شخصيات روائية 12
شريف شعبان: القارئ العربي يضع الشخصية الإسرائيلية في قوالب نمطية
تحدث الروائي والباحث في الآثار د.شريف شعبان ضمن سلسلة “شخصيات روائية” عن شخصية “مريم” في عمله الروائي “بنت صهيون”، والصادر في نسخته الأولي عام 2015 عن دار كيان للنشر.
شخصية “مريم” من أصعب الشخصيات التي كتبتها
واستهل “شعبان” حديثه مشيرا إلي أن: للكتابة سحر خاص، فمنها تستطيع صناعة عالم متكامل خاص بك يعج بشخصيات تنسج علاقاتها وتكوينها إما من وحي خيالك أو إسقاط من بعض شخصيات محيطة بك أو حتى انعكاس شخصيتك الحقيقية على أبطال الرواية. ومع ذلك، فبعض من تلك الشخصيات تخرج من وجدان الكاتب وكأنها تملي عليه حوارها وهويتها وكأنها كائن حي قادم من بعيد يطلب الإذن للخروج.
وأوضح : عندما شرعت بكتابة روايتي "بنت صهيون" كنت أكتب عن مجتمع مختلف في كل أركانه وهو المجتمع الإسرائيلي، وبالتالي كان تكوين الشخصيات وصياغة تركيباتها النفسية من أصعب ما يمكن تناوله، حيث اختلاف التيارات المجتمعية والسياسية داخل إسرائيل وكيفية تقبل القارئ المصري والعربي لتلك الشخصيات والتحولات الانفعالية داخلها.
كما أن القارئ العربي عادة ما يضع الشخصية اليهودية والإسرائيلية في قوالب نمطية وهو البخيل الشرير الأخنف. فجاءت رواية بنت صهيون لتعرض نماذج بشرية طبيعية التناول مختلفة التوجه والتكوين عما هو سائد في الذهن العربي، فهناك شخصيات واضحة التوجه مثل "دافيد" الطالب المتطرف المنتمى لجماعات يهودية يمينية والمناهض للعرب في المقابل الطالب "دانيال" اليساري المتعاطف مع العرب والمحب للسلام والمناهض للتطرف الإسرائيلي، بالإضافة إلى شخصيات حقيقية تم تضفيرها بالرواية مثل "داود هراري" الذي عاش في القرن التاسع عشر وقاتل الأب توما المسيحي.
ولفت شريف شعبان إلي: ولعل أهم وأصعب تلك الشخصيات التي تناولتها هي شخصية "مريم" اليهودية الشرقية إبنة مستوطنة "هارحوما" الواقعة جنوب شرق القدس التي تشعر بالاغتراب الدائم وعدم الاستقرار رغم طموحها الشديد ومستقبلها الواعد. تجول بداخلها صراعات متعددة تخلق منها شخصية مركبة بداية من رفضها لواقعها حيث أسرتها المفككة بداية من أبيها يعقوب السمسار المرابي الذي لا يأبه سوى بالمال مرورًا بمجتمع المستوطنة الذي يأكل بعضه بعضًا وحتى المجتمع الإسرائيلي الكبير المليئ بالصراعات والتناقضات على رأسها اضطهاد اليهود الشرقيين أمثال مريم نفسها.
كما يتنامى بداخلها صراعًا بكونها يهودية متدينة لها أخ ضابط في سلاح الطيران وميلها بالحب الجارف نحو العربي “مصطفى” الذي يتضح أنه عضو في حركة حماس المقاومة ضد الإحتلال الاسرائيلي. وتتجلى ذروة الصراع الداخلي مع رفض مصطفى لهذا الحب فتتحول الفتاة المحبة إلى وحش شرير لتبلغ عنه الأمن الداخلي كي تتم تصفيته. ويأتي الصدام مرة أخرى في تحولها من طالبة مجتهدة إلى فتاة ضائعة تنجرف إلى مستنقع المخدرات بعد وفاة مصطفى مما يؤدي إلى تعاظم شعورها بالذنب وينتهي بها المطاف إلى الانتحار.
وتابع "تكمن صعوبة شخصية مريم في التحول المستمر بين تلك الصراعات وربطها دون تداخل وكيفية ضبط صعود وهبوط تلك الحالة النفسية المتذبذبة لجعل القارئ يحتار في التعاطي معها، فتارة ما يتعاطف معها وتارة أخرى يرفضها لكنه يظل متعلق بها طوال رحلتها داخل الرواية حتى نهايتها. وتكمن واقعة انتحارها بمثابة محطة جدلية للقارئ مابين متعاطف معها أو كاره لها يجد أنها نالت النهاية المستحقة.
شدد على "أن مريم ليست شخصية ذات طابع سياسي أو عرقي في الأساس، لكن يمكن أن أجد مريم في مختلف المجتمعات والطبقات، فهي فتاة تحلم بالحب والحياة وسط عاصفة من الصدامات السياسية والفوارق الدينية. كما يمكن أن أجد صراعاتها الداخلية متكررة فهي تعكس الإنسان بمختلف رغباته وصراعاته وتحولاته مما يجعلها شخصية حية يمكن رؤيتها بيننا وفي أي مكان أو زمان.