في ذكراه.. لهذا السبب اتجه عبد الوهاب المسيري إلى الماركسية
15 عامًا مرت على وفاة المفكر عبد الوهاب المسيري، الذي ولد في مدينة دمنهور 3 يوليو لعام 2008، لأسرة كانت تنتمي إلى ما يمكن تسميته "البورجوازية الكبيرة الريفية"، وهى بورجوازية كبيرة في دخلها وفي فرديتها، ولكنها كانت تعيش خارج خارج الإسكندرية والقاهرة، أي تعيش في الريف، لم تتأثر بعناصر التغريب التي كانت تضرب بأطنابها في البورجوازية الحضرية، ولذا ظلت هذه البرجوازية الريفية محتفظة بالقيم المصرية والعربية والإسلامية، ولم تبحث عن الجاه والأبهة.
ولعبد الوهاب المسيري تجربة مع الماركسية رواها بنفسه في مقال نشره بمجلة "الهلال" بعددها رقم 6 الصادر بتاريخ 1 يونيو لعام 1999، قائلا: في سن الخامسة عشرة، برغم أنني نشأت في مجتمع تقليدي زحف الشك إلى نفسي، وخلف في فراغا، فلم يعد من الممكن قبول الأطر القديمة، وكان لا بد أن يملأ هذا الفراغ العقائدي (أو الأيديولوجي)، وبما أنني كنت ثائرا ضد الظلم الاجتماعي كان من الحتمي تقريبا أن أتوجه للماركسية، وقد اعطاني صديقي سعيد البسيوني (أستاذي الحقيقي عبر حياتي) بعض الكتب عن هذا الموضوع، ثم فتحت المكتبات السوفيتية التي كانت تبيع الكتب السوفيتية (الماركسية) بأسعار رخيصة، فاشترينا الكثير منها، وبدأت أقرأ فيها بنهم، وكان اهتمامي بالماركسية فكريا في بداية الأمر إلى أن ألتقي بى أحد أعضاء "حدتو" وجندني عضوا في الحزب عام 1954، وفوجئت بتصعيدي في الحزب نظرا لمعرفتي باللغة الإنجليزية والمصادر الأولية للفكر الماركسي، وقد قمت بترجمة كتاب ماو تسى تونج عن التناقض عام 1957 (لعلها كانت أولى الترجمات إلى العربية).
وتابع: من الطريف أنني بموضوعية كاملة كنت أبين لهم في الحزب أنه يجب ألا أصعد بسبب خلفيتي البورجوازية ولا بد من اختباري والتأكد من "نقائي الأيديولوجي" ومع هذا، استمروا في تصعيدي ووجدتني مسئولا عن خلية، وعضوا في لجنة منطقة الرمل (على ما أذكر)، وقد انتهت تجربتي الماركسية حين اكتشفت الاتجاهات النيتشوية عند كثير من الماركسيين، وأن ما كانوا يسعون إليه هو نوع من أنواع تحقيق الذات وليس تحقيق العدالة الاجتماعية.
وأضاف: المهم في تجربتي "الماركسية" القصيرة أنها أتاحت لي فرصة التعرف على بعض النماذج الإنسانية عن قرب، كما أنني استوعبت بعض المقولات الماركسية مثل دور التاريخ واللحظة التاريخية في تحديد مواقف الأفراد وتوجيهاتهم، كما أن الماركسية دعمت من بعض الاتجاهات الكامنة في مثل رفض الظلم والاستغلال، والأكثر من هذا زودتني الماركسية بأرضية نقدية أقف عليها لأطل على بيئتي البورجوازية في مصر، ثم فيما بعد على بيئتي الأمريكية في الولايات المتحدة، فمن خلال الماركسية أمكنني الاحتفاظ بالبعد التقليدي وباستقلالي عما حولي وبمقدرتي على رؤيته في كليته، ومن ثم تجاوزه.