رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

“مشاوير العمر”.. الفريق كمال حسن علي يرصد جاهزية الجنود لمعركة النصر

صناع نصر أكتوبر
صناع نصر أكتوبر

وثق الفريق كمال حسن علي  الذي تولي قيادة سلاح المدرعات خلال حرب أكتوبر 1973، في مذكراته حملت عناون “مشاوير العمر”، تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، والذي كان شاهدًا عليه خلال الفترة من حرب 48، مرورا بالعدوان الثلاثي 1956، وحرب 67 وبعدها حرب الستنزاف، وصولا إلي حرب أكتوبر 73.

وتتخلل مذكراته، بعضا من جوانب سيرته الذاتية، والمناصب التي شغلها في العمل العام.

وخصص “كمال” خصص الجزء الأكبر من مذكراته ــ كشاهد ومشارك ــ حرب أكتوبر والتحضيرات التي سبقت العبور العظيم. حيث أفرد عدة فصول عن التخطيط لمعركة العبور ودور كل سلاح من أسلحة القوات المسلحة، وكيفية التنسيق بينها، والتنسيق مع الجانب السوري.

العرق يوفر الدم

وكملمح مشترك بين المذكرات والكتابات التي نشرها عدد من قادة القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر، ألا وهو التخطيط العلمي الجيد للمعركة. 

أشار كمال حسن علي، إلى أنه كان علي القوات المسلحة في الجبهة أن تقوم باقتحام قناة السويس بما عليها من تحصينات خط بارليف المنيعة وأن تهزم تجمعات العدو شرق القناة، ثم تصل إلي خط المضايق وتؤمنه استعدادا لتنفيذ أي مهام أخري. 

ولتحقيق هذه الأهداف كان علي القوات المسلحة وسلاح المدرعات ـ جزء منها أن ــ الإعداد للمعركة الكبري، وهذه الإعدادت يوجزها “كمال”: اقتضي مني الإعداد لــ حرب أكتوبر، المرور علي كل الوحدات المدرعة، وهي تمثل كتائب الدبابات في ألوية وفرق المشاة، أو في الألوية والفرق والمدرعة والألوية المدرعة المستقلة أو جميع المركبات ذات الجنزير علي مستوي القوات المسلحة، للوقوف علي مستواها ومتطلباتها الفنية والتدريبية. وكان لابد من سرعة النهوض بالوحدات التعليمية الخاصة بإعداد أفراد المدرعات من ضباط وضباط صف وجنود. 

وشمل الإعداد لــ حرب أكتوبر،  سلسلة من التجارب علي الكفاءة القتالية للمدرعات، وتم رفع مستواها القتالي عن طريق إضافة صواريخ الدخان وأجهزة الرؤية الليلية وآلات تقدير المسافة بالليزر التي استوردت كلها من دول غربية كأنجلترا وفرنسا، مما جعل الدبابات الشرقية الموجودة في مصر تفوق مثيلاتها المستخدمة في الاتحاد السوفيتي. 

وعلي المستوي الفني، قام مهندسو المدرعات بحهد خارق من أجل رفع المستوي الفني والصلاحية القتالية، وبخطة دقيقة شملت كافة المركبات ذات الجنزير في القوات المسلحة. 

ولفت “كمال”: أذكر أن مستوي الاستعداد القتالي في كل الوحدات المدرعة، وصل يوم 5 أكتوبر إلي 99.8٪ وهو رقم كنت أعتز به كل الاعتزاز وأنا أقدم تقاريري لوزير الدفاع.

وبالنسبة للأفراد، شكلت إدارة المدرعات ما يقرب من 3 لواءات احتياطي، جري تدريبها قبل وأثناء المعركة، بحيث كان في الاستطاعة تعويض الخسائر بوحدات كاملة وبسرعة فائقة كلما اقتضي الأمر.

وقد قام القادة المكلفون بتشكيل وتدريب هذا الاحتياطي الكبير بجهد فوق الطاقة، لدرجة أن قائد هذه المجموعة العميد “عادل حسني” فاجأته أزمة قلبية من فرط الإجهاد وتوفي بعد ساعات من بدء الأزمة. ولا شك أن ما بذلته القوات المسلحة من عرق للإعداد لحرب أكتوبر، قد وفر الكثير من الدم.

الدقائق الأولي للعبور 

ويصف “كمال” الدقائق الأولي لبدء معركة العبور، والتي بدأت بالضربة الجوية بالتزامن مع مثيلتها علي الجبهة السورية، وكيف كان لظهور هذه الطائرات علي ارتفاع منخفض يكاد يلمس رؤوس الجنود كان كافيا لإلهاب حماسهم ومشاعرهم المكبوتة، فاندفعوا يسحبون زوارقهم إلي مياه القناة من خلف الساتر عابرين القناة، ولم ينتظر هؤلاء الجنود كما تقضي الخطة أن يتم التمهيد النيراني بأكبر تركيز شهده العالم في ضرب المدفعية بعد معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية حيث انطلقت أكثر من ألفي مدفع لتضرب بدقة رائعة أهدافها.

في الدقائق الأولي للعبور أصبح لنا علي الضفة الشرقية للقناة حوالي 8000 مقاتل استخدموا القوارب المصنوعة من المطاط والخشب. واستمر تدفقهم مستخدمين سلالم حبال بدائية لتسلق الساتر الترابي بارتفاع 17 متر علي الضفة الشرقية، ولم يننه اليوم حتي كان لنا أكثر من 50000 مقاتل في الشرق.

وكان المهندسون قد أتموا في خلال 8 ساعات فقط إنشاء ثمانية كباري ثقيلة وأربعة كباري خفيفة، وقاموا ببناء وتشغيل 30 معدية، وفتحوا 60 فتحة لتكون بمثابة ممرات في الساتر الترابي، وقد أزيل منها 90 ألف متر مكعب من الرمال بفضل استخدامهم لمضخات مياه عادية كانت تستخدم فكرتها في تجريف الرمال في السد العالي، فكانت من أهم الأسلحة التي فوجئ بها العدو، وقد ظن أن أتربة هذا الساتر ستوفر لهم الحماية وتحجز المصريين خلفها مدة طويلة كافية لوصول دباباتهم إلي الخط وسحق قوات المشاة الضعيفة التي قد تنجح في التسلل عبر تلاله.