رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بريطانيا بعد نكبة المحافظين

بتحقيقه فوزًا ساحقًا فى الانتخابات العامة، التى جرت الخميس الماضى، أنهى حزب «العمال» البريطانى أكثر من ١٤ سنة متتالية من حكم المحافظين، غلب عليها الاضطراب، وعانى خلالها البريطانيون أزمات عديدة، من بينها ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف الخدمات العامة، وفشلت كل الإجراءات، التى اتخذها خمسة رؤساء وزراء متعاقبين، آخرهم ريشى سوناك، فى تجاوز تلك الأزمات أو إحداث أى فارق.

تعهدات ووعود بالإصلاح، طرحها برنامج حزب العمال الانتخابى، فى مجالات الصحة العامة، والاقتصاد، والتعليم، والدفاع، والهجرة، و... و... وفى خطاب ألقاه خلال حملته الانتخابية، قال كير ستارمر، زعيم الحزب، إن «السياسة يجب أن يكون محورها خدمة المواطنين»، لكنه أكد، فور تكليفه بتشكيل الحكومة، أن الإصلاحات «لن تكون سهلة»، وأن الأوضاع الحالية لن تتغير بـ«ضغة زر»، وأشار إلى أنه سيعيد بناء المملكة المتحدة من جديد، بعد مغادرته قصر باكينجهام، متوجّهًا إلى مقر رئاسة الحكومة.

الحاصل على لقب سير من الملكة إليزابيث الثانية، درس القانون فى جامعتى ليدز وأكسفورد، ودافع عن النقابات العمالية والمناهضين لـ«ماكدونالدز». وعندما كان زعيم حزب العمال جوردون براون رئيسًا للوزراء، تم تعيينه مديرًا للنيابة العامة فى إنجلترا وويلز، وأشرف بين عامى ٢٠٠٨ و٢٠١٣، على محاكمة برلمانيين بتهمة سوء استغلال مخصصاتهم المالية، وصحفيين بتهمة التنصت على التليفونات، ومثيرى شغب شاركوا فى مظاهرات، و... و... وبانتخابه، سنة ٢٠١٥، عضوًا فى مجلس العموم، عمل وزيرًا لـ«بريكست» فى حكومة الظل، وصولًا إلى اختياره، سنة ٢٠٢٠، زعيمًا لحزب العمال.

النكبة، أو الهزيمة عير المسبوقة، كان المحافظون يتوقعونها، أو ينتظرونها، من أعلى الهرم السياسى إلى أسفله، إذ تعيش بريطانيا منذ سنوات أجواء تشبه تلك التى عاشتها مع بداية الركود الاقتصادى، سنة ٢٠٠٨، والتى نسفت شعبية «حزب العمال»، وأفقدته ٩١ مقعدًا بمجلس العموم، فى انتخابات ٢٠١٠، وأتاحت لزعيم المحافظين، وقتها، ديفيد كاميرون، أن يصبح أصغر رئيس للوزراء فى بريطانيا، منذ سنة ١٨١٢، بعد نجاحه فى تشكيل حكومة ائتلافية مع الديمقراطيين الليبراليين.

مع ارتفاع تكاليف المعيشة، وضعف الخدمات العامة، شهدت بريطانيا، خلال السنوات التالية، جرائم إرهابية كثيرة، توحى بوجود ثغرات فى نظامها الأمنى، للدرجة التى جعلت تيريزا ماى، رئيسة الحكومة السابقة، تتعهد فى ٦ يونيو ٢٠١٨، بتقييد حرية وحركة المشتبه فى كونهم إرهابيين، حتى لو لم تكن هناك أدلة كافية لمحاكمتهم. وبالنص قالت: «إذا كانت قوانين حقوق الإنسان لدينا تمنعنا من القيام بذلك، سنمزق تلك القوانين». غير أن الواقع أكد أن السلطات البريطانية استمرت فى تواطؤها، أو تساهلها، مع التنظيمات الإرهابية، من بينها جماعة الإخوان، التى لا تزال تفتح أبوابها وأحضانها وتمنح جنسيتها، حضوريًا وغيابيًا، لقادتها وأعضائها وحلفائها، وتسمح لهم بالسيطرة على مساجدها، ووسائل إعلامها.

اللافت، أن الرئيس الأمريكى جو بايدن، وهو يقدم التهنئة لرئيس الوزراء البريطانى الجديد، أثار قلقنا، وقلق كثيرين، من السياسات الخارجية لحكومته. إذ قال البيان الصادر عن البيت الأبيض إن بايدن وستارمر، تناولا، فى اتصال تليفونى جرى بينهما، الجمعة، «العلاقة الخاصة» بين البلدين، وأكدا أهمية «العمل معًا، لدعم الحرية والديمقراطية فى جميع أنحاء العالم». كما أشار البيان إلى أن الجانبين جدّدا «دعمهما المستمر لأوكرانيا» فى ظل حربها مع روسيا، وشدّدا على التزامهما المشترك بحماية مكاسب اتفاقية «بلفاست»، أو «الجمعة العظيمة»، فى إشارة إلى ذلك الاتفاق الذى عقدته الحكومة البريطانية مع حكومة وأحزاب أيرلندا الشمالية، والذى حقق استقرارًا نسبيًا فى المقاطعة، وأسكت بنادق الجيش الجمهورى الأيرلندى.

.. أخيرًا، وعملًا بمقتضيات الواجب، تقدم الرئيس عبدالفتاح السيسى، بخالص التهنئة لزعيم حزب العمال البريطانى، بمناسبة حصول الحزب على الأغلبية، وتكليفه برئاسة الحكومة، متمنيًا له التوفيق والنجاح، مؤكدًا تطلعنا إلى استمرار التعاون، بما يعكس العلاقات الوثيقة بين البلدين والشعبين الصديقين، والعمل المشترك، الذى يجمعنا، من أجل تحقيق التنمية والاستقرار على المستويين الدولى والإقليمى.