«أيام ساخنة».. مخاوف إسرائيلية من تصعيد غير مسبوق فى رمضان
فى الأعوام الأخيرة، توافق شهر رمضان المبارك مع عيد الفصح اليهودى والإعلان عن قيام الدولة العبرية، ما شكّل خلفية مناسبة لزيادة التوترات الأمنية، وزاد من التحديات على كل الجبهات، سواء فى القدس الشرقية أو الضفة الغربية أو قطاع غزة، وحتى فى المجتمع العربى داخل إسرائيل.
ومنذ انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، التى سميت بـ«حارس الأسوار»، قبل عامين، والأجواء فى الضفة الغربية وشرقى القدس آخذة فى السخونة بالتدريج، ومنذ مارس ٢٠٢٢ بدأ الارتفاع الواضح فى أعداد العمليات الفلسطينية، سواء فى الضفة أو القدس أو تل أبيب نفسها، والتى كان آخرها هجوم شارع ديزنجوف قبل أسبوعين، ما ينذر بأيام ساخنة، يحاول الإسرائيليون تخفيف حدتها بعدد من الإجراءات، التى تزداد وتيرتها مع قرب حلول رمضان، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
جهود أمريكية وتنسيق مع السلطة الفلسطينية لتخفيف التوتر وسط تحذيرات من تفاقم الأوضاع
قالت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية «كان» إن الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو، والسلطة الفلسطينية، بقيادة الرئيس محمود عباس أبومازن، ستعقدان اجتماعات قمة خلال الأيام المقبلة بهدف التوصل إلى اتفاقات لتخفيف التوترات قبل حلول شهر رمضان المبارك.
ووفقًا لـ«كان»، فإنه من المنتظر عقد الاجتماع، الذى تم الاتفاق عليه بفضل الجهود الأمريكية، فى مدينة شرم الشيخ المصرية، استكمالًا لقمة العقبة، التى انعقدت قبل أسبوعين، لمنع حدوث تصعيد إضافى عشية رمضان وعيد الفصح اليهودى.
يأتى ذلك فى ظل مؤشرات تؤكد أنه كلما ازدادت وتيرة الحوادث الأمنية والعملياتية كان وقوع هجمات جديدة هو مسألة وقت، وهو ما ينذر بتوتر الأوضاع خلال رمضان، خاصة بعد العمليتين الأخيرتين فى القدس قبل أسبوعين، وهجوم شارع ديزنجوف، الذى أسفر عن مقتل سبعة إسرائيليين وإصابة خمسة آخرين.
ووفقًا للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإن الأوضاع تؤكد استمرار التصعيد فى الأسابيع المقبلة، مع زيادة الاحتمالات بأن ذلك يمكن أن يضع الإسرائيليين والفلسطينيين فى بداية مواجهة عسكرية قد تكون الأقوى منذ مواجهة مايو ٢٠٢١، خاصة أن العمليات الأخيرة تعد تواصلًا لموجة التصعيد التى سادت منذ شهر رمضان الماضى، والتى قادها على الأغلب شباب فلسطينيون دون انتماءات تنظيمية، أو ينتمون لمنظمات محلية، مثل «عرين الأسود» فى نابلس بالضفة الغربية.
واستنادًا إلى تجربة الأعوام الماضية، فإن تزامن شهر رمضان مع عيد الفصح والإعلان عن قيام دولة إسرائيل يشكّل خلفية لزيادة التوترات الأمنية، ومن المتوقع خلاله أن يزداد التحدى الأمنى على عدة جبهات، كما أن هناك أيضًا فى الخلفية عاصفة داخلية فى إسرائيل من جرّاء الخطوات التى اتخذتها الحكومة فى مجال القضاء، ما يعنى أن الأيام المقبلة ستكون ساخنة على كل الأصعدة.
واستباقًا لذلك، أعلن الإسرائيليون عن قمة جمعت مسئولين من إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والولايات المتحدة والأردن، فى مدينة العقبة الأردنية، وتم تعريف الاجتماع على أنه قمة أمنية وغير سياسية، تم الاتفاق خلالها على تهدئة المنطقة، وكانت إحدى نتائجها سحب الفلسطينيين مشروع قرار ضد إسرائيل فى مجلس الأمن الدولى، وأثناء انعقادها وقع إطلاق نار شمال الضفة الغربية، أسفر عن مقتل إسرائيليين، ما رفع عدد القتلى الإسرائيليين إلى ١٣ شخصًا منذ بداية عام ٢٠٢٣.
وإثر الهجوم، بدأت المحادثات فى إسرائيل لإعادة وفد العقبة، وحذر مراقبون إسرائيليون من أن القمة لن تتمكن بمفردها من خفض التصعيد أو وقف العمليات أو حفظ الهدوء فى شهر رمضان، فيما حذر خالد مشعل، المسئول البارز فى حركة «حماس» الفلسطينية، من أن «الأمور ذاهبة إلى التصعيد فى رمضان ونحن مقبلون على أيام ساخنة».
