مشاهد مُفزعة.. إعصار دانيال يخلف أضرارًا جسيمة فى ليبيا ويحصد الأرواح
في مشهدٍ مهيب، انقلبت السماء إلى لون رمادي داكن، وانهمرت الأمطار بغزارة، وهبت الرياح بشراسة، وضجت الرعود بقوة، حين وصل إعصار دانيال إلى ليبيا، محملًا بالدمار والخراب في عدد من قرى ومدن الأراضي الليبية.
في غضون دقائق، تحولت الشوارع إلى أنهار جارفة، تجرف كل شيء في طريقها من سيارات وأشجار وأسلاك كهربائية، الناس يصرخون ويهربون من منازلهم، بحثًا عن ملاذ آمن، الأطفال يبكون ويتشبثون بآبائهم وأمهاتهم، الكلاب تنبح وتحاول الفرار من الماء العالي، الجدران تنهار والزجاج يتطاير والأبواب تتحطم.
في بعض المناطق، يصل الماء إلى مستوى السقف، مغمرًا المنازل بالكامل، الناس يحاولون الخروج من النوافذ أو السطح، أو يستخدمون أي شيء يطفو كقارب، منهم من يسقط في الماء، ولا يستطيع الصعود مرة أخرى، ومنهم أيضًا من يتعلق بالحبال أو الأثاث أو الأجسام الثابتة، في محاولة للبقاء على قيد الحياة أثناء مواجهة التيارات المتلاطمة.
في بعض المناطق، يضرب الإعصار بقسوة، مثيرًا عواصف رملية وغبارية، الرؤية تصبح شبه معدومة، والتنفس يصبح صعبًا، الريح تقتلع الأسطح واللافتات والأعمدة، ملقية بها في كل اتجاه، الصوت يصبح مزعجًا ومخيفًا، كأنه صفير قطار.
في كل مكان، تظهر مشاهد من الفزع والذعر والحزن، لكن في نفس الوقت، تظهر مشاهد من التضامن والشجاعة والأمل، فالإغاثة تصل من كل حدب وصوب، من قِبَلِ السلطات والجيش والإسعاف والإطفاء.
ظاهرة نادرة
وتعد هذه الظاهرة الجوية النادرة في المنطقة، والتي تسمى بـ"المدارس" أو "الأعاصير المتوسطية"، نتيجة لتكون منخفض جوي عميق في وسط البحر المتوسط؛ مما يؤدي إلى ارتفاع أمواج البحر وزيادة سرعة الرياح وهطول أمطار غزيرة.
وكان إعصار دانيال قد تشكل في منتصف البحر المتوسط يوم الجمعة الماضي، وتحرك باتجاه الشمال الشرقي، مؤثرًا على عدة دول أوروبية مثل اليونان وتركيا وبلغاريا، قبل أن يتجه نحو سواحل ليبيا يوم الأحد.
ووصلت سرعة الرياح في الإعصار إلى حوالي 70 كيلومترًا في الساعة، مع هبات تصل إلى 100 كيلومتر في الساعة، بالإضافة إلى أمطار رعدية شديدة.
وأدى هذا إلى حدوث فيضانات جارفة في عدة مناطق ليبية، خاصة في مدينة البيضاء وضواحيها، حيث غمرت المياه آلاف المنازل والسيارات والمحال التجارية، وانقطعت خطوط الكهرباء والاتصالات والماء، وانهارت بعض المباني والجسور، وأغلقت بعض الطرقات.
كما تسبب الإعصار في اقتلاع عدد كبير من الأشجار واللافتات والأسلاك الكهربائية، مما شكّل خطورة على حياة المواطنين، وأفادت بعض التقارير عن سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء هذه الكارثة.
حالة طوارئ
وأعلنت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا حالة الطوارئ في المناطق المتضررة، وأمرت بإجلاء المحاصرين في منازلهم، وإغاثة المنكوبين، وإصلاح الأضرار، كما استنفرت قوات الجيش الليبي في المنطقة الشرقية لتقديم المساندة للسلطات المدنية، ونقل المساعدات إلى المناطق المحتاجة.
وشاركت بعض المنظمات الإنسانية والمجتمع المدني في عمليات الإنقاذ والإغاثة، ودعت إلى التضامن مع المتضررين.
وحذر خبراء الأرصاد الجوية من استمرار تأثير إعصار دانيال على ليبيا حتى مساء اليوم الإثنين، متوقعين تحسن الأحوال الجوية تدريجيًا بعد ذلك، وناشدوا المواطنين باتخاذ الحيطة والحذر، وعدم الخروج من منازلهم إلا للضرورة، والابتعاد عن مجاري الأودية والبحر، والتقيد بالإرشادات الصادرة من الجهات المختصة.
مسئولية مجتمعية
المسئولية عن إغاثة ضحايا الإعصار في ليبيا الآن تقع على عاتق جميع الأطراف المعنية، سواء كانت حكومية أو مدنية أو دولية. فالإعصار دانيال هو كارثة طبيعية لا يمكن توقعها أو منعها، ولكن يمكن التخفيف من آثارها بالتعاون والتضامن والتنسيق بين جميع الجهات الفاعلة.
فمن جانبها، تحمل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا مسئولية كبيرة في تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية للمتضررين، وإصلاح البنية التحتية المتضررة، وإعادة الأمن والاستقرار إلى المناطق المنكوبة، كما تحمل قوات الجيش الليبي مسئولية حماية المواطنين والممتلكات من أي تهديدات أو مخاطر، وتأمين المسارات والطرقات لضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين.
من جانب آخر، يحمل المجتمع المدني في ليبيا مسئولية مشاركة في عمليات الإغاثة والإنقاذ، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين، وتوعية الجمهور بالإجراءات الوقائية والإرشادات الصحية للحد من انتشار الأمراض والأوبئة، كما تحمل المنظمات الإنسانية والجهات التطوعية مسئولية تقديم المساعدات الغذائية والصحية والمأوى للأشخاص الأكثر ضعفًا وحاجة.
وأخيرًا، يحمل المجتمع الدولي مسئولية التضامن مع ليبيا في هذه الظروف الصعبة، وتقديم المساندة المادية والفنية واللوجستية للجهود الإغاثية، وإرسال فرق خبراء وطبية للتعامل مع حالات الطوارئ، ودعم عودة التنمية والإصلاح في ليبيا.