منزل شقيقها وتستجيب للحياة التي فتحها أمامها "زعتر" اللص السابق رجل الأعمال الجديد. لم تهرب سهام مع زعتر كما فهم شقيقها واستقبل قرارها واختيارها في حياة جديدة٬ إنما انطلقت لتغيير مسار فرض عليها بحسب تقاليد مجتمع يجعل من المرأة تابعة للسيد٬ وهو ما أشارت له نهاية الفيلم. فـ"سهام" بدأت في عمل جديد يؤمن لها استقلاليتها الاقتصادية بعيدا عن شقيقها وسلطته وسطوة زوجته٬ ذهبت سهام لتبدأ حياة تملك فيها قرارها وحرية اتخاذه.

"سمارة بهجت" نموذج آخر من النماذج التي غردت خارج السرب٬ فبينما الأغلبية غارقة في أوهام الأدخنة الزرقاء٬ هروبا من هزيمة 67 أو اتخاذها ذريعة "للسطل" أو (برفان) للتستر وراءه بينما في الحقيقة هذه هي ذواتهم القبيحة التي يهربون منها بحجة الهزيمة والفساد٬ وهم لا يدركون أنهم جزء من هذا الفساد. سواء الممثل الدنجوان الراكض وراء النساء٬ المشارك في إفساد الذوق العام بما يقدمه من أعمال رديئة٬ أو الزوجة الخائنة التي تقدم نفسها كضحية لخيانة زوجها. الطالبة الجامعية المستهترة٬ أو الفتاة الساقطة التي تقنع نفسها بأنها تبيع نفسها من أجل أشقائها وأمها المريضة٬ بينما في الحقيقة هي تفعل ذلك من أجل طموحات وتطلعات شخصية تخصها في المقام الأول. سمارة بهجت فتاة قوية تعري سوءات مرتادي العوامة وسهراتهم الماجنة٬ ترفض الهزيمة لكنها لا تنهزم معها٬ تسافر لمدن القناة لتنقل صور المقاومة وما يواجهه سكانها مقارنة بأهل القاهرة الغارقين في الدخان الأزرق بحجة الهزيمة.

شخصية رابعة تقدمها "حميدة" بطلة زقاق المدق٬ والتي قدمتها الفنانة شادية. حميدة وإن كانت سقطت في شباك "فرج" الذي أقنعها بتغيير حياتها والخروج من الزقاق الفقر٬ إلا أنها اختارت أن تكون نفسها٬ لا ما اختارته لها الحياة. خرجت حميدة من الزقاق للبحث عن حياة جديدة٬ هنا المحك إرادتها٬ وأنها لم تذعن للقدر٬ حتى وإن كان مصيرها القتل في حانة يرتادها جنود المحتل الإنجليزي. كان يمكن لحميدة أن ترضخ لحياة الحارة الخانقة٬ تنتظر عودة عباس الحلو٬ لكنها اختارت أن ترسم طريقها هي بيدها لا بيد الآخرين وإن ضلت في هذا الطريق.