رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحدت إسرائيل من أجله.. لماذا تتمسك فرنسا بأمن لبنان؟

ماكرون ونتنياهو
ماكرون ونتنياهو

ثمة تحولات ملحوظة في اللهجة والسياسة الفرنسية تجاه إسرائيل نشأت في الفترة الأخيرة، وتحديدًا بعد الهجمات الإسرائيلية على لبنان، حيث دعا الرئيس الفرنسي ماكرون إلى وقف شحنات الأسلحة إلى الدولة العبرية، مشيرًا إلى الأضرار المتزايدة الناتجة عن الهجمات الإسرائيلية في لبنان، وهو الأمر الذي يدعو إلى العديد من التساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء ذلك التحول في الموقف الفرنسي، خاصة أن فرنسا كانت دائمًا تدعم الحكومة الإسرائيلية بشكل غير مشروط.

تحول من دعم غير مشروط إلى هجوم

 

وذكر أحد المحللين السياسيين الدوليين في مقال له، تناول الأسباب المحتملة وراء تغيير ماكرون لموقفه نحو إسرائيل، مشيرًا إلى أن الرئيس الفرنسي منذ توليه المنصب، كان مؤيدًا بشكل مطلق للحكومة الإسرائيلية، بل وقام بقمع الأصوات التي تتضامن مع القضية الفلسطينية، ما عكس موقفًا سياسيًا يميل إلى الانحياز الكامل لطرف واحد في النزاع.

أوضح الكاتب أن الأمور قد بدأت تتغير، حيث جاء إعلان ماكرون في الرابع من أكتوبر الماضي، ليؤكد أن الأولوية الحالية هي العودة إلى الحلول السياسية ووقف تسليم الأسلحة لإسرائيل، في وقت تتواصل فيه الاشتباكات في غزة، مشيرًا إلى أن هذا الإعلان جاء في وقت كان الجيش الإسرائيلي قد بدأ بتصعيد هجماته في لبنان، ما زاد من القلق الدولي بشأن التصعيد العسكري في المنطقة.

مخاوف المصالح الفرنسية

أشار المحلل إلى أن المصالح الفرنسية في المنطقة قد تكون قد أثرت على هذا التحول في موقف ماكرون، فبينما كانت القوى الغربية تتجاهل بشكل كبير الوضع في غزة، فإن لبنان يمثل أهمية خاصة لفرنسا، كونه معقلًا تاريخيًا لها في الشرق الأوسط، ومنذ استقلال لبنان في عام 1946، حافظت فرنسا على علاقات وثيقة مع هذا البلد، وكانت دائمًا تسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة.

ويعد لبنان هو موطن للعديد من الشركات الفرنسية الكبرى، مثل توتال وCMA-CGM، اللتين لهما استثمارات كبيرة في قطاعات الطاقة والنقل، كما أن هناك مصالح اقتصادية فرنسية قوية في صناعة الأغذية والزراعة، مما يجعل مستقبل لبنان جزءًا من الأجندة الاقتصادية الفرنسية، وبالتالي، فإن التصعيد العسكري الإسرائيلي في لبنان يهدد هذه المصالح بشكل مباشر، مما يفسر دعوة ماكرون إلى وقف شحنات الأسلحة.

القلق الدولى والتحذيرات

علاوة على ذلك، أعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن قلقها الشديد بعد استهداف قوات اليونيفيل، مشددة على أهمية حماية قوات حفظ السلام في أي صراع، وقد أوضح البيان الرسمي أن فرنسا تنتظر توضيحات من السلطات الإسرائيلية بشأن الهجوم، معتبرة أن حماية قوات “اليونيفيل” هى التزام يجب أن يلتزم به جميع الأطراف في النزاع.

وذكرت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان لها: "تعبر فرنسا عن قلقها الشديد بعد إطلاق إسرائيل النار على قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل)، وتندد بأي هجوم على أمن اليونيفيل"، مضيفة أنه لم يصب أحد من جنودها في اليونيفيل البالغ عددهم 700.

ردود الأفعال الإسرائيلية

جدير بالذكر أنه بعد دعوة ماكرون، جاء رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سريعًا حيث قام بتوجيه رسالة بالفيديو تركز على رفضه لمطلب ماكرون. 

وانتقد نتنياهو الدعوات الغربية لفرض حظر على الأسلحة ضد إسرائيل، مؤكدًا أن إسرائيل ستظل قوية وستحقق أهدافها بغض النظر عن الدعم الخارجي،  وعبّر عن استهجانه لتلك الدعوات، معتبرًا أن من يطالب بذلك يعرض أمن إسرائيل للخطر.

هذا الرد لم يكن مفاجئًا، حيث يعكس سياسة نتنياهو الثابتة في مواجهة أي انتقادات أو مطالبات قد تؤثر على قدرة إسرائيل على تنفيذ عملياتها العسكرية، ومع ذلك، كان هناك شعور متزايد بأن تصعيد الهجمات الإسرائيلية في لبنان قد يؤثر سلبًا على العلاقات مع حلفائها التقليديين، بما في ذلك فرنسا.

بشكل عام، تظهر الأحداث الأخيرة أن التحولات في السياسة الفرنسية تجاه إسرائيل ليست مجرد تغييرات ظرفية، بل تعكس التحديات العميقة التي تواجهها فرنسا في ظل عدم استقرار المنطقة، كما تبرز أهمية الحفاظ على المصالح الوطنية كعامل رئيسي في تحديد المواقف السياسية، حيث يظل لبنان نقطة محورية في الاستراتيجية الفرنسية، مما يعزز الحاجة إلى سياسات أكثر توازنًا ومرونة في التعامل مع الأزمات الإقليمية.