رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خالد عبد الجابر: الكتابة الملاذ الآمن لي.. وتعجبني تجربة طارق إمام (حوار)

خالد عبد الجابر
خالد عبد الجابر

كشف الكاتب الشاب خالد عبد الجابر، أنه يطمح أن يكون لديه مشروع مميز الملامح، عن الإنسان وطموحه وآلامه، عن الصراعات النفسية والإنسانية التي نمر بها بسبب ما يحيط بنا من بيئة وبشر وظروف قهرية ليس لنا تحكم بها أو تدخل فيها، فالكتابة تمثل له الملاذ الآمن الذي يهرب به دوما من ضغوط الحياة، -وهو على حد تعبيره- الصديق الذي لا يخون أسرارك قط ويسمعك دون كلل أو ملل، العالم الذي تدخله بإرادتك لتعيش داخله بمجرد أن تحلم به دون قيود الانتقال عبر الزمان أو المكان.

عن الكتابة وطموحاته، ومثله الأعلى في الكتابة، وما يجهز له بعد نشر روايتيه "الشريد" و"سراب دجلة"، ولماذا اختار الرواية عن غيرها من الفنون الأدبية.. يكشف الكاتب خالد عبد الجابر لـ"الدستور" في الحوار التالي..

متى بدأت الكتابة؟ وماذا تمثل لك؟
لا أذكر -تحديدا- متى بدأت الكتابة، ولكن هناك موقفا لا أستطيع أبدا نسيانه حدث عندما كنت تلميذا في الصف الثالث الابتدائي عندما طلب منا أستاذ اللغة العربية أن نكتب موضوع تعبير عن شخصية بطل، فكتبت قصة قصيرة عن عامل بمصنع شاهد حريقا في إحدى المنازل أثناء ذهابه للعمل فقرر اقتحام الحريق لإنقاذ سيدة وطفلها مما أدى إلى فقدانه لأحد قدميه وبعدها عانى كثيرا من أجل العودة لعمله حتى استطاع بإصراره وجهده أن يعدل في ماكينته ليستطيع العمل عليها دون استخدام قدمه ليعيش بعدها حياة طبيعية بعد أن أصبح بطل تحدث عنه الجميع، أعجبت تلك القصة الأستاذ وذهب بها إلى ناظر المدرسة الذي قام بتكريمي في طابور الصباح وبعدها كنت أجد الدعم دائما من أستاذتي وأهلي لتشجيعي على المواصلة والكتابة، الكتابة تمثل لي الملاذ الآمن الذي أهرب به دوما من ضغوط الحياة، الصديق الذي لا يخون أسرارك قط ويسمعك دون كلل أو ملل، العالم الذي تدخله بإرادتك لتعيش داخله بمجرد أن تحلم به دون قيود الانتقال عبر الزمان أو المكان.
 

من مثلك الأعلى في الكتابة؟ 
لا يوجد كاتب معين أو شخص معين يمكنني اعتباره مثلا أعلى دون غيره، ولكن هناك العديد من الشخصيات الملهمة حولنا والتي من الممكن أن نستمد منها بعض أسرار التألق؛ بالطبع نجيب محفوظ وإيمانه برسالته وتجربته، واحترافية نقله للمجتمع ومشاكله وتسجيل عاداته وتقاليده، وروعة رسمه للشخصيات التي جعلتها تعيش معنا باختلاف الأزمان حتى أن هناك أسماء شخصيات طغت على اسم الرواية ويعرفها القارئ أو حتى من لم يقرأ مطلقًا، وتعجبني جدا تجربة طارق إمام وجرأته في اقتحام مناطق لم يصل إليها غيره في الكتابة وكذلك حصيلته اللغوية والثقافية القوية جدا وكذلك حبه للفنون ودمجها مع الأدب فتشعر معه أنه يرسم الأدب فما يقدم لا يمكن اعتباره مجرد كتابة، هناك أيضا حاتم حافظ يعجبني دوما آراؤه الحيادية والإنسانية إلى أقصى حد ورغم أن منجزاته الأدبية ليست كثيرة إلا أنها منتقاة بعناية وتقدم رسائل مهمة، وأشرف العشماوي مثل أعلى في الاستمرارية والتنوع في أساليب الكتابة وعدم تكرار نفسه، فضلا عن كمال رحيم وخيري شلبي وسهولة السرد والحكي واستخدام المفردات السلسة والدارجة التي تساعد في فهم القصة ودفعها للأمام.

