مخاوف من أزمة غذاء عالمية.. "اتفاق الحبوب" رهن مزاج الدب الروسي
يحبس العالم الأنفاس خوفًا من أزمة غذاء واسعة بسبب استمرار الموقف الروسي من اتفاقية تصدير الحبوب، بعد انسحاب موسكو منها في يوليو الماضي، بسبب ما وصفه بأنه عدم وفاء الغرب ببنود الاتفاق المتعلقة بالصادرات الروسية.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أنه لن يقبل إحياء اتفاق الحبوب في البحر الأسود مرة أخرى والسماح لأوكرانيا بتصدير ملايين الأطنان من المنتجات الزراعية إلى الدول المستوردة للغذاء إلا إذا وافقت الدول الغربية على تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا، حيث دعا قادة العالم روسيا للموافقة على إتمام اتفاق الحبوب مرة أخرى وإنقاذ العالم النامي من المجاعة.
وفي حديثه بعد محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منتجع سوتشي الروسي، قال بوتين إن الاتفاق الذي توسطت فيه الأمم المتحدة يمكن استئنافه "في الأيام المقبلة"، بشرط إسقاط القيود المفروضة على الصادرات الزراعية الروسية.
وفي الوقت نفسه، قال أردوغان إنه لا يوجد بديل للاتفاق الذي انتهى الآن، وقال إنه قدم مقترحات لإعادته، بينما أصر أيضًا على أن أنقرة مستعدة للتوسط بين الجانبين في الحرب في أوكرانيا.
رفع العقوبات
وقال المحلل السياسي التركي إسلام أوزكان، إن إعلان بوتين أنه لن يجدد الاتفاق خلال لقائه أردوغان ليس موقفا جديدا. لفترة طويلة، كان بوتين يقول بالفعل إنه لن يجدد اتفاق الحبوب إذا لم ترفع الدول الغربية العقوبات. ويبدو من غير المرجح أن يجدد بوتين الاتفاق في ظل الظروف الحالية.
وأضاف أوزكان في تصريحات أدلى بها إلى "الدستور"، أن بوتين يشير إلى أنه رغم الاتفاق على إعفاء المنتجات الزراعية الروسية وصادراتها من الحبوب والأسمدة من العقوبات بموجب اتفاق الحبوب، إلا أن ذلك لم يحدث، ويقول "لقد خدعنا الغرب". وهذا يدل على أنه لن يكون هناك أي تغيير في موقف بوتين طالما استمرت الدول الغربية في فرض العقوبات.
وشدد على أن إعادة تفعيل صفقة الحبوب مرتبطة بشكل وثيق بتقديم الدول الغربية بعض التنازلات، ولو جزئية، لروسيا فيما يتعلق بالعقوبات. وأخيرا تقول روسيا إنها ستنضم مرة أخرى إلى الاتفاق إذا تم استيفاء شروطها.
وتابع أوزكان بقوله: لقد نجح أردوغان في إقناع الأطراف في اتفاق الحبوب الأول، لكنه لم يتمكن من إظهار نفس النجاح في اجتماع أمس، ولم يتمكن من إقناع بوتين. وكان سبب نجاحه في الاتفاقية الأولى هو الظروف الدولية الملائمة. ومع ذلك، الأمور مختلفة الآن. وهذا يدل على أن الأمر يتعلق بالظرف الدولي والمصالح الوطنية بما يفوق قدرة أردوغان الشخصية على الإقناع. وعلى الرغم من أن بوتين يتمتع بعلاقات جيدة مع أردوغان، إلا أن ذلك يظهر أن العلاقات الجيدة ليست فعالة للغاية عندما يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية.
وأشار إلى أن قبول الدول الغربية لمطالب روسيا من عدمه يرتبط ارتباطا وثيقا بعواقب إلغاء اتفاق الحبوب وضغط هذه النتائج على الدول الغربية. إذا كان تجديد صفقة الحبوب سيؤدي إلى إجهاد الدول الغربية اقتصاديا، فيبدو أن الأمر يرتبط ارتباطا وثيقا بما إذا كانت هذه الدول ستؤثر بشكل جذري على القدرة الشرائية لمواطنيها للمواد الغذائية خاصة الخبز والمعجنات.
