الأنبا توما حبيب عيد الميلاد رسالة السلام والحرية والفرح
تستعد الكنائس التي تتبع التقويم الغربي للاحتفال بعيد الميلاد المجيد في 25 ديسمبر 2023، إذ يترأسون صلوات القداس الإلهي مساء 24 ديسمبر 2023.
وانتهت الكنائس التي تتبع التقويم الغربي من وضع زينتها الخاصة بعيد الميلاد المجيد، إذ تزينت الكنائس التي تحتفل بعيد الميلاد المجيد وفقَا للتقويم الغربي بأضواء الميلاد ووضعت في باحاتها الخارجية ماكيت لمزود البقر الذى ولد فيه السيد المسيح ببيت لحم، بالإضافة إلى مجسمات وتماثيل تروي قصة الميلاد.
إذ يترأس الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك، مساء الأحد، قداس عيد الميلاد المجيد، بكاتدرائية السيدة العذراء مريم بمدينة نصر، ومن جهته وجه الانبا توما حبيب مطران سوهاج للاقباط الكاثوليك رسالة الميلاد والتي جاءت تحت عنوان رسالة السلام والحرية والفرح
وقال الأنبا توما حبيب في تصريحات خاصةً لـ"الدستور": "أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، ميلاد مجيد استهل كلامي بكلمات النبيّ أشعيا: "ولد لنا ولد، أُعطي لنا ابن" وُلِدَ لنا وَلَدٌ: إن الولادة هي دائمًا مصدر رجاء، إنها حياةٌ تتفتّح، إنها وعدٌ بالمستقبل. وهذا الطفل يسوع، قد "وُلِد لنا": وهذا الـ "نحن" هو بلا حدود، ولا امتيازات أو استثناءات. فالطفل الذي وَلَدَته مريم العذراء في بيت لحم قد وُلِد للجميع: إنه "الابن" الذي وهبه الله للعائلة البشريّة بأسرها".
وتابع وبفضل هذا الطفل، نستطيع جميعًا أن نلجأ إلى الله وأن ندعوه "أب"، "أبي". يسوع هو الابن الوحيد، لا أحد يعرف الآب غيره، لكنه جاء إلى العالم ليُظِهر لنا بالتحديد وجهَ الآب السماوي، وهكذا بفضل هذا الطفل، يمكننا جميعًا أن نسمّي بعضنا بعضًا إخوة وأن نكون إخوة حقيقيّين: من كلّ قارّة، من أيّ لغة وثقافة، مع هويّاتنا واختلافاتنا، ومع ذلك جميعنا إخوة وأخوات، إن الخلاص هو من المسيح وفي المسيح وحده الحرية والعتق من عبودية الخطية هي من خلال فداء المسيحـ أن نعمة وهبة الخلاص مجانية لك لكنها لا تقدر بثمن لأنها كلفت ابن الله أن يترك عرشه ويموت على الصليب من أجلك أنت. جاء آخذًا جسدًا بشريًا ليحمل خطاياك على الصليب فتصبح أنت بالإيمان به ابنًا لله، رسالة الميلاد هي رسالة السلام والحرية والفرح. كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل غلاطية: "وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ" (غلا 4/ 4-5).
وأوضح يسوع المسيح هو درب السلام. بتجسده وموته وقيامته، فتح الممرَّ من عالم مغلق، يُثقِّلهُ ظلام العداوة والحرب، إلى عالم مفتوح، يعيش بحرية في أخوَّة وسلام. لنتبع هذا الدرب! ولكن لكي نتمكن من القيام بذلك، ولكي نكون قادرين على السير خلف يسوع، علينا أن نتجرّد من الأعباء التي تُعيقنا وتمنعنا من التقدّم. وما هي هذه الأعباء؟ ما هو هذا "الحمل"؟ إنها المشاعر السلبية عينها التي منعت الملك هيرودس وحاشيته من الاعتراف بميلاد يسوع وقبوله: التعلق بالسلطة والمال، الكبرياء والنفاق والكذب. هذه الأعباء تمنعنا من الذهاب إلى بيت لحم، وتستثنينا من نعمة عيد الميلاد وتغلق درب السلام. في الواقع، علينا أن نلاحظ بألمٍ أنه فيما يُعطى لنا أمير السلام، لا تزال رياح الحرب الباردة تعصف على البشرية.