وكذلك، أرسلت واشنطن بعثة من مسئوليها إلى إسرائيل لنقل رسائل تهدئة، كما حذر ويليام بيرنز، رئيس جهاز المخابرات المركزية الأمريكية، خلال زيارته إلى إسرائيل، قبل أسبوعين، من أن التوتر الحالى بين الإسرائيليين والفلسطينيين يشبه الفترة العنيفة التى سبقت الانتفاضة الثانية.
تعزيزات أمنية وتفاهمات إقليمية.. واستمرار منع اليهود من الصلاة فى «الحرم الإبراهيمى»
أرجعت هيئة البث الإسرائيلية «كان» الارتفاع الحاد فى أعداد العمليات فى الفترة الأخيرة إلى الأنشطة المتزايدة للجيش الإسرائيلى فى الضفة الغربية، خاصة منطقتى جنين وأريحا، وسط استعدادات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لمواجهة تصعيد حقيقى محتمل فى شهر رمضان المقبل، مع اتخاذ إجراءات وقائية، تتضمن تعزيز التواجد الميدانى للقوات.
وأوضحت «كان» أن الأسبوع المقبل سيشهد انتشار وحدات هجومية ميدانية من الجيش الإسرائيلى بهدف إحباط عمليات والكشف عن عناصر المجموعات المسلحة التى تنوى القيام بعمليات، مع إضافة تعزيزات من كتيبتين أو ثلاث فى ظل مخاوف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من توسع العمليات خلال شهر رمضان خارج حدود الضفة الغربية، واحتمالات وصولها أيضًا إلى القدس، ما قد يؤدى إلى نشوب مواجهة عسكرية.
وبحثًا عن التهدئة، أشارت تقارير عبرية إلى أن الحكومة الإسرائيلية عازمة على منع اليهود من دخول الحرم الإبراهيمى خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، رغم المعارضة والضغوط من قبل الوزراء المتشددين فى الحكومة.
وقالت «كان» إن تلك الخطوة ستحدث، كما هو معتاد فى السنوات السابقة من أجل التهدئة، رغم المعارضة الشديدة من إيتمار بن غفير، وزير الأمن الإسرائيلى اليمينى المتطرف، والمؤيد القوى لإزالة قيود دخول وصلاة اليهود فى الحرم الإبراهيمى.
وأشارت إلى أن «بن غفير» حث خلال اجتماع حكومى على ألا يكون الموقع محظورًا على اليهود أبدًا، لافتة إلى أنه، وبموجب تنسيقات أمنية فى الأقصى، فإنه يُسمح لغير المسلمين بزيارة الحرم الإبراهيمى خلال ساعات معينة من اليوم، لكن لا يسمح لهم بالصلاة هناك.
ونوهت إلى أن الكتل القومية الدينية اليهودية، بمن فى ذلك أعضاء فى الحكومة اليمينية الحالية فى إسرائيل، قاموا، فى السنوات الأخيرة، بزيارة الموقع بشكل متزايد، مطالبين بحقوق متساوية للصلاة والزيارة لليهود هناك، مما تسبب فى مزيد من التوتر والمواجهات.
وحول ذلك، أوصى عدد من المحللين الإسرائيليين حكومة «نتنياهو» بعدد من الخطوات لوقف أى تصعيد محتمل، وتحقيق استقرار الأوضاع المدنية فى الضفة، وتجنُّب خلق صلة مباشرة بين إسرائيل والجمهور الفلسطينى خارج السلطة الفلسطينية.
وأشاروا إلى أن تلك الخطوات تفرض على إسرائيل الامتناع أو الحد بقدر المستطاع من فرض عقوبات اقتصادية كارثية يمكن أن تقوّض مكانة السلطة أو تمس بنسيج الحياة المدنية فى الضفة.
كما أشاروا إلى ضرورة الاستعانة بعدد من الدول، مثل الأردن، لتنسيق الأوضاع بشأن الحرم الإبراهيمى، وهو ما كان هدفًا لزيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى عمّان، حيث تعهّد بعدم المساس بالوضع القائم فى الحرم، مع التأكيد على دور مصر حيال السلطة وقطاع غزة، وكذلك الدور القطرى حيال حركة «حماس» فى قطاع غزة.
كما أوصوا الحكومة الإسرائيلية بضرورة الالتزام بالتفاهمات التى تحققت فى قمة العقبة مؤخرًا، مع تشجيع السلطة الفلسطينية، بمشاركة الأمريكيين، على ملء الفراغات التى نشأت فى بعض المناطق، وتقييد العقوبات الاقتصادية المفروضة على السلطة، واستئناف التنسيق الأمنى معها، لتقليل الاحتكاك مع الفلسطينيين.
وأوصوا، كذلك، بمنح أولوية لتخفيض التوتر الداخلى فى إسرائيل، وعدم تعميق الاستقطاب الآخذ فى الاتساع، فيما يخص الخلافات الداخلية بشأن الإصلاحات القضائية.