رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تصدقوا أكذوبة الخلاف بين بايدن ونتنياهو!

عادة ما تصف وسائل الإعلام سياسات إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، تجاه الشرق الأوسط، خلال العام الماضى، بأنها حسنة النية ولكنها غير فعَّالة.. ووفقًا لما قاله مساعدوه للصحفيين، فإن الرئيس وفريقه يضغطون بقوة من أجل التوصل إلى حل يُنهى العنف.. وورد أن الرئيس يوبّخ رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، عندما يتحدث الاثنان على انفراد، ولكنه لا يستطيع إقناعه باستراتيجية من شأنها تقليل الخسائر الفلسطينية.. ربما هناك بعض الحقيقة فى كل ذلك.. ولكن بعد مرور عام على الصراع، الذى امتد الآن إلى ما وراء غزة، إلى الضفة الغربية وإيران ولبنان وسوريا واليمن، أصبحت هناك قناعة بشكل متزايد، بأن إدارة بايدن تتفق إلى حد كبير مع استراتيجية نتنياهو، على الرغم من الإشارة فى بعض الأحيان إلى خلاف ذلك.. من نواحٍ كثيرة، سياسات نتنياهو هى سياسات أمريكا.. والاعتراف بهذه الديناميكية هو خطوة أولى لتغييرها.

أمريكا ليست قوية فى الخارج.. لكن من الصعب تصديق فكرة أن الولايات المتحدة ليس لها تأثير يذكر مع حليف وثيق، تقدم له أسلحة بمليارات الدولارات.. هكذا يؤكد بيرى بيكون جونيور، فى مقال له بصحيفة «واشنطن بوست».. ففى نهاية المطاف، غالبًا ما تنحنى الحكومات الأجنبية لإرادة الولايات المتحدة.. فمثلًا، بناء على إلحاح إدارة بايدن، جعلت المكسيك من الصعب على المهاجرين المسافرين من أمريكا اللاتينية دخول الولايات المتحدة. 

واشتكى القادة الأوكرانيون فى بعض الأحيان، من عدد الشروط المرتبطة بالمساعدات العسكرية الأمريكية التى يحصلون عليها لمحاربة روسيا.. وعندما لا تحصل الولايات المتحدة على ما تريد، فإنها غالبًا ما تكون عدوانية جدًا فى الرد.. فى الشهر الماضى، أعلنت وزارة العدل الأمريكية، عن أنها استولت على طائرة استخدمها الرئيس الفنزويلى، نيكولاس مادورو، الذى أغضب المسئولين الأمريكيين بعدم التخلى عن السلطة، على الرغم من الأدلة الواضحة على أنه خسر الانتخابات الأخيرة فى بلاده.

لكن خلال العام الماضى، وبالرغم من التقارير المستمرة عن التوترات بين البلدين، اتخذت الحكومة الأمريكية القليل من الإجراءات لكبح جماح إسرائيل، مثل ربط المساعدات العسكرية بالحد من الخسائر فى صفوف المدنيين الفلسطينيين.. قد يكون بايدن وكبار مساعديه بذلوا قصارى جهدهم لتجاهل أو التقليل من شأن التحركات الإسرائيلية، التى انتقدتها بشدة جماعات حقوق الإنسان والدول الأخرى، وحتى المسئولون المهنيون داخل الحكومة الأمريكية. 

ويشمل ذلك منع إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين، وقتل زعيم حماس، إسماعيل هنية، الذى كان شخصية مهمة فى محادثات وقف إطلاق النار التى تقودها الولايات المتحدة، وتفجير أجهزة النداء التى يستخدمها أعضاء حزب الله.. ولو أن الولايات المتحدة ضغطت بقوة- فى رأى جونيور- لكان من الممكن أن تُجبر إسرائيل على الحد من معاناة المدنيين الفلسطينيين، الذين لم يلعبوا أى دور فى السابع من أكتوبر.. وقد تجرأ الإسرائيليون على اتخاذ إجراءات عدوانية مُفرطة، لأن الدعم الأمريكى يبدو غير مشروط!

