الكنيسة الكاثوليكية تتأهب لصوم القيامة.. و«درب الصليب» أهم ما يميزه
تبدأ الكنيسة الكاثوليكية بمصر الصوم الكبير، المعروف بـ«صوم القيامة»، في ٢٧ فبراير ٢٠٢٣، وينتهى بعيد القيامة المجيد.
«درب الصليب» أبرز طقوس الكنيسة الكاثوليكية
وتقيم الكنيسة الكاثوليكية خلال الصوم الكبير صلوات القداس الإلهى بالكنائس والإيبارشيات المختلفة.
وتمنع الكنيسة الكاثوليكية التناول عن اللحوم خلال فترة الصوم الكبير، حيث يتم الانقطاع عن الطعام من ١٢ منتصف الليل حتى انتهاء القداسات الإلهية، ومن بين الطقوس المميزة فى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية رتبة درب الصليب.
إطلالة تاريخية على الصوم الفصحى
وقال الأب أسطفانوس دانيال، راعي كنيسة مار مرقس الرسول للأقباط الكاثوليك بالجلاوية، في تصريحات خاصة، إن لفظ الفصح هو الصورة المنقولة لكلمة pascha باليونانية، المشتقة من «فسحا» بالآرامية، «فيساح» بالعبرية، وأصل الكلمة محل جدل. والكتاب المقدس يقرب بين «فصح» بالعبرية وفعل «فاساح» الذي يعني إما العرج، وإما ممارسة رقصة طقسية حول الذبيحة (1مل 18: 21و 22) وإما بالمعني المجازي «قفز» و«جاز». فالفصح هو عبور الله الذي عبر فوق بيوت العبرانيين في الوق الذي ضرب فيه بيوت المصريين.
وتابع أن السيد المسيح ورسله لم يضعوا قانونًا للصوم ولما جرت العادة بأن أكثر المسيحيين من وقت إلى وقت وسرًّا امتنعوا عن الطعام مواظبين على الصلاة، ولا سيما حين كانوا يشرعون في عمل مهم، ولا يذكر شيء عن الأصوام في الكنيسة الأولي إلا حين يُعيّدون بيوم تذكار صلب المسيح.
وواصل: «في القرن الأول الميلادي دخل الصوم رويدًا رويدًا بعد ذلك، أولاً بالعادة ثم صار قانونيًّا، ولا يُمكن أن نعلم يقينًا إن كان هذا الأمر حصل في القرن الأول أو ما هي الأيام المكرّسة للصوم، وفي القرن الثالث الميلادي كانت أوقات الصوم هي للتذلل واعتادوا أن يسكبوا تضرعاتهم راكعين أو خارين على وجوههم إشارة إلى تذلّلهم».
وتابع: «الصوم الأربعيني كان أولاً أربعين ساعة فقط ثم امتد إلى أيام عديدة وأسابيع أيضًا حتى صار ستة وثلاثين يومًا إلى أن جلس الحبر الأعظم قداسة البابا غريغوريوس (590 -604م) أضاف أربعة أيام إلى هذا الصوم لكي يجعله أربعين يومًا»ز
وواصل: «في القرن الأول الميلادي لا تعرف الكنيسة الناشئة إلا صوم يوميّ الأربعاء والجمعة، وبالأخص هذان اليومان اللذان لهما أهمية كبيرة جدًا عند الإسينيين في قمران، كما اكتشفت الكنيسة الأولي إذًا أن إحدى غايات الصوم الأساسية هي أن يَعطي الإنسان أخاه الإنسان، ولكن الأبعد من هذا العطاء هناك الأخوّة البشرية في المسيح، وهناك عطاء آخر تكلم عنه إشعيا النبي (58)، أن تحلّ قيود النفاق، وأن نتطهّر من الكذب وأن نسعى لتحرير الناس وإطلاق المضغوطين أحرارًا وكسر كل نير. لا يعرف الصوم فقط فكرة التقدّس الفردي».
وتابع: «فكرة التوفير من أجل العطاء وإرادة المؤسسة المسيحية فلقد نهانا الله عن الطعام الصيامي الكثير، عن إكثار ألوان الطعام لأننا إذا أكثرنا من ألوان الطعام لا نستطيع أن نوفر ونعطي، ليست القضية إذًا امتناعًا عن أكل اللحم فقط ولكنها تقشف حتى نستطيع أن نعطي. الصوم فترة تطهُّر وتقرُّب إلى الله لأن في ذلك يكشف الإنسان الآخر، أي كلما اقترب الإنسان إلى الله وإلي فكرة القيامة وإلى فكرة نصر المسيح على الموت وكلما استدعي الرُّوح القدس ليقدسه انطلق إلى الآخرين. بولس وبرنابا انطلقا بعد صوم الجماعة إلى البشارة».