ولفت: "إن السبب الرئيسي لميلاد المسيح هو فداء الجنس البشري. عندما ضل كل انسان عن الله، وضع الله إثم كل البشر علي المسيح لكي يحمل ذنوبنا جميعًا ويكفر عنها بدمه الطاهر. (رومية 23:3-25) "وهو مجروح لأجلمعاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد الى طريقه والرب وضع عليه اثم جميعنا، وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين، وآثامهم هو يحملها، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين. (أشعياء 5:53- 12).
وتابع إذا أردنا أن يكون عيد الميلاد، عيد ميلاد المسيح والسلام، لننظر إلى بيت لحم ونُحدقَ النظر إلى وجه الطفل الذي ولد من أجلنا! ولنَرَ في ذلك الوجه ِالصغير البريء، وجهَ الأطفال الذين يتوقون إلى السلام في جميع أنحاء العالم، ليمتلأ نظرنا بوجوه الإخوة والأخوات الذين يعانون من ويلات الصرع الدولي أو في ويلات الحروب أو حتى الاختلافات الشخصية أو العائلية والذين يعيشون في عيد الميلاد هذا في الظلام أو في البرد أو بعيدًا عن بيوتهم، بسبب الدمار الذي سببته الحرب. ليجعلنا الرب مستعدين لتصرفات تضامن ملموسة لكي نساعد الذين يتألّمون، وليُنِر عقول الذين لديهم القدرة على إسكات الأسلحة ووضع حد فوري لهذه الحروب الغاشمة! لسوء الحظ، نحن نفضل أن نصغي إلى أسباب أخرى يمليها منطق العالم. لكنَّ صوت الطفل من يصغي إليه؟
وأضاف لنطلب من الرب أن يُستأنف الحوار والبحث عن الثقة المتبادلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين هناك في الأرض التي شهدت مولده. ليعضد الطفل يسوع الجماعات المسيحية التي تعيش في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لكي يصبح ممكنًا في هذه البلدان عيش جمال التعايش الأخوي.
واختتم في هذا اليوم، الذي من الجميل أن نجتمع فيه حول مائدة مليئة بالطعام، لا نحيدنَّ نظرنا عن بيت لحم، التي تعني "بيت الخبز"، ولنفكر في الأشخاص الذين يعانون من الجوع، ولاسيما الأطفال، فيما تهدر يوميًّا كميات كبيرة من الطعام ويتمُّ إنفاق الموارد على الأسلحة، إنَّ الحروب في العالم وبخاصة في الشرق الأوسط قد زادت من تفاقم الاوضاع، وتركت شعوبًا بأكملها عرضة لخطر المجاعة، في هذا اليوم، إذ نتعلَّم من أمير السلام، لنلتزم جميعًا، والذين يشغلون مسؤوليات سياسيّة أولًا، لكي يكون الغذاء فقط أداة سلام. وبينما نستمتع بفرح لمِّ شملنا مع أحبائنا، لنفكر في العائلات التي جرحتها الحياة، وتلك التي تكافح في زمن الأزمة الاقتصادية هذا بسبب البطالة وتفتقر إلى ضروريات الحياة الأساسية.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، اليوم كما في ذلك الوقت، يأتي يسوع، النور الحقيقي، إلى عالم مريض باللامبالاة، لا يقبله، بل يرفضه أو يتجاهله، كما نفعل في كثير من الأحيان مع الفقراء. لا ننسينَّ اليوم العديد من اللاجئين والنازحين الذين يقرعون على أبوابنا بحثًا عن الراحة والدفء والطعام. لا ننسينَّ المهمشين والأشخاص الوحيدين والأيتام والمسنين الذين يواجهون خطر التهميش، والسجناء الذين ننظر إليهم فقط بسبب أخطائهم وليس ككائنات بشريّة.
وأخيرًا: تُظهر لنا بيت لحم بساطة الله، الذي لا يُظهر نفسه للحكماء والأذكياء، وإنما للصغار ولأصحاب القلوب الطاهرة والمنفتحة. على مثال الرعاة، لنذهب نحن أيضًا مسرعين ولنسمح بأن يُدهشنا حدث الله الذي صار إنسانًا لكي يخلِّصنا. إنَّ الذي هو مصدر كل خير يُصبح فقيرًا ويتوسل إنسانيتنا الفقيرة. لنسمح لمحبة الله بأن تؤثِّر بنا ولنتبع يسوع، الذي تجرّد من مجده لكي يشاركنا في ملئه. ميلادًا مجيدًا لكم جميعًا!