ونتساءل: لماذا لم تُقيد الولايات المتحدة إسرائيل بأى طريقة حقيقية؟

الإجابة ببساطة، أن بايدن لا يريد ذلك حقًا.. صحيح أن بايدن يُبدى شعورًا بالحزن لوفاة الأطفال والنساء الفلسطينيين.. لكن تعليقاته العلنية وتعليقات مسئولين آخرين فى إدارته، تشير إلى أن الحكومة الأمريكية تتفق بشكل عام مع وجهة نظر نتنياهو بشأن الشرق الأوسط. 

يُصور القادة فى إسرائيل والولايات المتحدة، إسرائيل كدولة ديمقراطية جيدة أخلاقيًا مُحاطة بدول معادية لوجودها.. إنهم قلقون جدًا من اكتساب إيران القوة والنفوذ.. وهى تعنى ضمنًا أن أى عمل عسكرى إسرائيلى تقريبًا، له ما يبرره بسبب هجمات السابع من أكتوبر، وبسبب التهديد المستمر لإسرائيل من حماس وحزب الله وإيران على وجه الخصوص.. لذلك، حتى لو كانت الولايات المتحدة تُفضل أن تقوم إسرائيل بعدد أقل من التفجيرات فى المناطق المكتظة بالسكان فى غزة، فإن البلدين متفقان بشأن القضايا الأساسية.

لكن ما حدث خلال العام الماضى إسرائيل تقتل المدنيين بشكل جماعى، وتخلق حواجز على الطرق أمام اتفاقات وقف إطلاق النار وتصعيد الصراع خارج غزة لا يمكن أن يستمر.. تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة جديدة تجاه إسرائيل.. لكن ذلك لن يأتى فقط من خلال إلقاء محاضرة على نتنياهو أو بايدن، حول عدد الأطفال الذين يموتون أو يتضورون جوعًا.. بدلًا من ذلك، يجب دفعهم لإعادة التفكير فى الأفكار الأساسية وراء هذا التحالف.. لا ينبغى على الولايات المتحدة أن تدخل فى حروب باردة أو ساخنة طويلة الأمد مع الصين أو إيران أو روسيا أو أى دولة أخرى، ولكن بدلًا من ذلك تدين أعمالًا محددة، مثل غزو روسيا لأوكرانيا.. يجب انتقاد الحلفاء، سواء بريطانيا أو إسرائيل، عندما يتصرفون بشكل غير عادل.. والأهم من ذلك، إعطاء الأولوية للناس العاديين، وليس الدول، التى لا يمثل قادتها مواطنيها فى كثير من الأحيان.. لا شىء يفعله قادة حماس أو حزب الله أو إيران يبرر الأعداد الكبيرة من القتلى المدنيين.. ما كان ينبغى أن يقوله بايدن ومساعدوه باستمرار فى العام الماضي، هو أن «حياة الإسرائيليين والفلسطينيين مهمة»، وليس «لإسرائيل الحق فى الدفاع عن نفسها».. تحتاج إدارة بايدن ومنتقدو ما تفعله إسرائيل، إلى التوقف عن التذمر من نتنياهو.. هو وحده ليس المشكلة.. على الولايات المتحدة إما أن تعترف بأنها تتفق بشكل أساسى مع استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلى، أو اتخاذ خطوات حقيقية لدفعه فى اتجاه أقل تدميرًا.. وفى أحسن الظروف، إيقافه كليًا.

●●●
ومع ذلك، يبدو أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذى وصفه مسئولون كبار فى الإدارة الأمريكية، بأنه «حيوان سياسى»، متناغم إلى حد كبير مع السياسة الأمريكية، حساس للغاية تجاه أى تداعيات سياسية محتملة لأفعال إسرائيل فى الولايات المتحدة، على حد قولهم.. قد برز الصراع المتنامى فى الشرق الأوسط، كقضية مستمرة فى الانتخابات الأمريكية.. واجه الرئيس جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، ضغوطًا من التقدميين بسبب تعاملهما مع الموقف.. وفى الوقت نفسه، اتهم الجمهوريون، بمن فيهم الرئيس السابق دونالد ترامب، الإدارة بإفساد الأزمة، وإرسال العالم إلى حالة من الفوضى.. ومع اقتراب موعد الانتخابات، بدأت الإدارة الأمريكية فى ممارسة ضغوط جديدة على إسرائيل لتحسين الظروف الإنسانية داخل غزة. 

