رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عالم «السنتى مليونير» (3).. زيارة خاصة إلى «الجنة الأرضية»

جريدة الدستور

التعليم الجيد والمناسب هدف جميع الآباء، لكن بالنسبة لـ«طبقة السنتى مليونير» فى العالم، فهى تدفع أغلى المصروفات فى مدارس خاصة جدًا وفريدة من نوعها، ليحصل أولادها على خدمات من نوع آخر.

فالمدرسة فى حياة أبناء فاحشى الثراء هى حياة أخرى يمارسون فيها ركوب الخيل، واليخوت، والقفز بالمظلات، ولعب الكرة الطائرة على الشاطئ، واليوجا، لتصبح نوعًا من أنواع الاستثمار فى الحاضر والمستقبل، الذى تمارسه «طبقة السنتى مليونير» بأشكال مختلفة.

عليك أن تتخيل، فهذه المدارس تقدم خدمات مثل قاعة حفلات بـ٩٠٠ مقعد على أحدث طراز تستضيف فرق الأوركسترا من جميع أنحاء العالم، وهناك مدرسة بها حرم صيفى وآخر شتوى مرتفع فى جبال الألب السويسرية، حتى يتمكن الطلاب من الاستمتاع بالتزلج والتسلق وهوكى الجليد والتنس والسباحة ولعبة الكرلنج «واحدة من الألعاب الرياضية الأكثر غرابة فى دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية».

 

مدارس الملوك

هذه ليست سوى بعض الأنشطة التى تقدمها المدارس الداخلية فى العالم، وهى النوع الذى تلحق «طبقة السنتى مليونير» أبناءها بها، وتوجد ٩ من ضمن العشر الأهم من هذه المدارس فى سويسرا.

وتتراوح رسوم الالتحاق السنوية بهذه المدارس بين ٨٠ ألف جنيه إسترلينى «٩٢ ألف دولار» و١٢٣ ألف جنيه إسترلينى «١٤٢ ألف دولار»، وتركز على أن تكون الأيام الدراسية للطلاب كاملة ومتنوعة، حيث تعتبر الفنون والموسيقى على نفس الأهمية بالنسبة للمواد الأساسية.

على سبيل المثال، طلاب المدرسة الأمريكية فى سويسرا «برسوم ٨٠ ألف جنيه إسترلينى أو ٩٢ ألف دولار» يستطيعون عرض أعمالهم الفنية بجانب لوحات المشاهير فى مهرجان الربيع للفنون الخاص بالمدرسة، أما كلية أيجلون السويسرية «برسوم ١١٤ ألف جنيه إسترلينى أو ١٣٢ ألف دولار» فلا تركز فقط على تطوير العقل بل الجسد والروح أيضًا.

على الجانب الآخر، مدرسة «ثينك» العالمية «برسوم ٨١ ألف جنيه إسترلينى أو ٩٤ ألف دولار» هى مدرسة ثانوية متنقلة يدرس فيها الطلاب ويعيشون فى أربع دول كل عام، ورغم أن لكل مدرسة من هؤلاء طابعها الخاص فإن معهد «لو روزى» السويسرى هو الأغلى والأكثر تميزًا فى العالم. 

فالمعهد يعد مغناطيسًا للأثرياء بشكل خرافى، والمتقدمون للدراسة به يجب أن يكونوا رياضيين ومهتمين بالفنون وطموحين وشغوفين، وبسبب كثرة طلبات الالتحاق، على المتقدم للمدرسة أن يثبت أنه يناسبها، وأن يتم تقديم الطلب مبكرًا جدًا منذ بدء سبتمبر.

ورغم ذلك فإن معهد «أوف ديم روزنبرج» السويسرى يعتبر الأغلى برسوم ١٢٣ ألف جنيه إسترلينى «١٤٢ ألف دولار»، وهو معهد مبتكر يتطلع للمستقبل ويقدم لطلابه خطة تطوير فردية، ليتم إعدادهم كجيل جديد من القادة المسئولين.

ولا يتوقف دور هذه المدارس عند التعليم العادى، بل تدرس لطلابها مهارة كيف يصبحون فاحشى الثراء، وهو ما معناه أن إلحاق أبناء السنتى مليونيرات بها هو استثمار فى مستقبلهم الذى يمنحهم مهارات وفرصًا استثنائية وشبكة تفتح الأبواب لبعض من أكثر الأغنياء الناجحين فى العالم.

