مصر.. باب العرب وملاذ المغتربين
على أحد مقاهي القاهرة جلست مع صديق فلسطيني، عندما التفت يمينا ويسارا وجدت طاولة يلتف حولها شباب من أصحاب الجنسية السودانية وطاولة أخرى من أهل اليمن، وبائعة سورية تروج لبضاعتها، وعندما اقتربت إلى طاولتنا انا وصديقي بدأ أطراف الحديث بين السورية والفلسطيني ليشكو كل واحد همه ومأساته للآخر.
خلال الحديث قالت السورية إن العرب يجب عليهم التوحد ضد المحتل الغاشم، وإذا فتحوا باب الجهاد ستهب الشعوب العربية جميعها لتحرير القدس، ولكن لنا الله، وأشارت في حديثها إلى أن مصر هي الملجأ الآمن لكل العرب وحائط الصد الوحيد ضد أي عدوان، قائلة: "الله يحفظ مصر وأهلها"، وأكد على حديثها الشاب الفلسطيني الذي وصف لي عن شعوره وسعادته بوجوده في مصر وجمالها التي تضم في أحضانها كل عربي لجأ إليها.
يبدو أن لا أحد يشعر بالنعمة إلا عندما يفقدها، كثيرا ما نرى أو نسمع من يسب في الوطن بحجة الأزمات الاقتصادية أو غيرها من أزمات دون أن يقدم حلول موضوعية وعلى جانب آخر شعر المغتربون بنعمة الوطن والاطمئنان وبدأوا في عمل مشروعاتهم الصغيرة وبدأ الشباب المصري في عمل مشروعات صغيرة أيضا متحديا البطالة ومتحديا كل ما يقال عن أحلام الهجرة والعمل في الخارج، وآمنوا أن العمل داخل الوطن أفضل من التنمية في اقتصاديات أوطان أخرى، أو كما يقال في الشارع المصري "البهدلة في وطني أفضل من البهدلة في الغربة".
وفي ظل الأزمات والصراعات التي تعصف ببعض الدول العربية، تجد الكثير من الأسر والأفراد في مصر مكانا آمنا ومريحا للعيش والعمل والتعليم والترفيه، وتقدم مصر لهؤلاء المغتربين كل ما يحتاجونه من خدمات ومرافق ومناخ اجتماعي وثقافي متنوع ومتسامح.
وتشهد مصر في السنوات الأخيرة زيادة في عدد المغتربين العرب، خاصة من الدول التي تعاني من الحروب والنزاعات، مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان. ويقدر عدد المغتربين العرب في مصر بنحو 10 ملايين نسمة، بحسب إحصاءات رسمية وغير رسمية.
ويسهم هؤلاء المغتربين في تنشيط الاقتصاد المصري، من خلال الاستثمارات والمشاريع والأنشطة التجارية والخدمية التي يقومون بها. كما يساهمون في تعزيز العلاقات الثقافية والإنسانية بين مصر وبلدانهم الأصلية، وفي نشر القيم العربية والإسلامية السمحة والمنفتحة.
هذا المشهد يعكس تنوع الثقافات والقصص التي تجتمع في مصر، وتبرز مقاهي القاهرة أيضا دور مصر كحاضنة للعرب، فهي تستقبل اللاجئين والمهاجرين والزائرين من مختلف الدول العربية، وتقدم لهم الدعم والمساعدة والتضامن، وتحافظ على هويتهم وثقافتهم، وتفتح لهم أبواب الفرص والتعليم والعمل.
وتشهد مصر على تاريخها العريق في الدفاع عن القضايا العربية، والمساهمة في حل النزاعات والأزمات، والتوسط للسلام والتعاون، والمشاركة في الإغاثة والإنسانية، والتنمية والتكامل.
ومن أمثلة ذلك موقف مصر الداعم للشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ومبادرتها لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في غزة، ومساعدتها للشعب الليبي في تجاوز أزمته السياسية والأمنية والإنسانية، وتعاونها مع الشعب السوداني في تحقيق الانتقال الديمقراطي والاستقرار، وتضامنها مع الشعب السوري في مواجهة الحرب والنزوح، وتقديمها للمساعدات الطبية والغذائية والتعليمية للعديد من الدول العربية.
وتعكس هذه المواقف النبيلة روح الأخوة والمحبة والتآزر بين مصر والعرب، وتؤكد على أن مصر هي قلب الأمة ورمز الكرامة ومصدر الحكمة.
ومنذ زمن بعيد، كانت مصر مركزا للحضارة والثقافة العربية والإسلامية، وملتقى للشعوب والأمم المختلفة، وما زالت مصر تحتفظ بدورها التاريخي والحضاري "باب العرب وملاذ المغتربين" من الوطن العربي، الذين يبحثون عن الأمن والاستقرار والفرص والحرية.
وتؤكد مصر أنها ستظل دائما "باب العرب وملاذ المغتربين"، وأنها ستستمر في تقديم يد العون والمساعدة لكل من يحتاجها، وأنها ستعمل على تحقيق الرخاء والتنمية والتقدم لشعبها وللشعوب العربية والإسلامية جميعا.