رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النيمة

آن الصافى - السودان
آن الصافى - السودان

 

الساعة السابعة صباحًا، الحركة فى سوق الخضرة ومواد التموين، تدب منذ ساعة، كل يفتح حانوته، أو يضع خضرته على فرشته، وينظف مكانه وما حوله.

أصوات ممتلئة بالأمل والمرح تتبادل التحايا والسلام. صبية مقهى وكافيتريا النيمة، يعملان بجد، يعدان الشاى بالحليب ويضعان صناديق البسكوت فى الواجهة، ويتأكدان من نظافة المزيرة عند مدخل المقهى. بعض القطط والكلاب تتقاطع خطاها مع المارة. السيد كمال يسن سكاكينه، بينما الفتى الذى يعاونه فى الملحمة، يضع اللحوم فى أوعية ينش عنها غزو الذباب ويغطيها بقماش من الشاش، ولا يتوقف من تحريك هبابة من القش بيده اليمنى، لعل الذباب لا يقترب.

عادة أول القادمين إلى المقهى السيد عزمى الذى يتقدم من أمام عطارته بخطى متأنية تسبقه عصاه بوخز الأرض الرملية المرطبة برشاش ماء من أصحاب الحلات التى يعبر بها. 

طاولته وقهوته تنتظره مع كوب ماء. يجلس وكأنه يستعد لأداء صلاة. يغمض عينيه ويتمتم بجمل يسمعها وحده، غالبًا حمد وشكر على النعم ويلحقها الاستغفار. 

صبية المقهى يعرفون عادات الرجل، يأتى أحدهم من مكتبة بالجوار، بالصحف اليومية يضعها فى الطاولة لرواد المقهى، أول من يتناولها السيد عزمي. السيد عزمى من أصول يونانية قدمت أسرته إلى مدينة أمدرمان سكنوا فى حى الموردة قرب السوق، ورث عن جده ووالده هذا الحانوت الذى اشتهر بأطيب البهارات والبقوليات والحبوب بتنوعها، عدا الزيوت والأجبان وحلوى الطحنية.

دقائق وبدأ صبية الحوانيت يأتون لشراء الشاى الحليب مع البسكوت، مع عدد من عمال البناء والصيانة احتشدوا وأخذوا نصيبهم من الشاى حليب والقهوة والبسكوت وغادروا. هذه الحركة الصباحية تعتبر من أمتع ساعات اليوم.

صلاح ضابط على المعاش من أوائل الحضور للمقهى، وجه له رمزى سؤالًا: «تعرف يا صلاح، البلد دى ما معروف ماشة لوين!».

أجابه وبين يديه كوب قهوة: «سيدمر! بلدنا سيدمر، الكلام دا قلناه من زمان. الكيزان بيلعبوا بالنار، جايبين الجنجويد لحم راس وسم هارى، سيتحاربوا ولو بعد حين، راسين فى كرسى واحد ما بتلموا».

صوت الرصاص يتصاعد من كل صوب، صرخات تشق عنان السماء، سقطت صحيفة رمزى وعليها دماء وطرطشة من فنجان قهوة صلاح، رايش اخترق صدر صلاح ومات فى الحال.

رمزى فى غيبوبة سُكر ما فاق منها إلا وغرق فى صمت أبدى.