 

فتح العالم 

 

من ضمن الخطوات الأخرى التى تستخدمها السنتى مليونيرات لحماية حاضرها ومستقبلها وثروتها للأجيال القادمة، امتلاك محفظة من تصاريح الإقامة وجوازات السفر، خاصة فى هذا العصر من حالة عدم اليقين.

فالمزيد منهم يبحث عن مزيج استراتيجى من برامج هجرة الاستثمار، لتقليل المخاطر التى يمكن أن تهدد ثرواتهم وأنماط حياتهم وموروثاتهم، يستطيعون به خلق فرص جديدة لأنفسهم ولعائلتهم من خلال الحياة والدراسة ومباشرة أعمالهم، وحتى التقاعد فى أى مكان يحلو لهم فى العالم.

هذه الرغبة فى تجاوز القيود الخاصة بالدول وخيارات السكن والحالة المادية تم الشعور بها بشكل خاص خلال جائحة كورونا، ثم بعد ذلك مؤخرًا فى الحرب الروسية الأوكرانية والتحديات التى نتجت عنها.

وهى تحديات لخصها أحد كتاب العمود فى الفايننشيال تايمز «سيمون كوبر» قائلًا: «مشاهدة الأوكرانيين وهم يفرون تؤكد حقيقة بسيطة هى أن جواز سفرك هو مصيرك». 

ولذا فهناك عدد متزايد من الدول أتاح برامج الإقامة المضيفة والمواطنة عن طريق الاستثمار، والتى توفر خيارات استثمارية مختلفة، بداية من التبرعات الحكومية إلى الاستحواذ العقارى إلى تحويلات رأس المال للشركات الناشئة.

وكلما زاد تنوع محفظة الإقامة وجوازات السفر، كان هناك مزيد من الفرص المتنوعة بالنسبة للسنتى مليونير، ليكون أقل تعرضًا للتقلبات الإقليمية والعالمية، فلم يعد وجود خطة «ب» كافيًا بل يتم السعى لوجود خطة ثالثة ورابعة وخامسة.

على سبيل المثال، هناك محفظة من جوازات السفر للمستثمرين العالميين للنفاذ إلى أوروبا وأسواق أمريكا الجنوبية والشمالية والشرق الأوسط، وبتكلفة منخفضة للتقاعد فى جنوب شرق آسيا، وتشمل هذه المحفظة الحصول على جنسية مالطا بالاستثمار المباشر، وبرنامج الإقامة عن طريق الاستثمار فى بنما والإمارات، وبرنامج الإقامة فى تايلاند.

وتشمل المحفظة الثانية الحصول على جنسية مالطا بالاستثمار المباشر، التى تمنحهم أسلوب الحياة وسهولة السفر والديمقراطية وسيادة القانون، وجزر سانت كيتس ونيفس فى منطقة البحر الكاريبى، التى تمنح سفرًا دون تأشيرة إلى ١٦٠ منطقة فى العالم، وأخيرًا برنامج الإقامة عن طريق الاستثمار فى نيوزيلندا، الذى يجسد الأمن والأمان العالمى والتعليم والرعاية الصحية.

أما المحفظة الثالثة فتتضمن برنامج الإقامة الذهبية فى البرتغال وهى دولة أوروبية مصنفة ضمن أفضل خمس دول فى مؤشر السلام العالمى، وبرنامج ابتكار الأعمال والاستثمار فى أستراليا التى تعد واحدة من أغنى دول العالم.

بجانب برنامج الإقامة عن طريق الاستثمار فى موريشيوس وهى أكثر الدول الإفريقية الصديقة للأعمال، والحصول على جنسية سانت لوسيا ‏عن طريق الاستثمار، وهى دولة جزيرة فى شرق البحر الكاريبى، توفر الدخول دون تأشيرة لمنطقة شنجن فى أوروبا وسنغافورة والمملكة المتحدة. 

 

المكاتب العائلية 

 

ظاهرة المكاتب العائلية أو مكاتب إدارة الثروات ظلت لفترة حكرًا على المليارديرات، لكن النمو الكبير فى عددها بين دول العالم، أظهر أن هذه الفكرة تغيرت للأبد، فعملية إدارة الموارد والشئون المالية والعمليات اليومية، تستغرق الكثير بالنسبة لفاحشى الثراء.

