رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ديكتاتور تل أبيب يُقيل وزير دفاعه!

سلط قرار رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت، الضوء من جديد على الخلافات السياسية داخل حكومة الاحتلال، وأعاد إلى الواجهة أزمة التعديلات القضائية عام 2023.. وبينما أثارت هذه الإقالة عاصفة من ردود الأفعال فى الأوساط السياسية والإعلامية، وخرج الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم ومعارضتهم الخطوة، اتسمت عموم ردود أفعال الكتّاب والمحللين فى الصحف الإسرائيلية بالنقد الشديد لهذه الخطوة، مع تسليط الضوء على أسبابها وتداعياتها.
كان أول المنتقدين، المحلل العسكرى، ناحوم برنياع، من صحيفة يديعوت أحرونوت، الذى تناول قرار إقالة جالانت من زاوية حساسة، محذرًا من تداعياته على الأمن القومى الإسرائيلى وعلى العلاقة بين الجيش والمجتمع، فضلًا عن تأثيره على المكانة الديمقراطية المزعومة لإسرائيل.. إذ يرى أن جالانت لم يكن يعارض نتنياهو بشكل شخصى، وإنما كان يعبر عن مخاوف حقيقية تجاه تأثير الإصلاحات القضائية على التماسك الداخلى للجيش، وعلى قدرة الجنود على تنفيذ مهامهم، (فى حين أن السياسيين قد يتعاملون مع الجيش على أنه مؤسسة خاضعة للقرارات العليا، فإن الجنود والضباط يرون فى الجيش حصنًا لهم، وإقالة جالانت قد تزرع بذور الشكوك والانقسامات داخل هذه المؤسسة).. وكان جالانت يسعى إلى منع تسييس الجيش، لأن (الجيش مؤسسة يلتف حولها الإسرائيليون)، وأن إقالة وزير دفاعه بهذا الشكل، قد تؤدى إلى التصدع وتحويل الجيش إلى ساحة للجدالات السياسية، (لقد حاول جالانت حماية المؤسسة العسكرية من تسييس، قد يعصف باستقلاليتها ويضعف جاهزيتها القتالية).. كما اتهم برنياع نتنياهو بأنه يسعى إلى السيطرة على جميع مفاصل الحكومة، دون اعتبار لتحذيرات العسكريين.
ورغم أنه يعتبر أن وزير الدفاع الجديد، يسرائيل كاتس، وزير الخارجية السابق، (سياسى مخضرم ومتمرس، يسبح جيدًا فى مستنقع مركز الليكود)، فإنه يقول إن (إدارة الحرب ليست الوظيفة التى تدرب عليها).. وبهذا يكون الجيش قادرًا على الاستغناء عن وزير دفاع، ولكن ماذا سيحدث للاتصالات المعقدة مع وزارة الدفاع الأمريكية؟.. على افتراض أن كاتس يجلب هناك الحكمة الدبلوماسية نفسها، التى جعلته يتشاجر مع كل دولة ممكنة، فى دوره كوزير للخارجية، (فنحن فى ورطة).. إن (قرار إقالة جالانت قد يؤثر على صورة الحكومة داخليًا وخارجيًا)، ويتساءل (كيف ستؤمن دول العالم بقوة واستقرار الجيش الإسرائيلى، إذا كانت قراراته تتعرض للتغيير والتلاعب وفقًا للمصالح السياسية؟).. هذه الخطوة قد تؤدى إلى المزيد من الانشقاقات داخل الائتلاف الحكومى، وتزعزع الثقة الشعبية بقيادة نتنياهو.. (إن بعض الديمقراطيات تموت بين عشية وضحاها.. فى حمام دم ديمقراطيتنا تموت ببطء وتدريجيًا وبهدوء).. هكذا يختتم برنياع مقاله.