وفى رسالة صارمة كُشِف عنها هذا الأسبوع، حذر وزير الخارجية، أنتونى بلينكن، ووزير الدفاع، لويد أوستن، إسرائيل من أن الفشل فى تسليم المزيد من المساعدات للقطاع، قد يؤدى إلى قطع المساعدات العسكرية.. ولم ينسيا أن يقولا، إن أمام تل أبيب مهلة شهر لتنفيذ ذلك!

ولكن، فى إشارة إلى الديناميكيات السياسية المتوترة، لم يوقِّع الرئيس أو نائبة الرئيس على الرسالة، ولم يهدد أى منهما علنًا بقطع المساعدات عن إسرائيل، على الرغم من الضغوط من اليسار.. ويوافق الموعد النهائى للسماح بمزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة بعد الانتخابات.. ناهيك أن التحذير جاء فى نفس الأسبوع الذى وصل فيه نظام الدفاع الجوى الأمريكى المتقدم «ثاد» إلى إسرائيل، للدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإيرانية.. وتظل كيفية تطور الصراع فى الأسابيع الثلاثة التى تسبق يوم الانتخابات، واحدة من أكبر الشكوك التى تحيط بالحملتين الرئاسيتين.. ورغم أنها ليست قضية من الدرجة الأولى بالنسبة للعديد من الناخبين، فقد أدت الأزمة إلى تعقيد جهود هاريس للفوز بولاية ميتشيجان، وهى ولاية ذات تركيز كبير من الناخبين الأمريكيين من أصل عربى.

بالنسبة لبايدن وهاريس، كما يقول إم جيه لى، وكيفن ليبتاك، من «سى إن إن»، فإن إندلاع صراع إقليمى أوسع نطاقًا، من شأنه أن يُشكِّل تطورًا غير مُرحب به فى قضية، تسببت لهما بالفعل فى صداع سياسى كبير.. ووفقًا لتقييمات بعض المسئولين الأمريكيين، فإن نتنياهو يدرك تمام الإدراك، كيف يمكن لضربة مضادة محتملة، أن تعيد تشكيل السباق الرئاسى، الأمر الذى يضيف طبقة من التعقيد إلى الدبلوماسية الجارية بين البلدين، على مدى الأشهر القليلة الماضية.. ولم يحاول بايدن، فى أعقاب الهجوم الصاروخى الإيرانى فى وقت سابق من هذا الشهر، ثنى نتنياهو عن الرد بقوة.. ولكن فى ظل إدراكه لاحتمالات اندلاع حرب شاملة، أو ارتفاع أسعار النفط فى السباق الرئاسى، عمل هو وفريقه على تشجيع الانتقام المدروس.. وكان مسئولو إدارة بايدن متحفظين، بشكل ملحوظ، بشأن توقيت وأهداف الضربة الإسرائيلية المقبلة، بعد أن أطلقت إيران حوالى مئتى صاروخ باليستى على الدولة العبرية، فى وقت سابق من هذا الشهر.