ومع نمو عدد العائلات الغنية أصبح الاستثمار وتنظيمه أكثر تعقيدًا، مما صاحبه ارتفاع ضخم فى الطلب على المكاتب العائلية، خاصة بالنسبة لعائلات السنتى مليونيرات أصحاب الأصول القابلة للاستثمار.

ورغم أن الهدف العام لهذه المكاتب هو حماية انتقال الثروات عبر الأجيال، فإنه فى الواقع فإن كل مكتب هو حالة فريدة من نوعه، فهذه المكاتب التى تعود فكرتها إلى المصرفى «جى بى مورجان»، وقطب الأعمال الأمريكى «جون روكفلر»، توسعت خلال السنوات القليلة الماضية لتصبح ظاهرة مالية حديثة.

وذلك بفضل الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨ التى كانت نقطة التحول لجيل جديد من العائلات الغنية للسعى لإضفاء طابع احترافى على إدارة أصولهم، بهدف الحماية والعمل على نمو ثروة العائلة.

وقدر «سيتى بنك» أعداد المكاتب العائلية فى العالم بنحو ١٠ آلاف مكتب فى عام ٢٠٢١، ولدى أمريكا الشمالية الحصة الأكبر من هذه المكاتب بنسبة ٤٢٪، بينما تعتبر منطقة المحيط الهادئ السوق الأسرع نموًا لها بنسبة ٤٤٪.

ومن المزايا التى توفرها هذه المكاتب لأصحاب الثروات الضخمة، أنها فى ظل وجود متخصصين وخبراء واستشاريين لإدارة مجموعة واسعة من المسئوليات غالبًا ما يحدث اختلافات، لكن المكاتب العائلية تستطيع تقديم وجهة نظر واحدة، وانسيابية فى الوصول للمعلومات والتقارير.

ولا تقف وظيفة المكاتب عند ذلك، بل تمتد إلى وضع خطة مالية لإدارة الثروة، التى تشمل جوانب قانونية وضريبية وعقارية وغيرها من الخدمات، وأيضًا إدارة شئون الحياة اليومية وإدارة المساكن والموظفين ومهام أخرى مثل دفع الرسوم الدراسية، إلى جانب خطط السفر وبرامج الأعمال الخيرية التى تهتم به العائلة الغنية.

وتقدر تكلفة خدمات المكتب العائلى الصغير سنويًا بـ١.٥ مليون دولار، فى حين تبلغ التكلفة بالنسبة للمكاتب العائلية الكبيرة جدًا نحو ٢٢ مليون دولار.

 

نهاية الشيخوخة

 

فى السنوات القليلة المقبلة، ستصبح ما يطلق عليه «وديان طول العمر» وجهة للسنتى مليونيرات فى العالم، بغض النظر عن المرحلة الحياتية لها، حيث تتراوح أعمارها بين ٤٥ و٦٤ عامًا.

ويتوقع بحلول عام ٢٠٣٠ أن تستقر هذه الطبقة فى وديان طول العمر، وهى المدن الصديقة لكبار السن التى يستطيعون فيها الحياة بنشاط لأطول وقت ممكن، على المستوى المهنى والعقلى والنفسى والاجتماعى.

هذه المدن ستجذب أيضًا السنتى مليونيرات الأصغر سنًا، الذين يبحثون عن تمديد الفترات الزمنية التى يتمتعون فيها بصحة جيدة، إلى جانب زيادة عدد السنوات التى تستطيع فيها أصولهم توفير حياة مريحة لهم.

ومن المتوقع خلال عقدين أن تنتشر هذه المدن فى جميع أنحاء العالم، فصناعة تطويل العمر الناشئة حاليًا، ستكون الأكبر والأكثر تطورًا عالميًا، فهى تعتمد على فكرة حلول، تهدف للوقاية والكشف ومراقبة وعلاج الأمراض المزمنة.

ولأن الحياة الصحية أصبحت أولوية للسنتى مليونيرات، فالبيئة المادية التى تعيش فيها أصبحت أكثر أهمية، ولذا نجد أن المؤسسات المالية تدمج سياسات طول العمر فى استراتيجيات أعمالهم، لتحتضن النموذج الناشئ الذى يعتبر الصحة هى الثروة الجديدة.

