مونسينيور يوأنس لحظي: العيد يأتي هذا العام في جو حزين
تستعد الكنائس التي تتبع التقويم الغربي للأحتفال بعيد الميلاد المجيد في 25 ديسمبر 2023، إذ يترأسون صلوات القداس الإلهي مساء 24 ديسمبر 2023.
وانتهت الكنائس التي تتبع التقويم الغربي من وضع زينتها الخاصة بعيد الميلاد المجيد، إذ تزينت الكنائس التي تحتفل بعيد الميلاد المجيد وفقَا للتقويم الغربي بأضواء الميلاد ووضعت في باحاتها الخارجية ماكيت لمزود البقر الذى ولد فيه السيد المسيح ببيت لحم، بالإضافة إلى مجسمات وتماثيل تروي قصة الميلاد.
فيما كثفت وزارة الداخلية استعداداتها الأمنية لاستقبال قداس العيد ونشرت الحواجز الحديدية أمام مقرات الكنائس التي يقام فيها القداس مساء غدَا الأحد، تمنع مرور السيارات في محيط الكنائس إذ تسمح للمارة بالدخول مترجلين عبر بوابات إلكترونية وأجهزة كشف المعادن مستعينة بالشرطة النسائية لتفتيش السيدات
ومن جانبه قال مونسينيور د. يوأنس لحظي جيد السكرتير الشخصي السابق لقداسة البابا فرنسيس
ورئيس مؤسسة الأخوة الإنسانية المصرية، في تصريحات خاصة لـ«الدستور»، بداية نهنئ أنفسنا بإعادة انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية جديدة لاستكمال مسيرة النهضة والاستقرار والتقدم والازدهار، وندعو الله تعالى أن يوفقه ويوفق كافة المسؤولين لما فيه خير الوطن وأبنائه للوصول، بإذن لله، للجمهورية الجديدة التي نحلم بها جميعا ونسعى لبلوغها تحت قيادته الوطنية الرشيدة.
وتابع: عيد الميلاد هو عيد الفرحة والبهجة والأضواء والأنوار والاحتفالات، هو العيد الي نتذكر فيه مولد السيد يسوع المسيح الذي قسم التاريخ وفتح للبشرية باب الرجاء والفداء وصالح الأرض مع السماء، وأكد محبة الله الذي لا يكتفي بإرسال رسله ورسائله بل اختار أن يحل بيننا بمجده وبهائه. إنه عيد الأعياد والمناسبة التي تتزين فيها ومن أجلها الشوارع والبيوت والأشجار بالأنوار والبهجة، وتتجمل القلوب بالعفو والمحبة.
موضحًا: غير أن العيد يأتي هذا العام في جو حزين، حيث تحاسرنا اخبار الحروب والمآسي والدماء البريئة المهدرة وعشرات الألاف من النازحين والمشردين والمقتولين والمجروحين والبيت والمدن المدمرة. فكيف لنا أن نُعيّد وإخواننا في غزة والأراضي المقدسة يعانون؟ وكيف لنا أن نفرح ومازال الدمار هو سيد الموقف في أوكرانيا والسودان وغزة والعديد من البلدان؟ وكيف لنا أن نفرح وعدم الاستقرار والغلاء يحيط بنا من كل جانب؟
أولا بتذكّر أن المسيح عندما ولد في بيت لحم كانت أرضه محتلة من الرومان وكان شعبه ينزح تحت وطأة المستعمر وتحت استبداد الحكام المدنيين والدينين، وكان الفساد هو صاحب الكلمة الأعلى بين الناس الذين لم يستقبلوا الطفل القادم للعالم وتركوه لبرد المغارة والعراء. لنتذكر أن ميلاد المسيح هو وحده القادر على إشعال نور السماء على أرضنا الحزينة وفي قلبونا المغمومة، هو وحده القادر على إضرام الرجاء في القلوب المنهكة والحزينة.
ثانيا بتذكّر أن ظلام العالم لا يمكنه أن يطفئ ضوء شمعة صغيرة، فنور ايمان مريم العذراء كان أقوى من ظلام عُباد المال والسلطة والهيكل، ونور طاعة يوسف الصدِّيق كان أشد من جحود أهل المظاهر والشعارات والتقوى السطحية والمظاهرة المزيفة، ونور نجمة السماء كان أسطع وأدل من كل كلمات وعظات وتفاسير رجالات الدين، ونور بساطة رعاة الغنم كان أروع من طقوس وبخور وصلوات زوار الهيكل، ونور شجاعة المجوس كان أبرع من حيل ودهاء هيرودس الملك.