وأبلغ نتنياهو بايدن الأسبوع الماضى، بأن إسرائيل لا تنوى استهداف المواقع النووية أو النفطية الإيرانية خلال هذه الجولة من الانتقام، حسبما ذكرت شبكة «سى إن إن»، وهى الرسالة التى استقبلها البيت الأبيض بارتياح.. وكان بايدن قد شجع إسرائيل علنًا على تجنب تلك الأهداف.. لكن بيانًا من مكتب نتنياهو، قال «نحن نستمع إلى آراء الولايات المتحدة، لكننا سنتخذ قراراتنا النهائية بناءً على مصالحنا الوطنية»، وهو مؤشر على أنه على الرغم من أى تأكيدات قدمها لبايدن، فإن نطاق رد إسرائيل قد يكون مختلفًا عما شجعه البيت الأبيض.. وقد شعر بايدن بالإحباط، لأن نتنياهو يبدو أنه يتجاهل نصائحه وتوصياته، ويرفض علنًا محاولاته لخفض التوتر الإقليمى.. وتكهن بعض المسئولين الأمريكيين بشكل خاص، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى يتطلع إلى تعزيز دونالد ترامب فى الأسابيع التى تسبق انتخابات نوفمبر.. ولكن حتى هذا الأسبوع، لم يصل بايدن إلى حد التهديد بربط المساعدات الأمريكية لإسرائيل، بالجهود الرامية إلى تحسين الظروف الإنسانية للفلسطينيين.

●●●
لقد حان الوقت لأمريكا أن تكون حقيقية مع إيران وإسرائيل، كما يؤكد توماس فريدمان، فى مقاله بصحيفة «نيويورك تايمز»، الذى يُبدى تعجبًا من أن الولايات المتحدة ترسل نظامًا متقدمًا مضادًا للصواريخ إلى إسرائيل، إلى جانب القوات الأمريكية لتشغيله، فى الوقت الذى يقول فيه وزير الخارجية الإيراني، إنه لن تكون هناك «خطوط حمراء» تحكم رد إيران على أى رد إسرائيلى، على الانتقام الصاروخى الإيرانى الأخير.. وتقول التقارير الواردة من الخليج العربى، إن إيران أخبرت دول الخليج بهدوء، أنه إذا تعرضت إيران لضربة من قبل إسرائيل، فقد ترد طهران بضرب حقول النفط العربية.. إذا كان كل هذا لا يرعبك، فأنت غائب عن الإدراك.

ولأنه يرى إيران مخترقة ومكشوفة ومعزولة، فإنه يقترح إنهاء السطوة الإيرانية فى لبنان والعراق وسوريا واليمن وغزة، مقابل التزام الولايات المتحدة بعدم إسقاط نظام الملالى، وبدلًا من ذلك، الانخراط فى بناء ترتيب أمنى جماعى على مستوى المنطقة.. أنتم تنسحبون، ونحن نتراجع، وإسرائيل تتراجع.. لكن هذا الهراء المتمثل فى رعاية الدول الفاشلة فى لبنان واليمن وسوريا والعراق، حتى تتمكن شعوبها جميعًا من القتال والموت، بينما طهران فى أمان.. يجب أن يتوقف الآن.. نحن لسنا فى خارج حدودنا لإذلال إيران.. يمكنها أن تسميها انتصارًا لنظام الملالى، أن الشيطان الأكبر اعترف بإيران كجزء ضرورى من أى نظام أمن جماعى إقليمى.. لكن تسليح حزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية فى العراق انتهى.. أنتم تتوقفون عن ذلك، وسنجعل الإسرائيليين ينسحبون من جنوب لبنان وغزة.. وسيحل الجيش اللبنانى وقوة دولية ذات مصداقية محل حزب الله، وستحل قوة حفظ سلام عربية محل حماس.. كما سنشجع إسرائيل على الحد من أى ضربة انتقامية ضدكم.. وخلاف ذلك، أنت وحدك.

