رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جبهة المقاومة لن تلين

وسط آلة القصف الحربية الأمريكية الصهيونية، التى تحصد آلاف الأرواح من المدنيين العزل، ومعظمهم من النساء والأطفال فى فلسطين، ومع سماع صراخ الأطفال من الجوع، والموت من العطش والأمراض والأوبئة، مع مشهد تكدس آلاف الجرحى فى المستشفيات، التى هدمتها ودمرتها الحكومة اليمينية الصهيونية الفاشية العنصرية، والتى فاقت جرائمها جرائم الفاشية والنازية فى منتصف القرن الماضى، وسط كل هذه المشاهد المؤلمة، ورائحة دم الشهداء الطاهر تتواصل المقاومة من كافة الفصائل الفلسطينية، رافعة راية القتال دفاعًا عن الأرض، والشرف والعزة والكرامة، والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
ورغم ضربات العدو الموجعة، واستشهاد عدد من قادة المقاومة الأبطال، تستمر المقاومة وتسطر ملحمة الدفاع من أجل التحرير والعودة، ويستمر الشعب الفلسطينى البطل الصامد فى مقاومته ليل نهار، مكبدًا العدو خسائر بشرية وعسكرية فادحة، ومما يزيد من ضعف هذا العدو وقرب نهاية الاحتلال خسائره الاقتصادية اليومية بعشرات الملايين من الدولارات، وخسائره العسكرية الناتجة عن تدمير دباباته ومدرعاته، بجانب فرار ما يقرب من مليون صهيونى إلى الخارج هربًا من الحرب. هذا العدو الذى استمر فى ادعاءاته بأنه أقوى جيش، ويمتلك التكنولوجيا الحديثة تكسرت هيبته، ونال الهزيمة على يد الجيش المصرى فى حرب السادس من أكتوبر 1973، ونال أقوى ضربة من المقاومة الفلسطينية فى عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023.
وعندما بدأ العدو الصهيونى عدوانه فى الثامن من أكتوبر على قطاع غزة والضفة ظنًا منه أنه سيقضى على المقاومة، ويستطيع استرجاع الرهائن الصهاينة لدى المقاومة، ويفتح الطريق لحكم غزة بل وتنفيذ خطته وحلمه العنصرى، فى تهجير الشعب الفلسطينى من قطاع غزة إلى سيناء المصرية، ومن الضفة الغربية إلى الأردن، وإقامة الدولة «اليهودية»، فشل أمام ضربات المقاومة وصمود الشعب الفلسطينى، وتحطمت كل أحلامه على مدى سنة كاملة.
ولقد كشف طوفان الأقصى أمام شعوب العالم، عن زيف وكذب الدول الاستعمارية الكبرى، التى صدعتنا بالحديث عن الحرية والديمقراطية، حيث رأت الشعوب بعينيها، دعم هذه الدول وانحيازها للكيان العنصرى، وصمتها عن جرائمه البشعة فى حق الإنسانية، ورأت الدعم الأمريكى بالمال والسلاح، بل والأساطيل وحاملات الطائرات، ومشاركة الجنود الأمريكان فى العدوان، بالإضافة لاستخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو خمس مرات فى مجلس الأمن، لتوقف القرارات الخاصة بإدانة العدوان الصهيونى، والمُطالِبة بوقف الحرب فورًا، وإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
لذا انتفضت كل شعوب العالم الحرة الأبية، مطالبة بوقف الحرب فورًا، ومحاكمة مجرمى الحرب من الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة الفاشية، أمام المحاكم الدولية، بل ودعت كل الشعوب لمقاطعة العدو الصهيونى، ومن يدعمه ويسانده، وانتشرت المقاطعة بسرعة انتشار النار فى الهشيم، ولم تقتصر على المقاطعة الاقتصادية «المنتجات والبضائع والسلع»، ولكنها امتدت للمجالات الرياضية والثقافية والفنية والاجتماعية، هذا بجانب مُطالبة كل الشعوب العربية، بوقف التطبيع فورًا وإغلاق سفارات الكيان، وسحب سفرائنا من الأرض المحتلة.
وسارت المظاهرات فى كل الدول ضد العنصرية والإبادة الجماعية والتهجير القسرى، ورفعت شعارات بكل اللغات «الحرية لفلسطين». 
كان على نتنياهو بعد فشله فى تحقيق أهداف الحرب على غزة، وللحفاظ على سلامته الشخصية، أن يصر على الاستمرار فى الحرب وخاصة أن أمريكا تمده بالمال والسلاح وتسانده فى كل المحافل الدولية باعتبار أن الكيان من حقه الدفاع عن نفسه!، ويساعده عدد من الأنظمة الرسمية العربية المُطبِعة معه بصمتها وتواطئها وعدم الوقوف ضده فى حربه الوحشية بل وعدم إغاثة الشعب الفلسطينى والوقوف بجانب حقه فى التحرير والعودة.
وبدأ نتنياهو السفاح وحكومته فى تنفيذ خطة توسيع الحرب، للقضاء على المقاومة الوطنية اللبنانية التى هزمت الكيان الصهيونى بعد اجتياحه لبنان عام 1982، وأجبرته على الخروج من لبنان عام 2000، واستمرت بعد ذلك مقاومة حزب الله للكيان الصهيونى الذى ما زال محتلًا لجزء من الدولة اللبنانية على حدودها الجنوبية.