ثالثا بتذكر أن الغبطة في العطاء لا في الاخذ والتخزين والجشع، فغبطة البسطاء بميلاد المسيح كانت أعظم من خوف الأغنياء على حياتهم وثرواتهم ومكتسباتهم واطماعهم. غبطة الأرملة التي أعطت الفلسين ونالت الخلاص كانت أعظم من تباهي الذين أعطوا من فضلتهم وبقاياهم لا من احتياجهم. عيد الميلاد هو عيد الله الذي أعطانا كلمته وذاته، عيد لا يمكن لنا أن نعيده إلا باقتسام الرغيف مع الجائع، والثوب مع العريان، والماء مع العطشان، والبسمة مع الحزين والدمعة مع الباكي. إن التحجج بالظروف هو دائما أسلوب الأشخاص الذين يخافون من عيش مغامرة الإيمان. إنه أسلوب المتحججين والراقصين على سلم التردد والتذبذب. إنه درب الذي يعرجون بين الايمان بالله بالكلام والايمان بالبعل بالأفعال.
رابعا بتذكر أن الميلاد الحقيقي هو ميلاد القلب عندما يتطهر من الكراهية، ميلاد العقل عندما يتلألأ بالحكمة، ميلاد النفس عندنا تتمنطق بالصفح والغفران والكرم، ميلاد الإنسان عندما يتحرر من أنانيته ومن احكامه المسبقة ومن تصنيفه للناس. الميلاد الحقيقي هو الانتقال من ايمان معلن بالفم إلى إيمان معاش بالحياة.
خامسا بتذكر مَنْ هم أسوأ منا والنهوض لمساعدتهم الآن وهنا وعدم تأجيل الامر لذلك الغد الذي لا يأتي أبدا. فالطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة التي أجهضِت أو بقيت شعارات جوفاء، والطريق إلى السماء مفروش بأعمال الخير التي قام بها أشخاص بسطاء بسخاء نفس.
سادسا بالتخلي عن كافة المشاعر السلبية التي تحولنا إلى عبيد لها وبالركوع أمام طفل المغارة بالصلاة والتضرع كي يرفع هو عن العالم الوباء والبكاء والدماء واهوال الحروب والمآسي. إن القلق من الغد والاحمال والهموم دفعنا للركوع تحت نيرها الثقيل والركوع هو أفضل وضع للصلاة ولتسليم حياتنا لمن بيده مصائر العالم والشعوب، لمن قال: "بدوني لا تستطيعون شيئا"، لمن يعلما بأن "ما من شيء مستحيل على الله". لمن انتصر على ممالك الدنيا بقوة المحبة والايمان والرجاء. لمن انتصر على موت الصليب بقوة التسليم والثقة.
سابعا بتذكر أن عيد الميلاد هو دعوة لإكرام الوالدين وزيارة كبار والاشخاص الوحيدين والمتروكين والمنسيين، حتى من قبل أبنائهم وذويهم. إنه الوقت الأمثل لزيارتهم ومنحهم الدفء الذي قدموه لنا بوفرة عندما كنا في حاجة إليهم. إن فرصة لإيجاد الوقت، حتى من خلال مكالمة هاتفية، أو زيارة قصيرة، كأفضل هدية يمكننا تقديمها لهم.
ثامنا بتذكر صاحب العيد وترك مكانا له على طاولاتنا وفي ولائمنا والتوقف والتأمل وإعادة ترتيب هرم أولوياتنا. إنه وقت التحرر من عبودية وعبادة الأشياء وإله هذا العالم والشهوات والكراهية. فما من فائدة من تزيين أشجار عيد الميلاد والمنزل والحديقة والشارع بالأضواء إذا كان قلبك مظلما بالحقد والاستياء والعداء. حرر نفسك من الكراهية بالحب؛ من السخط بالمغفرة. ومن الغضب بالصلح؛ من العداء باللطف. وتعلم أن الشخص الذي يمنح المغفرة يكسب أكثر من الشخص الذي يتلقاه.
تاسعا بتذكر أن عيد الميلاد هو عيد الأسرة. العيد الذي يجب فيه أن نجد الوقت للعب مع أطفالنا، وللتحدث مع أبنائنا، للخروج مع أسرتنا. لقد ولد المسيح في البرد وقد تدفئ بدفء اسرته، ليعلمنا أن دفء العائلة هو فقط القادر على تدفئة قلوبنا.
عاشرا بتذكر مثال المعمدان وعدم الخجل من الميلاد. فكما كان يوحنا المعمدان صوتًا صارخًا في برية العالم ليعد الطريق لميلاد المسيح، علينا أن نكون صوتا صارخا لإيقاظ ضمير العالم المخَدَر وإشعال نور طفل المغارة القادر وحده على تبديد ظلمات العالم. ولن نكون صوتا في البرية إذا سمحنا لانشغالنا بتحضير عيد الميلاد يشغلنا عن الاحتفال بقداس عيد الميلاد: "مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا" (لو 10، 41 - 42).
فقط هكذا سنتمكن من عيش عيد ميلاد المسيح وتحويله لعيد ميلادنا، وعدم الاستسلام لتجربة اليأس والإحباط والقنوط.
هلم ننير ظلام العالم بنور وجهة المسيح الذي قال عن نفسه: "أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة" (يو ٨، ١٢).