إذا أردنا شرق أوسط سلميًا وأفضل، فنحن بحاجة إلى شحذ الخيارات أمام القيادة الدينية الإيرانية: استئناف المحادثات النووية، وإنهاء توريد آلاف الصواريخ لوكلائها، والقدرة على البقاء فى السلطة.. أو ستمنح الولايات المتحدة إسرائيل كل سلاح فى ترسانتها التقليدية، بما فى ذلك القنابل الخارقة للتحصينات التى يبلغ وزنها ثلاثين ألف رطل، والمُصمَّمة لتدمير منشآتها النووية المدفونة بعمق وقاذفات B-2 لإيصالها.. وكما قال كريم سجادبور، الخبير فى الشئون الإيرانية فى مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، إن المرشد الأعلى على خامنئى «كان يعتقد منذ فترة طويلة، أن استمرار العداء مع أمريكا وإسرائيل، أكثر أهمية لبقاء نظامه من التقارب أو الإصلاح.. ولكى تتغير هذه الديناميكية، يجب أن يواجه خامنئى شعورًا عميقًا بالقلق الوجودى، وهو شعور يُقنعه بأن المسار الحالى يُخاطر بانهيار نظامه».. يوافق الجنرال كينيث ماكنزى، جونيور، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، الذى أشرف على مقتل قاسم سليمانى عام 2020، قائد فيلق القدس النخبوى داخل فيلق الحرس الثورى، على أن «إيران قد تبدو غير متوَّقعة فى بعض الأحيان»، كما قال فى مجلة «ذى أتلانتيك»، «لكنها تحترم القوة الأمريكية وتستجيب للردع.. عندما ننسحب، تتقدم إيران.. عندما نثبت أنفسنا بعد أن وزنا المخاطر واستعددنا لجميع الاحتمالات تتراجع إيران».

لهذا السبب يتعين على الولايات المتحدة أن تواجه إيران بتهديد ساحق باستخدام القوة، مقترنًا بمسار دبلوماسى للبقاء، ولكنه مسار يعالج هذه المرة تهديد إيران النووى وسلوكها الإقليمى. مهمة واشنطن هى تغيير سلوك إيران، أما تغيير النظام فهو مهمة الشعب الإيرانى.. إن أفضل طريقة لفقدان هذا النظام لقبضته، هى حرمانه من أكسجين الصراع الدائم مع إسرائيل وأمريكا، وجميع الأعذار التى يقدمها الحكام الدينيون فى إيران كسبب لعزلة شعبهم وفقره.. «لكننى لا أتوقف عند هذا الحد»، يقول توماس، بل نحتاج أيضًا إلى شحذ الخيارات أمام رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو: يجب ألا نعمل على جعل إسرائيل آمنة، حتى تتمكن حكومة متطرفة من ضم الضفة الغربية.. إذا كنا سنستمر فى إعادة تزويد إسرائيل بالصواريخ، وحتى إرسال أنظمة الصواريخ التى تديرها الولايات المتحدة، يحتاج نتنياهو إلى تطهير مجانين المستوطنين من حكومته، وتشكيل ائتلاف وحدة وطنية، والموافقة على فتح محادثات مع السلطة الفلسطينية إذا تم إصلاحها مع حكومة تكنوقراط جديدة، بقيادة قادة موثوقين، مثل رئيس الوزراء السابق، سلام فياض حول حل الدولتين.. فمن شأن ذلك أن يمهد الطريق أمام الإمارات العربية المتحدة، وغيرها من الدول العربية المعتدلة، لنشر قوات فى غزة، وللمملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وصياغة اتفاقية أمنية مع واشنطن.

لن تنتهى هذه الأزمة فى الشرق الأوسط، حتى تحدد إسرائيل حدودها الشرقية بوضوح، وتعلن أن كل شىء خارجها مخصص لدولة فلسطينية فى الضفة الغربية.. وبمجرد أن يفى الفلسطينيون بالمتطلبات الأمنية المشروعة التى تحتاجها إسرائيل لقبول حل الدولتين، يجب أن تكون إسرائيل خارج المستوطنات اليهودية الآن.. إن ضم إسرائيل الزاحف للضفة الغربية يدمر شرعيتها كدولة ديمقراطية، فى حين أن دفاعها عن نفسها يتطلب كل الأصدقاء الذين يمكنها الحصول عليهم فى المنطقة وخارجها.. والأهم من ذلك، أن هذه الأزمة فى الشرق الأوسط لن تنتهى حتى تحدد إيران، حدودها الغربية، وتعلن أن كل شىء يتجاوز ذلك، هو أن يقرر اللبنانيون والسوريون واليمنيون والعراقيون والإسرائيليون والفلسطينيون مصيرهم- طالما أنهم يحترمون احتياجات إيران الأمنية المشروعة.. يجب أن تكون إيران خارج مجال الإمبريالية الدينية.