رغم تخرجك في الهندسة.. هل تقرر تحويل مسار عملك إلى الكتابة يوما ما؟
أعمل بمهنة الهندسة المعمارية منذ 18 عاما، وأحب هذا المجال كثيرًا ومنذ كنت طفلا كنت أحلم به وبالهندسة المعمارية تحديدًا، ولن يكن سهلا علي التنازل عما حققته من نجاحات في مهنتي لأتوجه فقط للكتابة، وخصوصا أنني لا أسعى بالكتابة إلى أي مقابل مادي أو أن احترفها عمل أحصل منه على قوت يومي والتزاماتي نحو أسرتي، ولكن حلمي هو التقاعد بعد سنوات قليلة لأترك العمل نهائيًا وأتفرغ للكتابة والقراءة ومشاهدة الأفلام والاستماع إلى الموسيقى.

حدثنا عن أولى رواياتك "الشريد" وهل واجهت صعوبة في نشرها؟ 
كما أخبرتك أنا أكتب منذ أن كنت طفلا، ولدى في درج مكتبي العديد والعديد من الكتابات، قصص قصيرة وخواطر وغير ذلك، رواية "الشريد" عندما كتبتها لم أكن أسعى مطلقًا لنشرها، كنت اكتبها فقط لأنني كنت أمر بظروف سيئة وكان علي أن أفعل شيئا أحبه فلم أجد سوى الكتابة ومنذ مدة وأنا أحلم بالكتابة عن المهمشين والمشردين في الشوارع ومدى تقبلنا للأخر، عندما كنت اكتبها كنت أرسل لزوجتي ما كتبت كل يوم، وشجعتني كثيرًا لإنهاءها، وعندما أنهيتها شجعتني كثيرًا لنشرها، وبالتأكيد عانيت كثيرًا قبل نشرها، فسوق النشر الورقي في مصر كما هو معروف يعاني كثيرًا في الفترة السابقة ورواية "الشريد" لسوء حظها اصطدمت بفترة كورونا مما زاد الأمر صعوبة، رفضت الرواية من أكثر من دار نشر، ورغم قدرتي على النشر المدفوع ولكني كنت أرفض الفكرة تمامًا، حتى أعلنت دار نشر بتانه عن مسابقة طموحة جدا لتبني عشرون من المواهب الجديدة، واستطاعت الرواية أن تأخذ موقعها بينهم وتم نشرها في معرض الكتاب الاستثنائي الذي أقيم في الصيف، بدعم كبير من دار بتانه ورئيسها د. عاطف عبيد الذي أكن له كل التقدير والاحترام، والحمد لله حققت الرواية نجاحًا لم أتوقعه في بدايات نشرها حتى وصلت للقائمة القصيرة لجائزة IRead.

لديك رواية أخرى تحمل اسم "سراب دجلة" تستعيد فيها حقبة شائكة من رماد التاريخ المصري المعاصر.. فماذا عن هذه الحقبة ولماذا؟ 
منذ قررت النشر أخذت على عاتقي أن يكون لي مشروع مميز الملامح، عن الإنسان وطموحة وآلامه، عن الصراعات النفسية والإنسانية التي نمر بها بسبب ما يحيط بنا من بيئة وبشر وظروف قهرية ليس لنا تحكم بها أو تدخل فيها، بعد أن تركت مصر وسافرت للعمل بالخارج قررت الكتابة عن المغتربين، عن ألمهم ومعانتهم، دوما يعاني من المغترب من التداخل بين ما يريد هو وما يطلبه منه أهله، بين أحلامه وطموحاته وما تبنيه أسرته عليه من أمال وأحلام، واخترت تلك الفترة تحديدًا لأن فترة الثمانينيات كانت من أهم الفترات التي بدأت فيها أحلام الغربة والسفر لجني المال الخليجي، وكانت غربة صعبة لم تسهلها وسائل الاتصال الحديثة الموجودة بتلك الأيام، الرواية لا تتحدث فقط عن غربة السفر، ولكن أيضا الحرب تجرنا إلى غربة، والغدر يجرنا إلى غربة، والحياة في المشاكل والصراعات والفقر تجعلنا نعاني من الغربة حتى ما وجودنا في وطننا، أما عن العراق! فالعراق تشبهنا في كل شيء، كانت حلم المغتربين قديمًا، حتى تاهت مثلنا في غربتها، "سراب دجلة" رواية عن بلدين ونهرين وحربين، ربطهما عبر التاريخ مصير واحد، مثلما ربط أسرة بطل الرواية المصرية بالأسرة العراقية.

