رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحد عشر دهرًا

الدَّهْرُ، فى «لسان العرب»، هو الأمَدُ الممدود، وقيل إنه يساوى ألف سنة. ولأن «الدهر حالان، هَمٌّ بعده فرَجٌ.. وفَرجَةٌ بعدها هَمٌّ بِتَعذيبِ»، كما قال النابغة الشيبانى، سنحتفل اليوم، الأحد، بذكرى ثورة ٣٠ يونيو، ونحن ننتظر الفرج، الفَرجة أو الانفراجة، بعد أن مرت السنوات الإحدى عشرة الماضية، كأنها أحد عشر دهرًا، وتحملنا خلالها، ولا نزال، غالبية أشكال وأنواع وأصناف الهموم، العذابات، الصدمات أو الأزمات. 

لم تكن ثورتنا المجيدة، مجرد لحظة عابرة، عبّر فيها المصريون عن غضبهم أو سخطهم، بل كانت صرخة طويلة، انطلقت فى ٢٥ أو ٢٨ يناير ٢٠١١، وامتدت حتى ٨ يونيو ٢٠١٤، وفى مواجهة إرهابيين من مختلف الجنسيات، وكتائب الإخوان، التى كانت منتشرة فى كل شبر من أرض مصر، دارت معارك كثيرة، قبل وبعد إعلان القيادة العامة لقواتنا المسلحة، فى ٣ يوليو ٢٠١٣، انتصار المصريين، شعبًا وجيشًا، ونجاحهم فى كسر الحلقة الأقوى فى مخطط شيطانى، كاد يلتهم دول المنطقة، واحدة تلو الأخرى.

فى أحد مقاطع تلك الصرخة الطويلة، استجاب عشرات الملايين لنداء وزير دفاعهم، قائد قواتهم المسلحة، وملأوا الشوارع والميادين، فى ٢٦ يوليو ٢٠١٣، ليصدروا له تفويضًا، تكليفًا، أو أمرًا، بأن يواجه العنف والإرهاب. وفى مقاطع لاحقة، ومتتالية، طالبوه بقيادة الوطن، قبل أن يختاروه رئيسًا للجمهورية، ويصطفوا معه، ويتحملوا، ويصبروا، ويساندوه وهو يؤسس الجمهورية الثانية، ويبنى دولة ٣٠ يونيو، التى شقت طريقها إلى التنمية الحقيقية، واستردّت مكانتها وكسبت، أو انتزعت، احترام المجتمع الدولى.

مسنودًا بهذا الشعب، ومدفوعًا منه، حمل الرئيس الأمانة، التى تنوء بحملها السماوات والأرض والجبال. وتجاوزنا معًا، شعبًا ورئيسًا، وما زلنا، سنوات صعبة وثقيلة، إن لم تكن الأصعب والأكثر ثقلًا، فى تاريخنا الحديث، بدأت بموجات عنيفة من الإرهاب، سحقناها بدماء شهدائنا، أمنيًا وعسكريًا، وواجهناها أيضًا، مع أزمات مزمنة، موروثة، برؤية استراتيجية شاملة لبناء دولة قوية حديثة، فى إطار برنامج وطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى الشامل، أعاد رسم خريطة مصر التنموية، ونقل قراها، كفورها ونجوعها من الفقر وتسوّل الخدمات إلى الحياة الكريمة، ولم يركز على التشييد والبناء، والاستثمار فى الحجر، فقط، كما يشيع الذين فى قلوبهم مرض، أو غرض، بل اهتم، أيضًا، ببناء المواطن المصرى.

يأتى احتفالنا، اليوم، بذكرى ثورتنا المجيدة، أيضًا، «فى وقت شديد الدقة، وفى ظل أزمات دولية وإقليمية متعاقبة ألقت بظلال شديدة السلبية وتحديات متعددة وأعباء اقتصادية على جميع دول العالم بمختلف مستوياتها»، بتوصيف أو تشخيص الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى كلمته، أمس السبت، خلال افتتاح مؤتمر الاستثمار المصرى الأوروبى، التى أوضح فيها أن مصر تخطو بخطى ثابتة وسريعة على طريق التغيير والإصلاح من أجل اقتصاد أكثر استدامة، وقامت، فى سعيها لتحقيق ذلك، بعدد من الإصلاحات، لزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد المصرى، ودعم التحول الأخضر، وحشد الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ما كان ممكنًا أن نخطو خطوة من تلك الخطى، أو أن نجتاز السنوات الأصعب والأكثر ثقلًا، أو الأحد عشر دهرًا، لولا صبرنا وتحملنا، وإصرارنا على إعادة بناء بلدنا، «ونحن بذور الدهرِ والدهرُ زارع.. ونحن زروع الدهر والدهرُ حاصدُ»، كما قال ابن الرومى. وعليه، نرى، مثلًا، كما رأى الرئيس، أن انعقاد مؤتمر أمس، واليوم، جاء ليُمثل رسالة ثقة ودعم من الاتحاد الأوروبى للاقتصاد المصرى ولإجراءات الإصلاح الاقتصادى، التى تم، ويتم، تنفيذها منذ عشر سنوات، وبما يعكس نجاح تلك الخطوات، ويؤكد قدرة وإرادة مصر على تخطى التحديات الاقتصادية والمضى قدمًا نحو تنفيذ خطة التنمية الشاملة.

.. وأخيرًا، تفصلنا ساعات قليلة عن بدء العمل بموازنة ٢٠٢٤/٢٠٢٥، «موازنة الحكومة العامة»، الأضخم فى تاريخ مصر، التى زادت فيها مخصصات الصحة والتعليم بنسبة ٣٠٪، وتضمّنت مستهدفاتها تحفيز الأنشطة الاقتصادية والصناعية والإنتاجية، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلى، وخفض الدين العام وأعباء خدمته، و... و... وتوفير المزيد من فرص العمل، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية.