من القاهرة.. "هنا الخرطوم"
مكاسب قمة جوار السودان.. حفظ السيادة ووقف التدخلات الخارجية وتحمل العالم مسئولية النازحين
- مصر طرحت الرؤية العملية الأقرب للتنفيذ لبدء إخراج السودان من أزمته.
- القمة قد أصبحت بديلا واقعيا وفعليا عن أي مبادرات أخرى ترفضها أطراف سودانية أو تعمل لصالح أطراف داخلية أو خارجية بعينها.
- الرؤية المصرية لحل الأزمة السودانية تبنت وحملت بوضوح مطالب القطاعات العريضة من الشعب السوداني.
- تأكيد دول الجوار على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر يحفز القوى السودانية لإنهاء الأزمة الحالية.
- القمة رفضت أي مقترحات سابقة تفضي إلى التدخل العسكري في السودان
"من القاهرة.. هنا الخرطوم"، شعار ترفعه مصر دوما تجاه الشقيقة والجارة اللصيقة السودان، ففي كل أزمات وملمات أشقائنا في الخرطوم وكل المدن السودانية، تمد المحروسة يد العون بأقصى وبكل ما تستطيع لمساندة السودان وأهله ودعمهم وإقالتهم من عثراتهم.
اليوم كانت القاهرة على موعد جديد لأحد حلقات داعمها الواجب والمستمر للسودان وأهله بانعقاد قمة دول جوار السودان في قصر الاتحادية في القاهرة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليلتئم شمل دول جوار السودان في العاصمة المصرية دعما للخرطوم وبحثا عن أفضل الطرق التي تدعم أهله وتنهي الأزمة السياسية والعسكرية المستمرة طوال 3 أشهر منذ 14 أبريل الماضي، بمشاركة إفريقيا الوسطي، وتشاد، وإريتريا، وإثيوبيا، وليبيا، وجنوب السودان، والاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية.
القمة التي دعت مصر لها جاءت بهدف الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها في السودان، وحقن دماء الأشقاء السودانيين، كما تبحث سبل النزاع وتداعياته السلبية على البلدان المجاورة للسودان، والتوصل لحلول من إنهاء الصراع العسكري الدامي بين الأطراف المتحاربة في السودان، بما يشمل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وأي حركة أو جهة انخرطت في أي أعمال عسكرية خلال الفترة الماضية.
شكلت القمة اليوم بالحضور الرفيع لوفود دول الجوار، مرحلة جديدة في محاولات حل أزمة السودان السياسية والعسكرية، لتضيف القمة مخرجاتها إلى الجهود التي تم التوصل إليها قبلها من محاولات جادة، ولتجب محاولات أخرى شابها العمل لصالح السودان ظاهرا، فيما حمل باطنها الخراب والتشتيت والانهيار للدولة السودانية وفتح باب التدخل الخارجي ، والدعوة لدخول قوات عسكرية بل وفرض مناطق حظر جوي ليقع السودان في كارثة لا يعلم مداها إلا لله بدلا من حل الأزمة الحالية.
- الرؤية المصرية لحل الأزمة السودانية
طرح الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمته في افتتاح القمة، التصور والرؤية المصرية لحل الأزمة في السودان الشقيق، من خلال محاور وبنود واضحة وعملية يمكن تنفيذها والعمل عليها بل وتطويرها بحسب مقتضى الحال، تمثلت في التالي:
أولاً: مطالبة الأطراف المتحاربة بوقف التصعيد، والبدء دون إبطاء في مفاوضات جادة تهدف للتوصل لوقف فوري ومستدام لإطلاق النار.
ثانياً: مطالبة كافة الأطراف السودانية بتسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية، وإقامة ممرات آمنة، لتوصيل تلك المساعدات للمناطق الأكثر احتياجاً داخل السودان، ووضع آليات تكفل توفير الحماية اللازمة لقوافل المساعدات الإنسانية ولموظفي الإغاثة الدولية، لتمكينهم من أداء عملهم.
ثالثاً: إطلاق حوار جامع للأطراف السودانية بمشاركة القوى السياسية والمدنية وممثلي المرأة والشباب، يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار والديمقراطية.
رابعاً: تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر، لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية، على أن تضطلع الآلية بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة، والتنسيق مع الآليات والأطر القائمة.
الرؤية المصرية التي طرحها الرئيس السيسي كانت شاملة ووافية، شملت كافة الأطراف والفئات ولم تستثن أحدا، حملت بوضوح مطالب القطاعات العريضة من الشعب السوداني الشقيق، والتي كان أبرزها وقف القتال، وإقامة ممرات آمنة، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والاحتياجات الغذائية والطبية لأبناء السودان في الداخل بعد معاناة تخطت 3 أشهر.
كما أن الرؤية المصرية حذرت بشكل غير مباشر من أنه لا يمكن حل الأزمة بإقصاء أي طرف، وأن عودة السودان لوضعه الطبيعي تستلزم تكاتف كل الأطراف للجلوس ووضع إطار جديد لعملية سياسية تستوعب الجميع وتلبي طموحات مختلف فئات الشعب السوداني.
- البيان الختامي يتبنى أبرز محاور الرؤية المصرية
عقب عقد الجلسة المغلقة التي ضمت الوفود الرسمية للدول والجهات المشاركة، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى البيان الختامي لقمة دول جوار السودان، والتي عقدت بقصر الاتحادية فى القاهرة، مؤكدا ضرورة الحل السياسي لأزمة السودان، وجاءت بنوده على النحو التالي:
- 1. الإعراب عن القلق العميق إزاء استمرار العمليات العسكرية والتدهور الحاد للوضع الأمني والإنساني في السودان، ومناشدة الأطراف المتحاربة لوقف التصعيد والالتزام بالوقف الفوري والمستدام لإطلاق النار لإنهاء الحرب، وتجنب إزهاق أرواح المدنيين الأبرياء من أبناء الشعب السوداني وإتلاف الممتلكات.
2. التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأنًا داخليًا، والتشديد على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة بما يعوق جهود احتوائها ويطيل من أمدها.
3. التأكيد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها أو تشرذمها وانتشار عوامل الفوضى بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات بالغة الخطورة على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة ككل.
4. أهمية التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل يأخذ في الاعتبار أن استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار، الأمر الذي سيمثل ضغطًا إضافيًا على مواردها يتجاوز قدرتها على الاستيعاب، وهو ما يقتضي ضرورة تحمل المجتمع الدولي والدول المانحة لمسئوليتهما في تخصيص مبالغ مناسبة من التعهدات التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الإغاثي لدعم السودان، والذي عقد يوم 19 يونيو 2023 بحضور دول الجوار.
5. الإعراب عن القلق البالغ إزاء تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، وإدانة الاعتداءات المتكررة على المدنيين والمرافق الصحية والخدمية، ومناشدة كافة أطراف المجتمع الدولي لبذل قصارى الجهد لتوفير المساعدات الإغاثية العاجلة لمعالجة النقص الحاد في الأغذية والأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية، بما يخفف من وطأة التداعيات الخطيرة للأزمة على المدنيين الأبرياء.
6. الاتفاق على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار، وذلك بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، وتشجيع العبور الآمن للمساعدات لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجًا داخل السودان، ودعوة مختلف الأطراف السودانية لتوفير الحماية اللازمة لموظفي الإغاثة الدولية.
7. التأكيد على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار.
8. الاتفاق على تشكيل آليه وزارية بشأن الأزمة السودانية على مستوى وزراء خارجية دول الجوار، تعقد اجتماعها الأول في جمهورية تشاد، لاتخاذ ما يلي:
▪ وضع خطة عمل تنفيذية تتضمن وضع حلول عملية وقابلة للتنفيذ لوقف الاقتتال والتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية عبر التواصل المباشر مع الأطراف السودانية المختلفة، في تكاملية مع الآليات القائمة، بما فيها الايجاد والاتحاد الأفريقي.