كتبت روايتين حتى الآن.. فلماذا اختارت كتابة الرواية عن غيرها من الفنون الأدبية؟ 
على المستوى الشخصي أفضل دائما قراءة الروايات عن باقي الفنون الأدبية، بالطبع أحب الشعر كثيرا ولكني أشعر دوما أن الشعر كي يقرأ يجب أن يحترم، وأن يقرأ بطقوس معينة وفي جو مناسب، ولكن الرواية يمكننا قراءتها في أي وقت وبأي مكان، فتفصلنا تماما عن العالم المحيط بنا، لذلك عندما قررت الكتابة عن عواطف الإنسان وأفكاره وخواطره وهواجسه فضلت أن أكتب الرواية، لأنها تمنحني مساحة أكبر من الخيال والتعبير وأيضا أجد البراح الذي أحبه كمهندس معماري في رسم الأماكن والزمن والشخصيات وربطها بسردية طويلة، ولكن في المستقبل أنوي التطرق إلى فنون أدبية جديدة مثل القصة القصيرة، وربما أستطيع تقديم محموعة قصصية في المستقبل القريب.

هل لديك طقوس معينة في الكتابة؟ 
أحب الكتابة وسط الناس والزحام، أكتب دائما على المقهى وسط صخب لاعبي الدومينو والطاولة، وتداخل الأصوات حولي، ربما في بعض الأوقات اختار موسيقى معينة أسمعها أثناء الكتابة، وربما في أوقات أخرى أترك الأمر للمقهى ليختار هو الموسيقى التي ترافقني في الكتابة.

هل تطمح للحصول على جائزة؟ وماذا تمثل الجوائز الأدبية بالنسبة لك؟ 
في رأيي أن الجوائز الأدبية مهمة خصوصا للأجيال الجديدة والأسماء غير المعروفة لأنها تساعد على انتشار الرواية والإعلان عنها وعن كاتبها في ظل غزارة الإنتاج الأدبي في الوقت الحالي وعدم وجود محددات أو مقاييس تراجع جودة المنشور قبل التصريح بنشره، ولكن الجوائز ليست هي الهدف الأسمى للكتابة من وجهة نظري، لا أطمح للحصول على جائزة بقدر ما يهمني أن يقرأ الناس ما أكتب فتلك هي الجائزة الحقيقية، فإذا كان الحصول على جائزة سيساعد في ذلك فلما لا؟! بالطبع أقوم بالتقديم في العديد من المسابقات، ولكن أنتقي المسابقات الجيدة غير المشوبة بالمجاملات أو الأيدلوجيا.

حدثنا عن خططك في مجال الكتابة خلال الفترة المقبلة؟ 
كنت بصدد كتابة مجموعة قصصية، ورواية طويلة ومختلفة عما كتبت في السابق، ولكني تعرضت في العام الماضي بظروف مرض أخي الوحيد، والتي انتهت في بداية هذا العام برحيله عن عالمنا في قسوة لم أمر بها في حياتي سابقا، لذلك توقفت عن الكتابة، واكتفيت بما كنت أكتبه لرثائه فقط، ولكن بمرور الوقت أشعر أنني أريد العودة لاستكمال المشاريع المتوقفة، وإهدائها إلى روحه بالتأكيد سيسعد باكتمالها.