مقاربة جديدة
ويرى الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن التحركات التركية في هذا الملف تعتمد على محاولة تحقيق مقاربة جديدة بين الموقفين الروسي والغربي، خصوصا أن المشروطية لأربعة عناصر طرحها بوتين من قبل، بدأت تلين، والأتراك يتحركون في مساحات متعددة بهذا الإطار، وهذا الأمر سيتم لكن بمقايضة في منتصف الطريق.
وقال فهمي لـ"الدستور"، إن الأتراك يتحركون بمهارة كبيرة وبجهد مباشر في هذا السياق، سيناريوهين لا ثالث لهما، عبر اختراق في الموقف، وأن يتقبل الرئيس بوتين هذا الأمر، ومن الواضح أن هذا سيحدث لكنها مسألة وقت في ظل ضغوط الجانب التركي مدعوما بموقف الأمم المتحدة، مع مراعاة الرؤية الروسية حول منظومة العقوبات والإجراءات الخاصة بالصرف.
وأضاف أن الدول الغربية ليست على موقف واحد، فهناك انقسام بين مؤيد ومعارض لتقديم بعض التنازلات، وليس لديهم خيارات كثيرة في هذه المسألة، وبوتين يتحرك من منطلق معرفته بهذا الأمر، ويستثمر في هذه التباينات الكبرى في هذا الملف، ويتعامل معها بذكاء شديد. وفي النهاية الدور التركي جيد ومهم ومطروح ويبحث عن تحقيق إنجاز حقيقي وهو يدرك أنها مسألة وقت لا أكثر.
عدم الوفاء
من ناحيته، قال الدكتور أشرف كمال، مدير المركز المصري الروسي للدراسات، إن الرئيس بوتين ومن قبل زيارة أردوغان، أعلن الانسحاب لأسباب تتعلق بعدم الوفاء بالمطالب الروسية عند إبرام الاتفاق، وفوجئ بزيادة القيود على الصادرات الروسية وغيرها من المطالب الأخرى السياسية والاقتصادية، واحتمالات العودة تتعلق بتنفيذ شروط موسكو، وهو ما أكده الرئيس الروسي في مؤتمره الصحفي مع أردوغان.
وأضاف كمال لـ"الدستور"، أن الرئيس التركي فشل في إقناع بوتين في العودة إلى صفقة الحبوب، فيما نجح الأخير في إقناع أردوغان بأن السبب الرئيسي في انسحاب موسكو من الاتفاقية هو التعنت الغربي في تنفيذ جانب الغرب وأوكرانيا من الاتفاق.
وتابع بقوله: اللافت فيما قاله بوتين، وموافقة الرئيس التركي، أن روسيا على استعداد لتصدير مليون طن من القمح إلى تركيا لإرسالها للدول الإفريقية الأشد فقرا، وهي خطوة أو اتفاق آخر على هامش محاولات استعادة صفقة الحبوب.
وأوضح الخبير في الشأن الروسي، أن رفع القيود الاقتصادية وقبول الغرب بشروط بوتين عملية ربما تكون غير مريحة للغرب، وما تم الاتفاق عليه من مطالب الجانب الروسي لم يتم احترامها، وعلى المجتمع الدولي البحث عن سبيل آخر لمحاولة تسهيل إمدادات الغذاء العالمية.
وشدد على أن تمسك الغرب بصفقة الحبوب بهدف مساعدة أوكرانيا غريب، فنصيب الأخيرة من المساهمة في صادرات الغذاء في العالم ضئيل جدا مقارنة بما تملكه روسيا أو دول أخرى، وبالتالي بوتين ألمح أو ربما قالها بشكل صريح، أن ممر الغذاء يستخدم للحصول على أسلحة لاستمرار العمليات العسكرية، وهو ما يثير الشكوك في الغرب ونواياه، ويصعب مسألة عودة الاتفاق للسريان من جديد.