باختصار، نحن حقًا بحاجة إلى بعض الدبلوماسية الأمريكية الإبداعية والقسرية فى الوقت الحالى، لوضع حد نهائى للمشاريع الاستعمارية، لكل من إسرائيل وإيران، التى تغذى بعضها البعض.. هذا هو الشرط الضرورى، ولكنه غير كافٍ لنزع فتيل الجنون فى هذه المنطقة.. لا يمكن لإسرائيل أن تتحمل أن تكون فى حرب صاروخية طويلة الأمد وواسعة النطاق مع إيران، لأنها صغيرة جدًا، وإيران كبيرة جدًا، وصواريخ الولايات المتحدة الاعتراضية لحماية إسرائيل ستنفد، إذا أطلقت إيران وجميع وكلائها النار على إسرائيل فى وقت واحد.. ولا يمكن لإيران أن تخوض حربًا صاروخية واسعة النطاق مع إسرائيل، لأن صبر الولايات المتحدة وحلفائها قد نفد، مع مغامراتها المتهورة التى تزعزع استقرار المنطقة بأسرها.

●●●
ويبقى ما يُحاك إسرائيليًا ضد الأراضى الفلسطينية وبموافقة أمريكية، شديد الخطورة، يهدد الوجود الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربية، ويحول دون قيام الدولة الفلسطينية، لا اليوم ولا غدًا.. إذ يسعى وزيران من حزب الليكود، إلى الترويج لمؤتمر قادم يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات الإسرائيلية فى قطاع غزة، كوسيلة لتعزيز الأمن لإسرائيل بعد انتهاء الحرب ضد حركة حماس.. وتنظم المؤتمر، الذى يحمل عنوان «الاستيطان وحده سيجلب الأمن»، مجموعة من الحركات التى تريد توطين غزة، بالرغم من رفض زعماء التيار السائد فى إسرائيل، مرارًا وتكرارًا، فكرة إعادة إنشاء المستوطنات فى غزة، إلا أن هجوم السابع من أكتوبر أعاد الآمال بين بعض أنصار حركة الاستيطان.

وشجع وزير السياحة، حاييم كاتس، ووزير الرياضة والثقافة، ميكى زوهار، الحضور فى المؤتمر، الذى يخطط العديد من المُشرعين الآخرين من حزب الليكود الحاكم، بزعامة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو للمشاركة فيه، حيث قال كاتس، إن إعادة بناء المستوطنات «ستكون بمثابة رسالة حازمة لأعدائنا القتلة، بأننا لن ننكسر أبدًا»، إن هجوم حماس فى السابع من أكتوبر أظهر أن «حماقة اقتلاع المستوطنات فى جوش قطيف وشمال السامرة يجب تصحيحها»، فى إشارة إلى المستوطنات التى تم إخلاؤها فى غزة وشمال الضفة الغربية على التوالى، إذ إن إزالة المستوطنات «خلقت الوحش النازى فى قطاع غزة، وموجة الإرهاب التى خرجت من شمال السامرة فى السنوات الأخيرة»، وزعم أن أغلبية الجمهور الإسرائيلى يتفقون على المبدأ القائل بأن «الاستيطان فقط يجلب الأمن».. مع أن استطلاع للرأى أجرى فى ديسمبر الماضى، أظهر أن 56% من الجمهور الإسرائيلى يعارض إعادة بناء المستوطنات فى قطاع غزة.

وقد أذاع وزير الرياضة والثقافة، زوهار فى مقطع فيديو ترويجى، إن المؤتمر سيشرح «لماذا الاستيطان مهم؟، ولماذا منع إقامة الدولة الفلسطينية مهم؟».. ورد فيه أن السابع من أكتوبر أظهر أن الطريق الوحيد أمام إسرائيل لتحقيق النصر هو «من خلال القيم والمبادئ!!» التى يعبر عنها المشروع الاستيطانى.. و«عندما يدرك الإرهابيون أنه ردًا على ما يفعلونه، فإننا سنستوطن هذه الأرض، فسوف يتوصلون سريعًا إلى استنتاجات مختلفة عما كانوا يعتقدونه فى السابع من أكتوبر».. ودعا زعيم الصهيونية الدينية، وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، علنًا إلى إعادة توطين غزة ونقل الفلسطينيين خارج القطاع.. وقد أثارت تصريحاته بداية الشهر، التى كررها وزير الأمن الداخلى، إيتمار بن غفير، انتقادات ظاهرية من الولايات المتحدة، بأن، «هذا الخطاب مثير للجدل وغير مسئول».. وقد رفض سموتريتش وبن غفير الانتقادات الأمريكية.

وعلى مدى أشهر، رفض نتنياهو طلبات الولايات المتحدة بالبدء فى التخطيط بشأن من سيحكم قطاع غزة بعد الحرب، معترفًا ظاهريًا بأن شركاءه فى الائتلاف اليمينى المتطرف، سوف يرفضون المقترحات التى لا تتضمن إعادة احتلال إسرائيل، وإعادة توطين سكان غزة، وهو ما تعارضه المؤسسة الأمنية وواشنطن.. ولم يتطرق نتنياهو شخصيًا إلى الضجة التى أثيرت بشأن دعوات إعادة التوطين، لكن مكتبه أصدر بيانات تؤكد أنها لا تمثل سياسة الحكومة!!، ولكنه أوضح أيضًا تصميمه على عدم السماح بقيام دولة فلسطينية كاملة العضوية، وهو ما يتناقض على ما يبدو مع توقعات واشنطن، إذ دعت إدارة بايدن إلى إنهاء الحرب ضد حماس، بالتوازى مع الطريق نحو حل الدولتين فى نهاية القتال.

●●●
يحدث هذا، فى الوقت الذى يقول مسئولون أمريكيون، إن وزير الخارجية، أنتونى بلينكن، يدرس خطة لما بعد الحرب فى غزة، تعتمد على أفكار طورتها إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، ومن المقرر تقديمها بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. ويشعر العديد من المسئولين فى البيت الأبيض ووزارة الخارجية بالقلق، من أن الخطة قد تؤدى إلى تهميش رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس وحكومته، وهو ما تدفع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة نحوه فى الأمد القريب.. ولكن، مع عدم وجود اتفاق فى الأفق، لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس، وتثبيت وقف إطلاق النار فى غزة، فإن تقديم خطة «اليوم التالى» يمكن أن يكون جزءًا إيجابيًا محتملًا من إرث إدارة بايدن المحيط بالصراع.

تحدث باراك رافيد، من موقع أكسيوس، إلى اثنى عشر مسئولًا أمريكيًا وإسرائيليًا وفلسطينيًا وإماراتيًا، مطلعين على هذه القضية، حيث قال مسئولون أمريكيون إن البعض فى وزارة الخارجية، بما فى ذلك بلينكن، يعتقدون أن التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن ووقف إطلاق النار، لا يبدو ممكنًا قبل نهاية إدارة بايدن، وبالتالى فإن الخطة الإسرائيلية الإماراتية هى «خطة بديلة» محتملة، يمكن أن تبدأ فى رسم مسار للخروج من الحرب.. لكن مسئولين آخرين داخل وزارة الخارجية يقولون، إن هذه الفكرة غير حكيمة، ولا تخدم إلا مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ومن المؤكد أن الفلسطينيين سوف يرفضونها وسوف تفشل.. بينما قال مسئولون أمريكيون وإسرائيليون وإماراتيون، إن إدارة بايدن وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، تناقش منذ أشهر أفكارًا مختلفة بشأن خطط محتملة، شارك رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، تونى بلير، فى المناقشات حولها، وطرح بعض الأفكار الأصلية للخطة.