وواصل: «يسرد لنا علم الآباء الأوائل أرستيد يكتب دفاعًا موجهًا عن المسيحيين إلي الإمبراطور أدريانوس، على الأرجح في فترة إقامته في أثينا العام 124- 126م يقول: «إذا كان بينهم فقير محتاج فإنهم يصومون يومين أو ثلاثة ومن عادتهم أن يرسلوا له الطعام الذي كانوا أعدُّوه لأنفسهم، لا يحتقرون الأرملة ولا يؤذون اليتيم. مَن له يعطي من دون أن يثير حسدًا، وإذا رأوا غريبًا يقودونه إلى بيوتهم بفرحٍ كأخٍ حقيقيّ. إنهم يدعون بعضهم بعضًا "إخوة"، ولكن ليس بحسب الجسد، بل بحسب الروحن إنهم مستعِدّون لبذل حياتهم في سبيل المسيح»، وبعد هذا بسنوات قليلة أي في منتصف القرن الثاني نقرأ في كتاب الراعي لهرماس بين العامين 140- 155م: «لا تتناول، يوم صيامك، سوي خبز وماء، ثم احسب مبلغٍ ما كنت أنفقته في ذلك اليوم على قوتك وأعطه لأرملة أو يتيمٍ أو معوزٍ: هكذا تحرم نفسك كي تفيد آخر من حرمانك ليشبع ويسأل الرب من أجلك» .
وتابع: «وكان المسيحيون في القرنين الثاني والثالث يصومون كلّيًّا عن الطعام يومي الجمعة والسبت العظيمين بين موت المسيح وقيامته لأنه كان غائبًا عنهم، وكانوا يرون في ذلك مطابقة لقول السيد المسيح (أَيَسْتَطيعُ أَهْلُ العُرسِ أَن يَحزَنوا ما دامَ العَريسُ بَيْنَهُم؟ ولكِن سَتَأتي أَيَّامٌ فيها يُرفَعْ العَريسُ مِن بَيْنِهم، فَحينَئذٍ يَصومون)، ومن هنا جاء أصل الصوم الأربعينيّ. وليس معني الصوم تعبير عن الحزن لغياب المسيح، فكرة مألوفة عند المسيحيين المعاصرين، ولكنّه السبب الحميمي والعميق والمؤثر الذي يدفعنا إلى أن نصوم».
وواصل: «يذكر تعليم الرسل، في آخر القرن الثالث، صومًا يدوم ستة أيام خلال الأسبوع العظيم. كما نجد في القرن الرابع في أورشليم صومًا يدوم أربعين يومًا تذكارًا لصوم يسوع في البرية، وتذكره إثيريا التي حجّت إلي الأماكن المقدسة في القرن الرابع».
وتابع، بان أقدم شهادة تتكلم عن الصوم قبل عيد الفصح هو القديس ترتليانوس (155م) إنه لا يعرف صومًا فرضته الكنيسة غير يوم عيد الفصح أي صوم الجمعة العظيمة، ويشهد ترتليانوس أن الصوم يشمل فقط الأيام التي ارتفع فيها العريس أي يوميّ الجمعة والسبت حتى صباح الأحد.
واختتم: «أيضًا يذكر آباء الكنيسة الذين عاشوا هذه الفترة أن بعض المسيحيين كانوا يصومون يومين أو ثلاثة دون انقطاع، ويكتب القديس إيريناوس (202م) كان يشمل الأيام الأخيرة من جمعة الآلام. وفي القرن الثالث امتد الصوم إلي جمعة الآلام كلّها، ويكتب ويأمر البطريرك القديس ديونسيوس الإسكندري (248- 265م): «من اليوم العاشر من القمر الذي هو الاثنين من الساعة التاسعة إلي الخميس تصومون ولا تتناولون سوي الخبز والملح والماء، والجمعة والسبت تنقطعون بتاتًا عن الطعام ولا تتناولون شيئًا» والبعض الآخر يقول كان يصام أسبوعان ماعدا السبت والأحد. وفي القرن الرابع كان المؤمنون يصومون ثلاثة أسابيع ويختلف علماء الطقوس اليوم عن تحديد هذه الثلاثة أسابيع، فبعضهم يقول هي الثلاثة الأخيرة من الصوم والبعض الآخر يؤكد بأنها الأسبوع الأول والرابع والسادس. ولكن في حبرية قداسة البابا سِلْفِسْترُس الأوّل (314 -335م) وضع شريعة الصوم الأربعينيّ».