رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل تجاوز نتنياهو الخطوط الحمراء مع أمريكا؟!


يبدو أن أول إنطباع هو أخر إنطباع بالفعل كما يقول المثل الإنجليزى.. وهذا ما خلَّفه رئيس الوزراء نتياهو منذ فترة ولايته الأولى.. بل منذ مفاوضات مصر مع إسرائيل عبر الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة فيما يُعرف بمفاوضات طابا وكم كان مقززا، غير أن " الأرض بتتكلم عربى".. فكان السيد نبيل العربى والمعروف بداهية مفاوضات طابا.. فكان له بالمرصاد.  فبنيامين نتنياهو لم يكن يولى قط اهتماما كبيرا بآراء قادة دول العالم فيه.. ربما لأنه فاقد لحواس البصر والسمع والإحساس وأشياء أخرى.

فالجميع يعرف أيضا أن الرئيس الامريكى باراك أوباما ليس أول رئيس أمريكى يصفه بأنه "عميل صعب". ففى عام 1996 ، تساءل بيل كلينتون بعد أول لقاء جمعه بنتنياهو ، قائلا " من يظن نفسه هذا الرجل؟! هل نحن ام هم القوة العظمى؟!

فمنذ البداية ، كانت علاقة أوباما بنتنياهو متوترة : لم يرحب الإسرائيليون بعدم توجُه الرئيس اوباما الى اسرائيل خلال جولته فى الشرق الأوسط عام 2009 لأن الخلافات حول التوسع الاستيطانى التى أثيرت فى العام التالى و محاولة نتنياهو حشد الكونجرس ضد عملية السلام التى تروج لها الحكومة لم تدع مجالا للشك فى أن نتنياهو يرى ان أوباما اضعف من أن يفرض رأيه.

وتطغى على كل ذلك مسألة البرنامج النووى الإيرانى. فبالرغم من نفى إيران السعى إلى إمتلاك سلاح نووى، فما من شك فى أن إيران تعتزم على المدى البعيد إمتلاك اسلحة نووية وهو المشروع الذى تعمل عليه بصبر منذ اكثر من عشر سنوات . وسيُغذى السلاح النووى طموحات إيران فى المنطقة ، و قد يزعزع توازن "الحرب الباردة" التى تخوضها مع جيرانها ، لاسيما السعودية ، وسيسرع من وتيرة سباق التسلح النووى فى الشرق الأوسط .

وستصبح اسرائيل ، فضلا عن ذلك ، مهددة.. نظرا لان ايران تخوض منذ زمن بعيد ضد الدولة العبرية ما يشبه الحرب المتقطعة، لاسيما من خلال دعم حزب الله فى لبنان. و سوف تشجع الأسلحة النووية ايران على تبنى سياسة أكثر عدوانية على المستوى الإقليمى ، مما قد يتسبب فى تفاقم الأضرار الناتجة عن الصراعات .

وحتى الآن ، كان هناك اتفاق بين الموقف الامريكى و نظيره الإسرائيلى بشأن إيران . ولكن اليوم حلت الانتقادات و الخلافات الحادة محل التعاون ، لان الامر اصبح يتعلق بالعثور على الردود المناسبة لهذا التهديد. فالخلاف أصبح كبيرا بين الحكومتين الامريكية و الاسرائيلية حول هذه المسألة .

ففى حين مايزال البعض يتساءل عن المرشح الذى يأمل نتنياهو فى ان يفوز فى انتخابات الرئاسة الامريكية المزمعة فى نوفمبر المقبل ، اجاب على هذا التساؤل بضجة تناولها الاعلام على نطاق واسع حول رفض اوباما لاقتراح نتنياهو لعقد لقاء بينهما . وسواء كان ذلك الرفض حقيقيا ام لا ، فقد اختار نتنياهو ان يجعل منها قضية عامة قبل ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

ويرى نتنياهو ان إيران هى دولة إيديولوجية فحسب لذا فإنه ليس امامها سوى اعتماد المبادئ التقليدية فى الحفاظ على الذات و التى تسمح بالوضع الراهن النووى . ومع ذلك، ان اعتبار إيران دولة خطيرة بطبيعتها يدفع الى عقد مقارنات صعبة : هل هذا النظام هو حقا أكثر تهورا من نظام ستالين ؟ أو نظام كيم جونج إيل؟ فضلا عن ذلك، يُولى الإسرائيليون اهتماما كبيرا للجانب "العقائدى" للجمهورية الاسلامية. فكما أظهرت إيران فى مناسبات عديدة، فانها تأخذ كل ما يتعلق بأيدولوجيتها على محمل الجدية، لكن بقاء النظام يعنيها بصورة أكبر.

لقد أدركت إدارة أوباما جيدا أنه يجب شن حرب استنزاف ضد النظام الإيرانى. وهو ما تفعله لاسيما من خلال العقوبات، و بزيادة التعاون مع حلفائها (بما فيهم إسرائيل) وبشن هجمات معلوماتية تهدف الى ابطاء وتيرة الملف النووى الايرانى.

ولهذا السبب رفض أوباما دعوة نتنياهو إلى فرض "خط أحمر" واضح و محدد على إيران . لقد اتت الاستراتيجية الحالية ثمارها و سمحت باستبعاد "الخيار العسكرى" . فقد انهك الجيش الامريكى. لذلك فان خوض "حرب اختيارية" سيكون خطأ سواء من الناحية السياسية او الاستراتيجية.

وإذا كانت المخاطر التى يُشكلها البرنامج النووى الإيرانى واضحة ، فان مخاطر شن حرب على إيران ليست اقل وضوحا : مثل مهاجمة ابار النفط السعودية، و زعزعة استقرار لبنان و العراق، و وقف النقل عبر الخليج، الخ.

ففى الوقت الذى يكافح فيه الاقتصاد الامريكى و الأوروبى للخروج من الأزمة ، فإن شن مثل هذه الحرب يكون عبثا. ان الدفع الى حدوث مواجهة حاليا سيكون من الحماقة والاندفاع . وهذا ما يدركه تماما البيت الابيض .

وباتت وسائل الإعلام العالمية تصف سلوك نتنياهو ازاء العلاقات الامريكية-الاسرائيلية بـ "الاحمق" كما قالت مجلة SLATE الأمريكية منذ أيام. فكثيرا ما يطلب من الولايات المتحدة أن تفعل شيئا، لكنها لم تفعله فى جميع الاحوال . ولا يتعين على نتنياهو ان يخدع نفسه : فعلى الرغم من كل ما يمكن أن يقوله المرشح الجمهورى ميت رومنى خلال حملته الانتخابية، الا انه سوف يواصل، اذا فاز فى الانتخابات، السياسة ذاتها التى انتهجها اوباما مع ايران . اذ انه ليس بامكانه تغيير كل شىء بين عشية وضحاها.

ومن وجهة النظر الإسرائيلية، ان انحياز نتنياهو لمرشح أو آخر فى الانتخابات الرئاسية الامريكية امر مٌقلق للغاية.

وأعتقد انه إذا فاز أوباما فى نوفمبر، سيكون من الأفضل لنتنياهو الا يكن له الضغينة. ثمة شىء واحد مؤكد : ايا كان الرئيس الذى سيتولى الحكم (أو ما قد يقوله خلال الحملة)، فإنه لن يُسمح قط لنتنياهو ان يكون له قرار فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية. ويتعين على نتنياهو هذه المرة ان يعى جيدا من هى القوة العظمى!

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.