رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر المحروسة.. ميت مليون بوسة

أحيانًا لا يرى البعض فى الزهور التى تتفتح سوى الشوك، أولئك أنفسهم من ينظرون إلى المحبة بعين الريبة، وعندما يسيل نهر تحت أبصارهم فإنهم لا يجدون فيه غير عكارة وزجاجات فارغة. هذه طبيعة شخصية أقرب إلى التكوين منها إلى المعتقد، هكذا استقبل البعض بروح سوداء قرار الكنائس المصرية فتح أبوابها لكل الطلاب «مسلمين ومسيحيين» لمراجعة دروسهم فترة انقطاع الكهرباء، وكتب البعض، والأدق أن نقول «كذب البعض» على صفحات التواصل، أن هدف الكنائس من تلك الخطوة هو «تنصير الشباب»! وكتب أحد عباقرة الكراهية يقول: «أحذر بناتنا من الذهاب إلى الكنائس بأى شكل من الأشكال.. لأن الهدف الوقوف على ثغرة يمكن من خلالها اللعب على دينك»! يطل برأسه كل فترة هذا التيار الوضيع الذى يقوم بتسفيه وتبغيض كل خطوة تؤكد وحدة مصر فى كل الأزمات على امتداد التاريخ، وهو تيار قديم للأسف، لا يتوقف عند تاريخ مصر منذ ثورة ١٩ حين كان الشيوخ يلقون خطبهم فى الكنائس، والكهنة يلقون خطبهم فى الجوامع، ولا يعبأ بأن تاريخ الثقافة والهوية المصرية ضفيرة من إبداع وحدة المسلمين والأقباط، وعلى جدار ذلك التاريخ يلمع بحروف من ذهب اسم طه حسين بجوار سلامة موسى، واسم الأخوين شحاتة وعيسى عبيد بجوار طاهر لاشين، ومحمد مندور بجوار لويس عوض، ويوسف شاهين مع صلاح أبوسيف، ويوسف إدريس ويوسف الشارونى، وبهاء طاهر وإدوار الخراط، ومارى منيب وإسماعيل يس. لكن ذلك التيار الوضيع الذى تشبع بالبغضاء والعنف والعنصرية يجحد كل ما هو جميل ونبيل فى حياتنا، وما إن تتفتح زهرة حتى ينظرون إليها قائلين: «يا إلهى.. ما كل هذا الشوك؟». وفى كل مرة تطل هذه الوضاعة النفسية والفكرية برأسها أتذكر على الفور ما كتبه بهذا الصدد الأزهرى العظيم، المفكر النبيل، طه حسين، فى كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» فى باب «التعليم الدينى للأقباط»، حين كتب ص ٢٨٠ يقول: «ولعل الاختلاف بين المسلمين والأقباط فى الدين أن يكون أشبه بهذا الاختلاف الذى يكون بين الأنغام الموسيقية فهو لا يفسد وحدة اللحن وإنما يقويها ويذكيها ويمنحها بهجة وجمالًا». ولم يجد المصرى العظيم فى اختلاف الأديان سببًا للكراهية والنبذ والعداوة، بل على العكس رأى فى ذلك ما يمنح مصر «بهجة وجمالًا»، تقوى بهما الوحدة الوطنية، وبالرغم من ذلك التيار الذى يثب من الكراهية إلى التكفير والقتل، فقد أثبتت الوحدة الوطنية المصرية أنها مثل الكرة كلما ضربوها لأسفل قفزت إلى أعلى، وكلما حاولوا اجتثاثها زادت تفتحًا وتألقًا، وذاع عطرها فى كل ناحية. وفى أغسطس ٢٠٢٢ بعد أن حاول البعض حرق كنيسة إمبابة صرح البابا تواضروس الثانى فى حوار مع قناة «إكسترا نيوز» بقوله: «لو أحرقوا الكنايس سوف نصلى مع إخوتنا المسلمين فى المساجد»! ولا ينسى تاريخ العسكرية المصرية ارتفاع بطولة عبدالمنعم رياض وبطولة أخيه باقى زكى يوسف، كما لا ينسى فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ امتزاج دماء الجندى المسلم غريب عبدالتواب بدماء أخيه الجندى المسيحى شنودة راغب، واستشهاد الاثنين متعانقين كأنهما صورة مرسومة بالدم والفداء لوحدة مصر الوطنية! تحية للكنائس والمقرات العامة التى فتحت أبوابها للطلاب، وتبقى رغم أنف الكارهين مصر المحروسة التى تستحق ميت مليون بوسة كل يوم، وكل ساعة، وكل لحظة.