وأشار بنك «يو بى إس» إلى أن ٥٣٪ من عملائه الأثرياء يتوقعون أن يعيشوا ١٠٠ عام، وهو ما يتطلب تخطيطًا ماليًا ومنتجات مالية، وهو ما ينطبق بالفعل على طبقة السنتى مليونير، فمع زيادة فترات الحياة أصبحت صناعة تطويل العمر واحدة من أكبر التحديات والفرص بالنسبة للإنسانية.

 

الاستثمار المؤثر

 

يعمل الجيل الجديد من فاحشى الثراء على إعادة تقييم تأثير أموالهم وبناء المستقبل الذى يريدون رؤيته، تظهر فى العالم حالة من صعود ما يعرف بالاستثمار المؤثر الذى غير علاقتهم بثروتهم، فالأفراد الأغنياء أصبحوا لا يبحثون فقط عن عوائد لاستثماراتهم، ولكن أيضًا كيف يمكن أن تحدث تأثيرًا فى العالم وتعكس قيمهم ومعتقداتهم، ولذا تتزايد شعبية الاتجاه إلى الاستثمار المؤثر بين السنتى مليونيرات، والذى يمكنهم من وضع قوة ثروتهم فى صناعات يمكنها أن تحدث تغييرات إيجابية فى المجتمع أو ما نعرفه بالمسئولية الاجتماعية.

حيث أصبح من الصعب تجاهل قضايا مثل تغير المناخ والصراع العالمى والجندر والظلم الاجتماعى، ولذلك فالسنتى مليونيرات عملوا على المساهمة والاستثمار فى الابتكارات التكنولوجية مثل تنقية المياه وإمدادات الطاقة والأمن الغذائى والاتصالات العالمية، وهى مجالات توفر لهم صناعة أكثر، وأيضًا تحقيق ربح عالٍ.

 

اتجاهات المستقبل 

هناك ثلاثة اتجاهات مستقبلية تنتشر بين فاحشى الثراء فى العالم، أولها العيش فى العقارات البيئية الصديقة للطيور، وهو اتجاه مستمر فى التزايد، وهى عبارة عن عقارات مناسبة لنمط الحياة الطبيعية والبرية.

ومن الأمثلة الأبرز على ذلك، نقطة جاكس فى نيوزيلندا، نادى يلو ستون فى الولايات المتحدة، ومنطقة زمبالى فى جنوب إفريقيا، وهناك تقديرات أنه بحلول عام ٢٠٥٠، أكثر من ٥٠٪ من سنتى مليونيرات العالم سيعيشون أو سيكون لديهم منزل ثانٍ فى مناطق صديقة للبيئة.

وتدعم هذه المناطق الحلول صديقة البيئة مثل الطاقة المستدامة وإعادة تدوير المياه، وبعضها لديه مزارع طاقة شمسية ومرافق إعادة تدوير المياه.

أما الاتجاه الثانى فهو الأسقف الشمسية، والمتوقع أن تزداد شعبيتها خلال العقد المقبل، خاصة بين سنتى مليونيرات أستراليا والبرازيل وجنوب إفريقيا والإمارات والولايات المتحدة، والأسطح الشمسية ليست هى الألواح الشمسية التقليدية، ولكنها تتكون من بلاط صغير به ألواح شمسية مثبتة من الداخل، وتعتبر شركة تسلا هى الرائدة فى هذه السوق.

أما الاتجاه الثالث والأخير فهو الهجرة، فهناك هجرة واسعة النطاق للسنتى مليونيرات حاليًا، والتى يتوقع أن تستمر خلال العقد المقبل، خاصة إلى دول أستراليا ونيوزيلندا وسويسرا، وهى الأسواق التى تعتبر ملاذًا آمنًا.

هذا إلى جانب دول البحر المتوسط مثل فرنسا واليونان وإيطاليا والبرتغال مع الدول الصديقة للأعمال مثل موريشيوس، وهناك عدة عوامل تقود هذا الاتجاه، وتشمل المخاوف المالية، والسلامة والجريمة، وعوامل نمط الحياة مثل المناخ والمناظر الطبيعية، بالإضافة إلى فرص العمل والأعمال والتعليم والضرائب والرعاية الصحية ومستوى المعيشة.