البطريرك يونان في رسالة عيد القيامة: نجدّد صلاتنا لإحلال السلام والأمان بالعالم
تحتفل الكنائس التي تتبع التقويم الغربي بعيد القيامة المجيد، صباح الأحد 9 أبريل 2023، بإقامه صلوات القداسات الإلهية، ويترأس البابا فرنسيس بابا الفاتيكان صلوات عيد القيامة المجيد بالفاتيكان.
ومن جهته وجّه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، رسالة عيد القيامة لعام 2023، بعنوان "إنّه حيّ"، تناول فيها الأوضاع العامّة في لبنان والشرق الأوسط والعالم، والحضور المسيحي فيها وجاء نص رسالته بعيد القيامة "انتصر المسيح على الخطيئة والموت بقيامته ظافراً بعد أيّامٍ ثلاثة، فحُقَّ لنا أن نحتفل معه بهذا العيد المجيد، إذ يستحقّ شعبنا المضطهَد والمعذَّب منذ فجر المسيحية في هذا الشرق، أن يرى النور المنبعث من القبر الفارغ مُشرقاً عليه، وينعم بحياةٍ كريمةٍ ومستقبلٍ مستقرٍّ وسلامي. فلا يزال أبناؤنا يعانون، ولا تزال أوطاننا ترزح تحت وطأة الخراب والدمار والعذابات، ما ينغّص فرحة العيد.
- الفاسدون والمُفسدون يُمعِنون في تعطيل عمل المؤسّسات السياسية والدستورية والإدارية
وتابع، إنّ لبنان يُعاني ما يعانيه على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية كافّةً، فضلاً عن انهيار العملة الوطنية، واستمرار تعدُّد أسعار صرف الليرة اللبنانية تجاه العملات الأجنبية، وحجز أموال المودعين في المصارف وسرقتها، وكل ذلك دون أن يرفّ جفنٌ لدى من يعنيهم الأمر من الذين ابتُلِيَ بهم الوطن واستلموا مواقع المسؤولية في الدولة. هؤلاء الفاسدون والمُفسدون يُمعِنون في تعطيل عمل المؤسّسات السياسية والدستورية والإدارية، ويهدمون آمال الشباب اللبناني بالبقاء في وطنهم، وبناء مستقبلهم فيه.
وواصل، إنّنا نشجب التقاعس المتعمَّد من قِبَل المسؤولين عامّةً، والنواب خاصّةً، الذين صمّوا آذانهم عن التجاوب مع ما يمليه عليهم الحسّ والضمير والكرامة الوطنية. عليهم أن يكفوّا عن المماحكات والمناورات، فينتخبوا فوراً رئيساً للجمهورية يكون الأجدر والأنزه، كي يُنقذ ما تبقّى من هذا الوطن الحبيب، وينتشله من كلّ ما يتخبّط به من أزماتٍ وكبواتٍ، ويعمل دون إبطاءٍ على تشكيل حكومةٍ وطنيةٍ تقوم بتنفيذ الإصلاحات الواجبة، ليعود لبنان إلى الخارطة الدولية، وإلى سابق عهده من التطوّر والازدهار، إلا أنّنا نرى أنّ المسؤولين في هذا البلد عازمون على عدم انتخاب رئيسٍ، كيلا تتمّ محاسبة الفاسدين وردعهم عن انتهاك حقوق اللبنانيين، وكي يبقى التفلّت سائداً في كلّ مرافق الدولة وأركانها التي بدأت تتهاوى الواحد تلو الآخر، بانتظار الارتطام الكبير الذي بات وشيكاً، إن لم يعُد المسؤولون ويرتدعوا.
وتابع وسوريا التي تعاني الأزمات والحروب منذ سنواتٍ، كيف لا نشعر ولا نتألّم بسبب الزلزال المروّع والهزّات الإرتدادية الذي أصابتها، لا سيّما في حلب والمناطق الشمالية الغربية! وخلال الزيارة الأبوية التفقّدية التي قمنا بها إلى حلب في شباط الماضي، عاينّا بعض نتائج هذه الكارثة، وما سبّبته من دمارٍ هائلٍ، ومن فقدان الأهل والأحباب، وخلّفته من جروحٍ نفسيةٍ وجسديةٍ، مع الخوف والقلق الشديدين، ومع هذه النكبة الطبيعية وما حملته من آلامٍ ومعاناةٍ، لمسنا صدق التضامن والتعاضد بين جميع المواطنين دون تفرقةٍ أو تمييز. ومع بارقة الأمل التي تلوح في الأفق مبشّرةً بانفتاح سوريا إقليمياً ودولياً، نسأل الله أن يحميها من الإرهاب والشرور، ويجمع المواطنين بمصالحةٍ صادقةٍ، كي يحقّقوا معاً الإعمار والسلام والاستقرار.
- نجدّد صلاتنا من أجل إحلال السلام والأمان في العالم
وأضاف، والأراضي المقدسة، حيث عدم الإقرار بحقوق الآخر لا يزال متجذّراً في نفوس البعض، ممّا يسبّب الخلافات والعداوات، نصلّي من أجلها كي تكون أرض سلامٍ ووئامٍ وأخوّةٍ، فتتلاقى القلوب في الله الواحد، وهو المحبّة والسلام ومصر والأردن وبلدان الخليج العربي، فإنّنا نثمّن الجهود المبذولة من الحكومات والمسؤولين فيها لتعزيز الازدهار ونشر الوئام والانسجام بين مختلف المكوّنات، ممّا ينشر فيها جوّاً من الألفة والمودّة والتسامح.
واختتم، إنّنا نجدّد صلاتنا من أجل إحلال السلام والأمان في العالم، وخاصّةً على نيّة إنهاء الحرب المدمِّرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تهدّد السلام والاستقرار العالميين، ومن أجل وضع حدٍّ لكلّ الحروب والأزمات في كلّ مكان كما نتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في بلدان الانتشار، في أوروبا والأمريكتين وأستراليا، ونحثّهم على متابعة الشهادة للرب يسوع والتعلّق بإيمانهم والتزامهم بكنيستهم وتراثهم السرياني ومبادئهم الأصيلة التي تربّوا عليها في بلادهم الأمّ في الشرق، إلى جانب محبّتهم وإخلاصهم للأوطان الجديدة التي احتضنَتْهم، فيبقى حضورنا مشعّاً وسط عالمنا المضطرب.
وإنّنا نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء، ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التام، ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوَزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله كي يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية".