بوحدة الكنائس تتوحد القلوب
بنظرة مرجعية لبدايات الاحتفال بطقوس ووقائع أيام آلام السيد المسيح، تقول لنا الوثائق والمراجع التاريخية:
كانت أورشليم هى أول من عرف الاحتفال بهذا الأسبوع المقدس كما أخبرتنا بذلك السائحة الإسبانية «إيجيريا» فى القرن الرابع الميلادى والتى كتبت مذاكرتها عام 388م، ومن أورشليم خرج الاحتفال بهذا الأسبوع شرقًا وغربًا.
• كانت الاحتفالات تبدأ عشية «أحد الشعانين» بخدمة طقسية فى كنيسة تسمى «لازاريوم» فى بيت عنيا، ويوم أحد الشعانين يخرجون إلى جبل الزيتون وينطلقون منه فى موكب حافل وبأيديهم سعف وأغصان زيتون.
ثم يذهبون إليه مرة أخرى يوم الثلاثاء حيث يقرأ لهم الكهنة نبوءة خراب أورشليم، ويوم الأربعاء يقرأون قصة خيانة يهوذا، أما يوم الخميس فإنهم يقضون ليلته إلى صباح الجمعة على جبل الزيتون وفى الجثيمانية، أما يوم الجمعة فيخرجون الصليب ويقرأون قصة الآلام مدة ثلاث ساعات كاملة بحانب نبوءات العهد القديم.
أما يوم السبت فكان يصام من المؤمنين فى كل الكنائس ومن ليلة السبت لصباح الأحد فهى سهرة مليئة بالصلاة والترانيم..
• وبجانب ما أوردته السائحة الإسبانية تذكر لنا كتاب «الديسقولية السريانية» فى القرن الثالث «أقيموا صلوات وابتهالات واقرأوا الأنبياء والإنجيل والمزامير بخوف ورعدة مع ابتهال حار حتى الساعة الثالثة من الليلة التى تلى يوم السبت».
تحت عنوان «الاحتفال بعيد الفصح المقدس ـ قديمًا وحديثًا» كتب المؤرخ كامل صالح نخلة عضو لجنة التاريخ القبطى بمجلة «صهيون» عام 1946 «إن عيد الفصح المجيد يعيده المؤمنون لتذكار قيامة المسيح»، وكان له المنزلة الأولى فى أعياد المسيحيين منذ الأزمنة الرسولية، وقد جاء فى دائرة معارف القرن العشرين البريطانية أنه لا توجد بيانات عن ممارسة عيد الفصح فى كتب العهد الجديد ولا فى رسائل الآباء الرسل الأطهار.
ولقد غاب عن أذهان المسيحيين الأولين تحديد زمن خاص لهذا العيد بل استمروا يعيدون عيد فصح اليهود إنما بروح جديدة إحياء لذكرى الحوادث التى كانت ترمز إليها الأعياد، وعلى ذلك استمروا على ممارسة عيد الفصح اليهودى مع التطور الجديد الذى أدخل عليه بأن المسيح هو حمل الفصح الحقيقى وأصبح بعد ذلك العيد الفصحى للمسيحيين، ومن التقاليد التى اتبعت قديمًا أن الاحتفال بذكرى صلب وقيامة السيد المسيح كانت تقام كل أربع وثلاثين سنة، ولكن لما كان الكثيرون يحيون ويموتون ولا يتمتعون بجمال وبركة هذا الاحتفال العظيم عدل عن ذلك وصار الاحتفال بالعيد سنويًا ولم يُعرف فى أى وقت تم هذا، ويظهر أنه بعد الجيل الأول المسيحى واستدل على هذا الخبر من تاريخ استشهاد مرقس الرسول كاروز الديار المصرية، فإنه نال إكليل الشهادة بعد إقامة تذكار القيامة المقدسة فى كنيسته فى سنة 68 أى التذكار الأول لهذا العيد بعد حادث القيامة الحقيقى.
ويضيف المؤرخ أنه لم يكن يعيد الفصح مرة فى السنة فقط، بل كان يعيد ذلك التذكار الخلاصى كل أحد فكان يوم الأحد يوم فرح وبهجة عند جميع المسيحيين ويعيدون فيه بالصلاة وقوفًا لا ركوعًا ولا قعودًا وبلا صوم كما شهد بذلك برنابا الرسول والقديسون أغناتيوس ويوستينوس وبلينوس وغيرهم من الآباء الأولين، وكانت لعيد الفصح السنوى شعائر خصوصية فى قلوب المؤمنين ويُحتفل فيه بتذكار الآلام والقيامة معًا.
وفى هذا الصدد أبدى قداسة البابا تواضروس الثانى اهتمامًا بالغًا منذ توليه رعاية الكرسى البابوى فى نوفمبر 2012 بوحدة الكنائس المسيحية ودشن مجلس كنائس مصر والذى كان حلمًا يراود الكنائس المصرية، وعندما قرر أن يجيب على أسئلة الأقباط عبر برنامج «البابا وأسئلة الشعب» والذى يذاع على القنوات المسيحية خصص أول حلقة عن «وحدة الكنائس»، داعيًا خلاله جميع الكنائس فى العالم إلى الاحتفال بعيد القيامة فى موعد محدد، مشيرًا إلى سعيه لمحاولة توحيد عيد الميلاد، موضحًا أنه لا يتخذ قرارًا منفردًا ولكن عن طريق المجمع المقدس الذى يتولى مهمة التشريع داخل الكنيسة.
وبعث البابا تواضروس الثانى عام 2014، خطابًا إلى بابا الفاتيكان وتشمل دعوته لمناقشة توحيد تاريخ عيد القيامة فى جميع كنائس العالم، حمله سفير الفاتيكان بالقاهرة خلال زيارته له بالكاتدرائية المرقسية..
ويبقى أمر تأخر قرار توحيد الأعياد أمرًا غريبًا وغير مفهوم، بينما أتباع كل الكنائس لسان حالهم يقول «وحدوا الأعياد لتتوحد القلوب وتتناغم روحانيات الصلوات».