كيف أثرت هذه القراءات فى تغيير مسار عبد القادر المازنى الأدبى؟
المازني، أو إبراهيم عبد القادر المازني، والمولود في مثل هذا اليوم من العام 1889، يعد واحدا من أبرز أعلام الأدب المصري والعربي في النصف الأول من القرن العشرين.
قدم المازني إلي المكتبة العربية العديد من المؤلفات والتي تباينت بين النثر والشعر، ومن أبرز مؤلفاته: إيراهيم الثاني، إبراهيم الكاتب، أحاديث المازني، الديوان في الأدب والنقد بمشاركة العقاد، ثلاثة رجال وامرأة، حصاد الهشيم، ديوان المازني، رحلة إلي الحجاز، سبيل الحياة، صندوق الدنيا، ع الماشي، عود علي بدء، غريزة المرأة، قبض الريح وغير ذلك.
يذكر الناقد والمؤرخ الأدبي دكتور شوقي ضيف، في كتابه “الأدب العربي المعاصر في مصر”، أن المازني، التحق بمدرسة الطب ولكنه ما كاد يدخل غرفة التشريح حتي أصابه غثيان شديد، فانصرف عن الطب إلي مدرسة المعلمين، رغم رغبته في دراسة الحقوق، إلا أنه لم يستطع لضيق ذات اليد، فأكمل دراسته بمدرسة المعلمين.
وفي مدرسة المعلمين بدأت ملامح المازني في التبلور والوضوح، فأقبل علي قراءة الأدب القديم، يقرأ في كتابات الجاحظ، وفي كتاب الأغاني، وفي الكامل للمبرد، والأمالي لـ أبي علي القالي وغير ذلك من عيون النثر العربي القديم، كما أخذ يقرأ في الشريف الرضي ومهيار وابن الرومي والمتنبي وأضرابهم من الشعراء البارعين.
ــ كيف أثرت هذه القراءات في تغيير مسار المازني
ويلفت “ضيف” إلي أن عبد القادر المازني وخلال دراسته بمدرسة المعلمين والتي كانت تهتم باللغة الإنجليزية وآدايها، أقبل المازني علي هذه الآداب لا فيما يصرف إليه من كتب فحسب، بل أيضا في عيونها عند شعرائها، مثل شيللي، وشكسبير وبايرون، وكتابها مثل والتر سكوت وديكنز. كما اتجه إلي مؤلفات النقاد الإنجليز الممتازين مثل هازليت وأرنولد وسانتسبري.
ويقرأ عبد القادر المازني وتتسع قراءاته، وينفتح أمامه العالم الغربي عن طريق إتقانه للإنجليزية، فلا يقف عند ما يقرؤه في الأدب الإنجليزي، بل يقرأ كل ما استطاع في الآداب الغربية المختلفة، فيقرأ لـ تورجينييف، وهانزيياشيف الروسيين، ويترجم للأخير قصة “سانين” باسم "ابن الطبيعة. كما يقرأ المازني لـ مارك توين الأمريكي ولغير هؤلاء جميعا ممن يطبع آدابهم بطوابع السخرية.
ويشدد شوقي ضيف علي أن هذه القراءات أحدثت أثرها العميق في نفس عبد القادر المازني، فإذا هو ينقلب من شاعر وجداني تطفح نفسه بالمرارة والألم إلي كاتب من طراز ساخر يستخف بالحياة وبكل من فيها وما فيها من أشخاص وأشياء وأماني وآلام.
ونراه في هذه المرحلة الجديدة يبدأ بمهاجمة "المنفلوطي" وأسلوبه الإنشائي الفارغ من الفكر العميق ومن الثقافة، وذلك في كتاب “الديوان” الذي أخرجه مع العقاد، كما يهاجم شكري في شعره الجديد، وربما كان ذلك دليلا علي أنه استوي شخصا آخر غير الشاعر القديم الذي كان يدعو دعوة حارة لمحاولة التجديد في الشعر. إنه لم يعد بهذه المحاولة ولا بصاحبها شكري، وإنه يحاول الآن محاولة جديدة. ولكن ليست في الشعر، وإنما في النثر، وفي توسيع جنباته، بحيث تسمح بإدخال الأفكار الغربية التي لم يكن يعرفها هذا النثر من قبل. واتخذ المقالة الصحفية طريقه إلي ذلك، وحملها كل ما أراد من فكر جديد، ومن سخرية مرة تارة، ومن ظرف وخفة روح تارة أخري.