فى يوليو الماضى، التقى مستشار الرئيس بايدن لشئون الشرق الأوسط، بريت ماكجورك، ومستشار وزارة الخارجية، توم سوليفان، فى أبوظبى مع وزير الشئون الاستراتيجية الإسرائيلى، رون ديرمر، وهو مقرب من نتنياهو، ومع وزير الخارجية الإماراتى، عبدالله بن زايد، لمناقشة هذه القضية.. وفى اليوم السابق لهذا الاجتماع، قدم الإماراتيون مقترحهم، وتضمنت الخطة، نشر بعثة دولية مؤقتة فى غزة مهمتها تقديم المساعدات الإنسانية، وفرض القانون والنظام، وإرساء أسس الحكم الرشيد.. واقترح الإماراتيون إرسال جنود إلى غزة ضمن قوة دولية.. لكنهم اشترطوا أن تتلقى دعوة رسمية من السلطة الفلسطينية، بعد أن تخضع «لإصلاحات ذات معنى، ويقودها رئيس وزراء جديد يتمتع بالسلطة والاستقلال».

وكان أحد المبادئ فى الخطة الإماراتية، هو أنها ستعتمد على اتفاق القادة السياسيين على رؤية حل الدولتين، للإسرائيليين والفلسطينيين.. وقد أعجب نتنياهو بالعديد من أجزاء الخطة الإماراتية، لكنه يعارض الجوانب الأكثر سياسية، وخصوصًا مشاركة السلطة الفلسطينية فى غزة ورؤية حل الدولتين.. وفى نهاية سبتمبر الماضى، التقى ديرمر وأبز بشكل منفصل بلينكن، المسئول عن هذه القضية داخل إدارة بايدن، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك.. وطلبت أبوظبى وديرمر من بلينكن مساعدتهما فى سد الفجوات المتبقية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، فيما يتعلق بالخطة ثم التصديق عليها، أو حتى تحويلها إلى خطة أمريكية يتم تقديمها بعد انتخابات نوفمبر.

وتبقى هناك فجوة، تتعلق بفكرة جديدة من الإماراتيين، مفادها أن الخطة تشمل إعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس، كلفتة للفلسطينيين وطريقة لإظهار أن الولايات المتحدة تستثمر فى الخطة وتقود العملية.. لكن الإسرائيليين يعارضون هذه الفكرة بشدة، ولا يزالون يعارضون أى ذكر لحل الدولتين.. لكن الفجوة الرئيسية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، تتعلق بالدور الدقيق للسلطة الفلسطينية، إذ تريد الإمارات من رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، تعيين شخصية فلسطينية، للمساعدة فى قيادة عملية الانتقال فى غزة.. ولكن الإسرائيليين لن يفكروا فى أى دور محتمل للسلطة الفلسطينية، إلا على المدى الطويل.

إذا قدم بلينكن خطة، فإنها ستتضمن أفكار إسرائيل والإمارات، بالإضافة إلى أفكار الولايات المتحدة، بهدف الحصول على إجماع أوسع فى المنطقة على الخطة، كما قال مسئولان كبيران فى وزارة الخارجية الأمريكية لوكالة أكسيوس، و«لن ندعم خطة اليوم التالى، دون أن يكون للسلطة الفلسطينية دور فى غزة.. وما زال النقاش جاريًا حول شكل هذا الدور».. فى حين قال مسئول كبير فى رام الله، إن السلطة الفلسطينية تشك بشدة فى الخطة الإسرائيلية الإماراتية، وأكد أنه لا يعتقد أنها يمكن أن تحصل على دعم فى المنطقة، فـ«اللعب بحوكمة غزة أمر خطير للغاية، وأى خطأ قد يقتل المشروع الوطنى الفلسطينى»، مضيفًا أن أى شخصية فلسطينية تتولى إدارة غزة بشكل مستقل عن السلطة الفلسطينية، أو من دونها ضمن إجماع وطنى، لن يكون لها أى شرعية.

حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.