احتفالًا بـ عيد النيروز.. راعي كنيسة شيكاغو يتخدث عن خدمة السيد المسيح
قال القمص يوحنا نصيف، راعي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في وزلاية شيكاغو، بمناسبة احتفالات الكنيسة بعيد النيروز وراس السنة القبطية، إنه في بداية السنة القبطيّة الجديدة، تقرأ لنا الكنيسة فصلاً جميلاً عن بداية خدمة المسيح الكرازيّة، في المجمع بمدينة الناصرة، بحسب المكتوب في إنجيل القدّيس لوقا: "وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ حَيْثُ كَانَ قَدْ تَرَبَّى. وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوبًا فِيهِ: رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لِأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلَاقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ. ثُمَّ طَوَى السِّفْرَ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْخَادِمِ، وَجَلَسَ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْمَجْمَعِ كَانَتْ عُيُونُهُمْ شَاخِصَةً إِلَيْهِ. فَٱبْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ"
تعليق القديس كيرلس الكبير
ويُعلّق القدّيس كيرلّس الكبير تعليقًا غنيًّا على هذه الفقرة، فيقول: "روح الربّ عليّ".. الابن قد مُسِح عن طريق مجيئه في الجسد، واتّخاذه طبيعتنا. فهو لكونه إلهًا وإنسانًا في نفس الوقت، فهو يُعطي الروح للخليقة بطبيعته الإلهيّة، كما أنّه ينال الروح من الآب في طبيعته البشريّة. ويقول (المسيح) أنّ الروح الذي هو بالطبيعة موجودٌ فيّ، وأنا وهو من نفس الجوهر والألوهيّة، هذا الروح نفسه نزل عليّ من الخارج (في المعموديّة)، وهكذا فإنّه أتى عليّ أيضًا في الأردن على شكل حمامة. ليس لأنّه لم يكُن موجودًا فيّ، ولكن لأجل السبب الذي من أجله مسحني. وما هو السبب الذي من أجله اختار المسيح أن يُمسَح؟ السبب هو لأنّنا نحن صِرنا مُقفَرين من الروح، بذلك الحُكم القديم: "لا يسكن روحي في الإنسان، لأنّه بَشَرٌ"
هذه الكلمات يقولها كلمة الله المتجسّد، فلكونه الإله الذي من الله الآب، ولأنّه صار إنسانًا لأجلنا دون أن يلحقه تغيير، فإنّه يُمسَح معنا بزيت البهجة، إذ نزل عليه الروح في الأردن على شكل حمامة. لأنّه قديمًا كان الملوك والكهنة يُمسَحون رمزيًّا، وبهذا يحصلون على درجة معيّنة من التقديس، أمّا هذا الذي تجسّد من أجلنا، فقد مُسِحَ بالزيت الروحاني زيت التقديس، ونزل عليه الروح بالحقّ، وهو قد قبل الروح لا لأجل نفسه، بل لأجلنا.
هؤلاء المساكين صاروا أغنياء بالإيمان به، إذ حصلوا على الكنز الإلهي السماوي، كنز رسالة إنجيل الخلاص، الذي به جُعِلوا شركاء في ملكوت السموات، وصاروا مُشاركين مع القدّيسين، ووارثين للبركات التي لا يستطيع عقل أن يُدركها، ولا لسان أن يُخبِر عنها.
وهو بَشّر المأسورين بالإطلاق، الذي تمّمه حينما ربط القويّ، الشيطان الذي بطغيانه ساد على جنسنا، وانتزعنا من الربّ جاعلاً إيّانا غنائم له، وأولئك الذين أعتَمَتْ قلوبهم منذ القديم بظُلمة إبليس، قد أنار لهم بإشراقِهِ كشمس للبرّ، وجعلهم أبناء، لا للّيل والظلمة فيما بعد، بل أبناء للنور والنهار، كقول بولس الرسول. وأولئك الذين كانوا عميانًا، لأنّ المُضِلّ أعمى قلوبهم، قد استعادوا بصرهم وعرفوا الحقّ، وكما يقول إشعياء: "صارت ظلمتهم نورًا" أي صار الجهّال حكماء، وأولئك الذين كانوا في الخطيّة عرفوا مسالك البرّ.. قد صاروا أبناء النور، لأنّ النهار قد أشرق عليهم، وشمس البِرّ قد أنارت، وكوكب الصبح اللامع قد ظهر.
يعني بالمنكسري القلوب أولئك الذين لهم ذهن ضعيف مستسلم، ولا يستطيعون مقاومة هجمات الشهوة. وهكذا تجرفهم الشهوات ويصبحون أسرى لها، هؤلاء يُعطي لهم الوعد بالشفاء والغفران، وما معنى إرسال المنسحقين في الحرّيّة؟ معناه إطلاق الذين سحقهم الشيطان بقضيب العنف الروحي، ليذهبوا في طريقهم أحرارًا، وما معنى الكرازة بسَنَة الربّ المقبولة؟ إنّها تُشير إلى الأخبار المُفرِحة عن مجيئه، أي أنّ الابن قد جاء، فتلك كانت هي السَنَة المقبولة التي فيها صُلِبَ المسيح لأجلنا، لأنّنا عندئذ صِرنا مقبولين عند الله الآب، كثمار حملها المسيح.. أيضًا من كلّ ناحية هي سَنَة مقبولة، التي فيها إذ قد انضممنا إلى عائلته، فقد دخلنا إليه بعد أن اغتسلنا من الخطيّة بالمعموديّة المقدّسة، وصِرنا شركاء طبيعته الإلهيّة بواسطة شركة الروح القدس.
تلك أيضًا هي سَنَة مقبولة، إذ أظهَرَ فيها مجده، بمعجزات تفوق الوصف، ونحن قد استقبلنا زمن خلاصه بفرح عظيم، وهو الزمن الذي أشار إليه بولس الحكيم قائلاً: "هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن يوم خلاص"، وأخيرًا، إنّه هو الذي يكرز بسَنَةِ الربّ المقبولة، تلك التي فيها جاء المخلّص كارزًا، فإنّي أظنّ أنّ المقصود بالسنة المقبولة هو مجيئه الأوّل، أمّا يوم العودة فمقصود به يوم الدينونة.