وفى هآرتس، قدّم يوسى فيرتر تحليلًا شاملًا لخلفيات وتداعيات إقالة جالانت، ومركزًا على أن هذه الخطوة تأتى فى سياق التحولات السياسية الكبرى التى تشهدها إسرائيل.. ويرى فيرتر، أن هذا القرار هو محاولة من نتنياهو للسيطرة على جميع المراكز التى قد تعارض أجندته، (إقالة جالانت لم تكن مفاجئة، فهى تتماشى مع أسلوب نتنياهو، الذى لا يقبل المعارضة الداخلية، ويعتبرها تهديدًا شخصيًا لأجندته).. إن نتنياهو يعتبر الجيش أداة سياسية بيده، (فبدلًا من حماية الجيش من التلاعب السياسى، يسعى نتنياهو إلى توظيفه كوسيلة لتحقيق مصالحه السياسية.. جالانت لم يكن معارضًا شخصيًا، بل كان يدافع عن مؤسسة الجيش، كمؤسسة مستقلة تخدم جميع الإسرائيليين).. جالانت كان (يمثل صوت الضمير فى الحكومة، وعندما أقاله نتنياهو، فإن ذلك يعنى أن الحكومة تخسر صوتًا كان يحاول منعها من ارتكاب الأخطاء).
إن قرار نتنياهو إقالة وزير الدفاع، عمل جنونى، يشير إلى الافتقار التام إلى الحكمة، ويصف فيرتر نتنياهو بأنه (مصمم على الانحطاط، ويقود إسرائيل إلى الهاوية، وكل يوم يقضيه فى السلطة هو بائس لإسرائيل ومستقبلها).. وقال إن الإقالة (هجوم مباشر على أمن الدولة)، فى خضم الحرب من أجل من سماهم (مجموعة من المراوغين والطفيليين فى صفيح سياسى نتن).. إن إقالة جالانت قد تخلق شرخًا فى المجتمع الإسرائيلى بين من يؤيدون الحكومة ومن يعارضونها، ويقول (لقد خرج الآلاف من الإسرائيليين للتظاهر تعبيرًا عن استيائهم، وهذا يدل على أن الشارع الإسرائيلى يرى أن ما يحدث هو تهديد لأمنهم ومستقبلهم).. هذا الحراك الشعبى، هو بداية مرحلة جديدة من الصراع بين الحكومة والمجتمع، وأنه قد يؤدى إلى انفجار اجتماعى غير مسبوق، فى حال استمرت الحكومة فى تجاهل المطالب الشعبية.
قد تشكل إقالة جالانت تهديدًا للائتلاف الحكومى، إذ قد يجد أعضاء من حزب الليكود أنفسهم مضطرين للاختيار، بين التمسك بأجندة نتنياهو أو الانحياز إلى مصلحة الدولة.. و(هذا الوضع قد يؤدى إلى انشقاقات داخل الليكود، إذ لا يرغب الجميع فى التضحية بثوابت إسرائيل الأمنية والاجتماعية، من أجل مصالح سياسية قصيرة الأمد).. هذا هو الهدف الوحيد للحرب، الذى يهم نتنياهو حقًا: الإبحار بسفينة ائتلافه العنصرى حتى أكتوبر 2026 (موعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة)، والوصول إلى هذا التاريخ بعد تجميع الأجزاء المطلوبة لانقلاب متجدد، وهو ما سيتسبب فى تفاقم المشكلة.. كما يقول فيرتر.
أما بن كسبيت، الكاتب والمحلل السياسى الأكثر شهرة فى صحيفة معاريف، فيبدأ مقاله بتسليط الضوء على الدور الذى لعبه يوآف جالانت فى الحرب، مشيرًا إلى أن جالانت كان قد اتخذ مواقف حاسمة فى التعامل مع الأزمات العسكرية، بما فى ذلك القضايا المتعلقة بإيران وحزب الله.. ويعتبر بن كسبيت أن خلافات جالانت السياسية مع نتنياهو، بشأن كيفية إدارة شئون الدولة والأمن قد تزايدت، ما أدى إلى إقالته فى لحظة حساسة، إن (رئيس الأركان، هرتسى هاليفى، ورئيس الشاباك، رونين بار، باتا فى مرمى نيران نتنياهو، فى سعيه لبناء حكومة خاضعة تمامًا لصورته، واستبعاد أى شخص قد يشكل تهديدًا له).
