طريقة أهل الخلوة.. طقوس «الشبراوية الخلوتية» في رمضان
تتناول «الدستور» خلال شهر رمضان المعظم طقوس الطرق الصوفية المنتشرة داخل مصر وحول العالم، ومن أبرزها الشبراوية الخلوتية التي أسست على يد الشيخ العارف بالله عمر الشبراوى، الذي ينتهي نسبة إلى سيدنا عمر بن الخطاب حسب المراجع التاريخية، إلا أنها حصلت على الاعتراف الرسمي من الطرق الصوفية عام 1950، وأصبحت طريقة رسمية تمارس طقوسها بكل حرية، ودشن مقرها بصلاح سالم.
الشبراوية الخلوتية.. ٣٠ يوماَ ذكراً وروحانية في رمضان
والشبراوية من الطرق الصوفية المعروفة والمشهورة في مصر، ففي داخل أحد المساجد العامرة بشارع «صلاح سالم» الشهير في القاهرة يوجد مجمع الطريقة الذى يحتوى على مسجد وساحة خاصة ومكتب الشيخ وأضرحة شيوخ الطريقة، وفى هذا المكان تقام حلقات الذكر خلال شهر رمضان وتمتد إلى ٣٠ يوما في الشهر الفضيل ، ومريدون يذوبون في ذكر الله عند ترديد قصائد أبوالحسن الشاذلي والبوصيري والخضر، وشيخ طريقة صاحب نسب يمتد إلى الفاروق عمر بن الخطاب، ومجموعة من الآداب والشروط الواجب على المريد الالتزام بها، مع شيخه وإخوانه في الطريقة والعامة، وصولًا إلى نفسه.
المشاهد السابقة تكوّن صورة شبه كاملة عن طريقة «الشبراوية الخلوتية» الصوفية، التي تمثل حالة فريدة بين الطرق الصوفية الأخرى، وتتسم بمجموعة من الأسرار الخاصة التي توضحها السطور القادمة.
وتقوم الشبراوية خلال شهر رمضان، بعمل ليالي وفعاليات دينية وإنشادية يشارك فيها أتباعها ومحبوها الذين يأتون من كل محافظات مصر لذلك يعتبر شهر رمضان بالنسبة لهم هو موسم صوفي روحاني، خاصة أن الجميع يكونون صائمين في هذا الشهر، الأمر الذي يجعلهم ينشغلون بذكر الله أكثر من أي وقت مضي.
"الشبراوية".. طريقة أهل الخلوة ومريدوها بالآلاف
شيخ الطريقة الحالى هو المهندس محمد عبد الخالق الشبراوى، تولى مقاليد الطريقة عام 1994 بقرار من المجلس الأعلى للصوفية، وتخرج فى كلية الفنون الجميلة بجامعة القاهرة «تخصص عمارة»، عيّنه والده نائبًا عامًا للطريقة بعدما «رأى فيه العلم والصلاح والالتزام بالكتاب والسنة وآداب الطريق وعلوم الشريعة والحقيقة»، ليتولى بعد وفاة الوالد منصب شيخ الطريقة الشبراوية الخلوتية.
"مريدي الشبراوية" محبة للشيخ وطاعة لله ورسوله
يؤكد أتباع طريقة «الشبراوية الخلوتية» أنها من الطرق التى سلكت مسلك «أهل الخلوة»- كما يظهر من اسمها- فهم وشيخها «فى خلوة دائمة مع الله»، وتجدهم دائمًا ما يذكرون الله ليلًا نهارًا، دون أى انقطاع، وذلك داخل مسجد «الشبراوى» الخاص بالطريقة فى شارع «صلاح سالم» بالقاهرة، حيث أن «جميع الطرق الصوفية لا بد لأتباعها من خلوة، لكن أتباع الخلوتية يكثرون الخلوة أكثر من غيرهم»، مشيرًا إلى وجود شروط وآداب لتلك الخلوة، التى لا بد من استئذان شيخها لدخولها، وتبدأ من يوم إلى ٤٠ يومًا يتجمع خلالها أتباع الطريقة وطرق صوفية أخرى فى مسجد «الشبراوى»، سالف الذكر، حيث يبدأون «خلوتهم الربانية» مع المولى عز وجل.
ويتجمع المارة فى كثير من الأوقات بمسجد الشبراوي للاستماع لقصائد الطريقة التى يرددها المنشدان أحمد الطنطاوى ومحمد نشأت، ليدخلوا فى حالة روحانية فريدة، يرددون خلالها الذكر، وهم يتمايلون يمينًا ويسارًا».
