كواليس اللحظات الأخيرة لغرق درنة الليبية.. أصوات انفجارات وجدران المياه تمحي المدينة
بعد هدوء العاصفة دانيال التي ضربت ليبيا ودمرت مدينة درنة مطلع الأسبوع الحالي، بدأت المياه تلفظ جثامين الضحايا وتنشرها في الشوارع، حيث اكتشف عمال الطوارئ أكثر من 1500 جثة في أنقاض مدينة درنة بشرق ليبيا أمس الثلاثاء بعد أن انهارت السدود.
ويخشى الليبيون أن يتجاوز عدد القتلى 5 آلاف شخص بعد أن حطمت مياه الفيضانات السدود وجرفت أحياء بأكملها في المدينة، ووقع الدمار في درنة وأجزاء أخرى من شرق ليبيا مساء الأحد، وبينما ضربت العاصفة الساحل، كشف سكان درنة عن اللحظات الأخيرة قبل غرق المدينة، حيث سمعوا أصوات انفجارات مدوية وأدركوا أن السدود خارج المدينة انهارت، لتندلع فيضانات مفاجئة في وادي درنة، وهو نهر يمتد من الجبال عبر المدينة إلى البحر.
الفوضى وضعف البنية التحتية وراء تفاقم الوضع في ليبيا
وأكدت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، أن الموت والدمار المذهلان اللذان أحدثتهما عاصفة البحر الأبيض المتوسط "دانيال" تشيران إلى شدة العاصفة، ولكن أيضًا إلى ضعف البنية التحتية التي تسببت فيها الانقسامات والخلافات السياسية الكبرى، حيث تنقسم البلاد بين حكومتين متنافستين، واحدة في الشرق والأخرى في الغرب، وكانت النتيجة إهمال البنية التحتية في العديد من المناطق.
وتابعت أن المساعدة الخارجية بدأت للتو في الوصول إلى درنة أمس الثلاثاء، بعد أكثر من 36 ساعة من وقوع الكارثة، وألحقت الفيضانات أضرارا جسيمة، حيث ابتلعت المياه معظم أحياء وطرق مدينة درنة الساحلية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 89 ألف نسمة.
وأظهرت لقطات مصورة عشرات الجثث مغطاة بالبطانيات في ساحة أحد المستشفيات، وأظهرت صورة أخرى مقبرة جماعية مكدسة بالجثث، وقال وزير الصحة في شرق ليبيا، إنه تم انتشال أكثر من 1500 جثة، وجرى دفن نصفها حتى مساء الثلاثاء.
وقدر مسؤول ليبي، عدد القتلى بأكثر من 5 آلاف شخص، ونقلت وكالة الأنباء الحكومية عن محمد أبو لموشة، المتحدث باسم وزارة الداخلية في شرق ليبيا، قوله إن أكثر من 5300 شخص لقوا حتفهم في درنة وحدها، وقالت هيئة الإسعاف في درنة في وقت سابق، إن 2300 شخص لقوا حتفهم.
لكن تامر رمضان، مبعوث الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر إلى ليبيا، قال إن من المرجح أن يكون عدد الضحايا أكبر. وقال في إفادة للأمم المتحدة في جنيف عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من تونس، إن ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص ما زالوا في عداد المفقودين، وقال في وقت لاحق إن أكثر من 40 ألف شخص نزحوا.
وتابع رمضان، أن الوضع في ليبيا "مدمر مثل الوضع في المغرب"، في إشارة إلى الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة مراكش مساء الجمعة.
شهادات صادمة
وقال أحمد عبد الله أحد السكان، إن جدار المياه "محى كل شيء في طريقه".
وأظهرت مقاطع فيديو نشرها السكان على الإنترنت مساحات كبيرة من الطين والحطام حيث جرفت المياه الهائجة الأحياء على ضفتي النهر، وانهارت المباني السكنية متعددة الطوابق التي كانت في السابق بعيدة عن النهر، وتمزقت واجهات مبان أخرى وانهارت الأرضيات الخرسانية، وتركت السيارات التي رفعها الفيضان ملقاة فوق بعضها البعض.
وقال المركز الوطني للأرصاد الجوية في ليبيا، إنه أصدر تحذيرات مبكرة بشأن العاصفة دانيال، وهي "حدث مناخي متطرف"، قبل 72 ساعة من حدوثها، وأخطر جميع السلطات الحكومية عبر رسائل البريد الإلكتروني وعبر وسائل الإعلام “يحثها على اتخاذ إجراءات وقائية”"، وقالت إن البيضاء سجلت رقما قياسيا بلغ 414.1 ملم (16.3 بوصة) من الأمطار من الأحد إلى الاثنين.
وأمس الثلاثاء، قام المستجيبون المحليون للطوارئ، بما في ذلك القوات والعاملون الحكوميون والمتطوعين والسكان، بالحفر بين الأنقاض بحثًا عن القتلى. كما استخدموا قوارب مطاطية لانتشال الجثث من الماء.
وقال وزير الصحة في الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان عثمان عبد الجليل، إنه يعتقد أن العديد من الجثث محاصرة تحت الأنقاض أو جرفتها الأمواج إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث ابتلع البحر الآلاف من جثامين الضحايا.
وتابع في تصريحات لوكالة "أسوشيتيد برس" الأمريكية: "لقد أذهلنا حجم الدمار... المأساة كبيرة للغاية، وتتجاوز قدرة درنة والحكومة".
كما وصلت فرق الهلال الأحمر من أجزاء أخرى من ليبيا إلى درنة صباح أمس الثلاثاء، لكن الحفارات والمعدات الأخرى الإضافية لم تصل إلى هناك بعد.
سوء الصيانة أم الأمطار الغزيرة
وأكدت الصحيفة البريطانية، أنه غالبًا ما تحدث الفيضانات في ليبيا خلال موسم الأمطار، ولكن نادرًا ما يحدث هذا القدر من الدمار، وكان السؤال الرئيسي هو كيف تمكنت الأمطار من اختراق السدين خارج درنة - سواء بسبب سوء الصيانة أو الكم الهائل من الأمطار.
وقال كارستن هوستين، عالم المناخ والأرصاد الجوية بجامعة لايبزيج، في بيان له، إن دانييل ألقى 440 ملم (15.7 بوصة) من الأمطار على شرق ليبيا في وقت قصير.
وتابع: "ربما لم تتمكن البنية التحتية من الصمود، ما أدى إلى انهيار السد"، مضيفًا أن الارتفاعات الناجمة عن النشاط البشري في درجات حرارة سطح الماء من المحتمل أن تزيد من شدة العاصفة.
وأوضحت الصحيفة، أن الانقسامات لعبت دورا كبيرا في انهيار درنة، حيث كانت تحت سيطرة الجماعات المتطرفة لسنوات، ولم يسيطر عليها القائد العسكري خليفة حفتر إلا في عام 2019، بعد شهور طويلة من القتال العنيف وبسبب الانقسامات والخلافات لم تسنح الفرصة للجيش الليبي لإصلاح السدود، حيث سعى الجيش لحماية سكان المدينة من الهجمات والحروب الأهلية.