●●●
وتحدث وزير الدفاع الإسرائيلى المُقال يوآف جالانت، كاشقًا، خلال مؤتمر صحفى فى تل أبيب، عن أن هذه الإقالة تأتى نتيجة خلافات بشأن ثلاثة مواضيع.. أولها إصراره القوى على أن كل شخص فى سن التجنيد ملزم بالخدمة فى الجيش الإسرائيلى، (هذا الموضوع ليس مجرد قضية اجتماعية، بل هو الأهم لبقائنا ومستقبلنا.. إنه يتعلق بأمن دولة إسرائيل والشعب الذى يعيش فى صهيون).. وأقرَّ جالانت، الذى عارض نتنياهو علنًا فى أكثر من مناسبة، وخصوصًا خلال الشهور القليلة الماضية، بأن (الجيش الإسرائيلى فقد مئات الجنود، ونعانى من آلاف الجرحى والمصابين، والحرب مستمرة).. وتعليقًا على قانون (تجنيد اليهود الحريديم)، قال إنه (لا يجب السماح بتمرير قانون تمييزى وفاسد فى الكنيست، يعفى عشرات الآلاف من المواطنين من تحمُّل العبء، لقد حان وقت التغيير).
أما السبب الثانى الذى تحدّث عنه جالانت، فيتمثل فى (إعادة المحتجزين فى قطاع غزة)، حين قال، إنه (بحكم منصبى وخبرتى، أؤكد أن الأمر ممكن.. يمكن إعادة المحتجزين، ولكنه يتطلب تنازلات بعضها مؤلم، وإسرائيل ستتمكن من تحمُّل هذه التنازلات، وسيتكفل الجيش الإسرائيلى بتوفير الأمن اللازم لذلك).. مؤكدًا أنه (لن تكون هناك مغفرة للتخلى عن المحتجزين، سيكون هذا وصمة عار على المجتمع الإسرائيلى، وعلى أولئك الذين يقودون هذه الطريق الخاطئة).. وعن السبب الثالث وراء إقالته، أكد جالانت (ضرورة استخلاص الدروس، بعد تحقيق شامل وموضوعى.. لجنة تحقيق وطنية.. قلت وأكرر، أنا المسئول عن منظومة الأمن خلال العامين الماضيين، عن النجاحات وعن الإخفاقات.. فقط ضوء الحقيقة والتحقيق الشفاف، سيمكننا من استخلاص الدروس وبناء قوتنا للتصدى لتحديات المستقبل).
●●●
وطالما كان وزير الأمن الداخلى، إيتمار بن غفير، الأكثر عداءً لجالانت، ومطالبًا باستمرار بإقالته، بزعم أنه (لا يمكن تحقيق النصر الكامل مع جالانت، الذى لا يزال متمسكًا بمفاهيم قديمة)، لذلك كان الأكثر ترحيبًا بقرار نتنياهو، قائلًا، (لقد أحْسَن رئيس الوزراء صنعًا بإقالة وزير الدفاع من منصبه).. بعد أن تحدّث نتنياهو عن وجود خلافات كثيرة ظهرت بينه وبين جالانت، فيما يتعلق بحرب إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، موضحًا أنه (رافقت هذه الفجوات تصريحات وأفعال تخالف قرارات الحكومة، وقرارات المجلس الوزارى المصغر).. وأنه (فى خضم الحرب، هناك حاجة أكبر من أى وقت مضى إلى الثقة الكاملة، بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع، وللأسف، رغم أن هذه الثقة كانت موجودة فى الأشهر الأولى من الحرب، وكانت هناك علاقة عمل مثمرة، إلّا أنها بدأت تتلاشى فى الأشهر الأخيرة بينى وبين وزير الدفاع.. وبناء على ذلك، قررت إنهاء مهام الوزير، وقررت تعيين الوزير يسرائيل كاتس، فى هذا المنصب).
إقالة جالانت فى وسط الحرب، قرار، اعتبره زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، بأنه (عمل جنونى.. إن نتنياهو يبيع أمن إسرائيل وجنود الجيش الإسرائيلى، من أجل البقاء السياسى البائس).. وقال فى تغريدة على منصة (X) إن (حكومة اليمين الكاملة، تُفضل المتخلفين عن الخدمة على حساب من يخدمون)، داعيًا (جميع الوطنيين الصهاينة للخروج إلى الشوارع مساء الثلاثاء للاحتجاج).
اللهم اضرب الظالمين بالظالمين.. وأخرجنا من بينهم سالمين.. آمين.