▪ تكليف آلية الاتصال ببحث الإجراءات التنفيذية المطلوبة لمعالجة تداعيات الأزمة السودانية على مستقبل استقرار السودان ووحدته وسلامة أراضيه، والحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنعها من الانهيار، ووضع الضمانات التي تكفل الحد من الآثار السلبية للأزمة على دول الجوار، ودراسة آلية إيصال المساعدات الإنسانية والاغاثية إلى الشعب السوداني.
▪ تعرض الآلية نتائج اجتماعاتها وما توصلت إليه من توصيات على القمة القادمة لدول جوار السودان.
- المكاسب التي حملتها القاهرة للخرطوم من قمة دول الجوار
تمكنت القاهرة من حصد مجموعة من المكاسب للخرطوم من خلال القمة، فبعد الحضور الرفيع لقادة ووفود دول جوار السودان التي تضررت أكثر من غيرها بالأزمة المندلعة هناك منذ عدة أشهر، واتفاقهم على خطوات واضحة، تكون القمة قد أصبحت بديلا واقعيا وفعليا عن أي مبادرات أخرى ترفضها أطراف سودانية، أو ربما يكون أغراض أخرى بخلاف العمل على حل الأزمة بطرحها آليات أو حلول غير مقبولة وغير منطقية قد تزيد من اشتعال الأمة وتشعبها بدلا من حلها، والتي كان منها مقترحات دول قد تفضي إلى التدخل العسكري في السودان بنشر قوات عسكرية لحفظ السلام في الخرطوم والحديث عن مناطق منزوعة السلاح ، ومناطق حظر جوي.
لذا جاء البيان الختامي في ثاني بنوده ليؤكد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية، والتعامل مع النزاع على أنه شأن داخلي، وعدم تدخل أطراف خارجية في الأزمة، وهو ما يحقق أول أهداف مصر بحصر الأزمة في الداخل السوداني وعدم العمل على تدويلها وتعدد المسارات والأطراف المتداخلة فيها.
تمكنت مصر أيضا في البيان الختامي للقمة من توافق دول الجوار على الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها وعدم ومنع تفككها أوتشرذمها، ليكون التوافق من دول الجوار بمثابة الضمانة لأن أي جهة أو طرف يحاول طرح نفسه بديلا عن مؤسسات الدولة السودانية بالقوة أو بدعم من أطراف خارجية لن يعتد به ولا تعترف به دول الجوار وهو ما ينقلنا إلى المكسب التالي.
فقد جاء المكسب الثالث للقمة بهدف أن يظل السودان موحدا بالتأكيد على وحدة وسلامة أراضيه وهو ما يعني أن محاولات أي أطراف داخلية أو خارجية لإيجاد عوامل تزعزع من استقرار السودان أو تحاول استغلال الأزمة بمطالب انفصالية لن يتم الاعتراف بها، ولن تكون مجال مساومة أو تفاوض أو قبول من دول الجوار.
كما تمكنت القاهرة من حصد مكسب جديد للسودان، يهدف إلى دعم الشعب السوداني وخصوصا النازحين وتحمل دول العالم مسؤولياتها تجاه هذه النقطة، حيث أكد البيان الختامي على أهمية التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل يأخذ في الاعتبار أن استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار، الأمر الذي سيمثل ضغطًا إضافيًا على مواردها يتجاوز قدرتها على الاستيعاب، وهو ما يقتضي ضرورة تحمل المجتمع الدولي والدول المانحة لمسئوليتهما في تخصيص مبالغ مناسبة من التعهدات التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الإغاثي لدعم السودان، والذي عقد يوم 19 يونيو 2023 بحضور دول الجوار.
المكسب الخامس الذي تمكنت القاهرة من حصده، هو تأكيد دول الجوار على أهمية الحل السياسي لوقف الصراع الدائر، وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية يهدف لبدء عملية سياسية شاملة تلبي طموحات وتطلعات الشعب السوداني، وهو ما يعطي دفعة وجرعة تحفيزية لكافة القوى السودانية من أجل إنهاء الأزمة الحالية واستبدال الجانب العسكري بالسياسي، والعودة للحوار وإلى أجواء ما قبل 14 أبريل لحل الأزمة بشكل سلمي بحافظ على السودان وأهله ومقدراته.