قام العدو الصهيونى بحرب مستمرة على الجنوب اللبنانى، منذ الثامن من أكتوبر 2023،  لردع حزب الله الذى رد على هذه الاعتداءات، وكبد العدو خسائر فى الأرواح والعتاد والسلاح، وأعلن حزب الله عن أنه سيوقف حربه مع الكيان إذا أوقف الكيان عدوانه على الشعب الفلسطينى.
وفى نفس الوقت قامت المقاومة فى اليمن بضرب السفن التى تمر فى مضيق باب المندب وخليج عدن، متجهة إلى العدو الصهيونى محملة بالوقود والسلاح،  وأصابت هذه السفن وكبدت أصحابها خسائر كبيرة. وأيضًا دخلت المقاومة العراقية لمساندة ودعم الشعب الفلسطينى وضربت أماكن داخل الأرض المحتلة، وأسقطت عددًا من جنوده بين قتيل وجريح. 
وفى 17 سبتمبر 2024، قرر الكيان توسيع الحرب للقضاء على حزب الله، وجر إيران أيضًا للحرب، وقام بضرب المدن اللبنانية فى الضاحية الجنوبية فى بيروت، وتعمد تدمير البنية التحتية واستهداف المدنيين، حيث وصل عدد الشهداء منذ الثامن من أكتوبر 2023، حتى الآن أكثر من 2000 شهيد «منهم 127 طفلًا و270 امرأة»، وإصابة أكثر من 5 آلاف، معظمهم فى الأسبوعين الأخيرين، بجانب القيام باغتيال قادة حزب الله ومنهم سماحة السيد حسن نصرالله وعدد من رفاقه.
ظن العدو أن اغتيال القادة سيفُتّ فى عضد المقاومة، ويضعف عزيمتها، ويكسر إرادتها، ولكن هيهات، بل إن الضربات المؤلمة زادت من قوة المقاومة، ومن غضبها فأصبحت كالأسود الغاضبة التى تدافع عن عرينها، ومن الغضب يتولد الأخذ بالثأر والتمنى للشهادة فى سبيل الحق، والدفاع عن الأرض والعزة والكرامة، لقد اشتد عزم المقاومة وزادت قوة ضرباتها للعدو واستهدفت مواقعه العسكرية والاستخباراتية وزادت أيضًا عمليات المقاومة النوعية على أرض فلسطين والضفة الغربية، كما وجهت جبهات الإسناد فى العراق واليمن ضربات للعدو فى مقتل بعدد من المُسيرات المتطورة.
لقد اشتعلت جبهات الإسناد فى كل مكان، ولن تكف إلا بعد وقف الحرب على غزة والضفة، وفى نفس الوقت وفى الأول من أكتوبر الحالى هاجمت إيران الكيان فى عقر داره فى تل أبيب بـ200 من الصواريخ الفرط صوتية، وسببت خسائر فى سلاح الطيران الإسرائيلى والعديد من المواقع العسكرية الهامة، وكانت هذه الضربة مؤجلة منذ اغتيال قائد مقاومة حماس الشهيد إسماعيل هنية داخل الدولة الإيرانية، فى أواخر شهر يوليو 2024، حيث أعلنت إيران وقتها عن الاحتفاظ بحقها بالرد فى الوقت المناسب، وانكشفت «القبة الحديدية» الصهيونية والتى وظيفتها صد الصواريخ والمُسيرات أمام هذه الأسلحة المتطورة.
لقد تصور العدو أن الوقت مناسب لتحقيق حلم دولته من النيل للفرات، وتصورت الإمبريالية الأمريكية والدول الاستعمارية الغربية، أنها ستفرض خريطة جديدة لتقسيم بلداننا وتكوين «الشرق الأوسط الجديد» مثلما حدث من قبل فى اتفاقية سايكس بيكو 1916، ولكن المقاومة مستمرة ومثلما كان طوفان الأقصى طوفانًا سيغرق الكيان العنصرى «النبت الشيطانى» المزروع فى غير أرضه، فإن طوفان انتفاضات الشعوب ضد الأنظمة التى لا تعمل على تحقيق مصالح شعوبها سيغرق هذه الأنظمة وسيتغير العالم فى القريب.. انتبهوا أيها السادة فالشعوب تتقدم إلى الأمام.
نتنياهو يريد توسيع الحرب بالاعتداء على إيران واستفزازها، وجرها لدخول الحرب حتى يتمكن من تكوين حلف صهيونى رجعى عربى «الناتو العربى» ضد إيران للقضاء عليها وعلى قوتها النووية لتنفرد «اسرائيل» بالدول العربية وتقضمها قطعة قطعة وتصبح القوة النووية الوحيدة فى شرق أوسط جديد.
وقبل أن أنهى المقال أود أن تسعدوا معى بمشهد عظيم، وهو مشهد احتضان الشعب اللبنانى لأهالى الجنوب النازحين نتيجة لويلات الحرب باحثين عن الأمن والأمان. مشهد الأيادى الممدودة لهم والبيوت المفتوحة لاستقبالهم. إننا أمام الشعب اللبنانى العظيم والمحب للحياة، أمام عودة لبنان الجديد متعديًا للطوائف والمذاهب. لبنان الكرامة والشعب العنيد.
المجد والخلود للشهداء، والشفاء للجرحى، والنصر للمقاومة، والبقاء للشعوب والزوال للاحتلال.