والمنهج الروحى للطريقة الشبراوية يقوم على مجموعة من المبادئ، من بينها: فهم الخطاب المحمدى، الذي لا يكون إلا بمعرفة اللسان العربى الملكوتى، ومنازلة الحقائق الإنسانية بالذلة والافتقار، فليس فى الوجود إلا الحي القيوم الواحد، والكل منه مصدره، وإليه مرجعه، وهو ما يعبّر عنه الصوفية بـ«فناء النفس».
ويصل عدد أتباع الطريقة فى مصر إلى نحو مليون مريد، بجانب ٢ مليون مريد خارج البلاد، فى ظل انتشارها فى دول شمال شرق آسيا والجزائر وليبيا، وغيرها من الدول».
«المنظومة البكرية» و«أحزاب الشاذلى»
داخل خلوة الشبراوى فى «صلاح سالم»، يقف المريدون فى دائرة مستديرة من الشباب والشيوخ، حيث يقف شيخ «الشبراوية» محمد عبدالخالق الشبراوى فى المنتصف، وما إن يشير بيده لبدء الحضرة إلا ويبدأ المئات من أتباع الطريقة فى الإنشاد الدينى الصوفى، وتحديدًا قصائد كبار المتصوفة أمثال جلال الدين الرومى وأبومدين الغوث وعبدالقادر الجيلانى، بجانب شيخهم «الشبراوى الكبير»، ودائمًا ما تشهد حضرات الصوفية بكاءً وحالات إغماء للمريدين أثناء الإنشاد، من فرط التأثر.
وتقول مراجع «الشبراوية» إن الحضرة الخاصة بالطريقة لها آداب وشروط، قبل الذكر وأثنائه وبعده، والتى تبدأ بـ«الفواتح» لشيخ الطريقة ومشايخ الطريق إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، ثم ترديد «ورد الاستغفار»، الذى يليه بالترتيب ما يعرف بـ«المنظومة البكرية»، التى تتضمن قول «لا إله إلا الله» جهرًا، ثم ذكر الله سرًا، يليه ترديد لفظ الجلالة جهرًا، ويكون الختام بالدعاء والاستماع إلى آيات من الذكر الحكيم.
ويكشف الدكتور عماد سلامة، أحد أتباع «الشبراوية»، عن أبرز «أوراد» الطريقة، فيقول إنها تضم «ورد الاستغفار» و«ورد السحر» و«الصلوات البكرية» و«المنظومة البكرية» (والأخيرة ذكر وتوسل بأسماء الله الحسنى) لسيدى مصطفى البكرى، و«ورد الستار» لسيدى يحيى الباكوبى، و«حزب البر» و«حزب البحر» و«حزب النصر» لسيدى أبوالحسن الشاذلى، و«المسبعات» لسيدنا الخضر، و«حزب الإمام النووى» و«ختم الصلوات» للإمام النووى، و«البردة» للإمام البوصيرى، بالإضافة لأوراد ما بعد الصلوات الخمس.
ويشير إلى أن الطريقة تقوم على آداب وسلوكيات وفلسفة، بعضها يتعلق بالمريد مع شيخه، والآخر بعلاقته مع إخوانه من باقى الأتباع، والثالث مع العامة، والأخير خاص بنفسه، موضحًا أن آداب المريد مع الشيخ هى: تعظيمه ظاهرًا وباطنًا، التسليم له وعدم انتقاده على نهى.
وتتضمن آداب المريد مع إخوانه: حبهم وحب ما يحب لنفسه لهم، وبدءهم بالسلام والمصافحة وتقبيل اليد وبشاشة الوجه، والسؤال عن غائبهم، وزيارة مريضهم وخدمته إذا احتاج ذلك والدعاء له عقب التهجدات والأوراد بالشفاء، ومع العامة: التواضع وبذل الطعام وإفشاء السلام والصدق معهم فى جميع الأحوال، ومع نفسه: دوام التوبة حتى من خواطر السوء، وإدمان الذكر على كل حال، واتخاذ مجلس منفرد لهذا الذكر، والانشغال بالله دائما، وفق «سلامة».
وفيما يتعلق بالسلوكيات فإن الشبراوية تشير إلي إنه ينبغى على المريد «الرقى فى مدارج السالكين للوصول إلى المقامات العلية، وذلك من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان إلى المتقين، إلى ما لا نهاية من مقامات العبودية»، أما فلسفة الطريقة فتلزم المريد بـ«تحرى الصدق ومواضع الكذب فى القول والعمل والغيبيات».