رسالة دكتوراه تناقش الوعي التاريخي عند جمال عبد الناصر وأثره على قراراته الكبرى
ناقشت الباحثة والأكاديمية الدكتورة منى مالك رسالة دكتوراه تحت عنوان "الوعي التاريخي عند جمال عبد الناصر وأثره على قراراته الكبرى" وتحت إشراف المؤرخ والأكاديمي الدكتور جمال شقرة، والمؤرخ والأكاديمي الدكتور خلف الميري، وترأس لجنة المناقشة المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي.
تناولت الرسالة شخصية الزعيم والقائد جمال عبد الناصر وفترة حكمه لمصر، وما قدمه لبلاده وللوطن العربي بأكمله، وكيف كان ومازال أحد أبرز الشخصيات السياسية في التاريخ الحديث والمعاصر، فهو زعيم مصري آمن بالعروبة وبالقومية العربية، حيث إنه كان مؤمناً بفكرة الدوائر الثلاث، وأن الدائرة العربية هي أهم الدوائر وترتبط ارتباطا وثيقا بمصر، بما أن مصر هي قلب الوطن العربي، لذلك قام بمساندة حركات التحرر الوطني العربية، وأصبح زعيما للأمة العربية وليس لمصر فقط.
جاءت هذه الدراسة لتبرز أهم مراحل تاريخ مصر المعاصر التي بدأت بنجاح ثورة 23 يوليو 1952، حيث ألغي النظام الملكي وأصبحت مصر جمهورية. وسرعان ما لمع نجم عبد الناصر فأصبح زعيم يُشار له بالبنان لاسيما بعد أن نجح في تحقيق حلم الشعب المصري في الحرية والاستقلال ، وبناء جيش وطني قوي، وتأميم قناة السويس وانتصاره على العدوان الثلاثي 1956، الأمر الذي دفعنا إلى البحث عن العوامل التي ساعدت في تكوينه كبطل من أبطال التاريخ الذين تركوا بصمات عظيمة في تاريخ شعوبهم لنكتشف أنه قد أعد نفسه إعدادًا جيدًا ليقوم بهذا الدور.
وأشارت الباحث مني مالك إلى أن “الفترة الزمنية التي اهتمت بها الدراسة هي الفترة الواقعة بين بلوغ جمال عبد الناصر مرحلة الوعي بعد دخوله المدرسة الثانوية وتتوقف عند رحيله عام 1970، فإن غوصه واهتمامه بالتجارب التاريخية والأدوار التي قام بها الأبطال وقادة الحروب دفعتني إلى معالجة موقفه من قضايا تاريخية تعود إلى التاريخ القديم والوسيط والحديث”.
ولفتت الباحثة إلى أن الدراسة اعتمدت على مصادر: اعتمدت في الأساس على تحليل نصوص خطب وتصريحات وأحاديث جمال عبد الناصر، سواء تلك التي نشرت في المجلدات أو التي تم رفعها على الموقع الخاص بذاكرة مصر المعاصرة التابع لمكتبة الإسكندرية، للوقوف على مدى وعيه بالتاريخ، واعتمدت أيضاً على كثير من الوثائق المنشورة وغير المنشورة وكتب المذكرات والذكريات التي كتبها أعضاء مجلس قيادة الثورة وغيرهم، وكذلك الدوريات والبحوث والرسائل الأكاديمية، كما اهتمت الباحثة بالاطلاع على وثائق الخارجية المصرية والخارجية البريطانية والأمريكية، لتوثيق الحقائق التاريخية التي " اهتم بها وأسهمت في تكوين وعيه التاريخي".
وجاءت الدراسة في ستة فصول تناول الفصل الأول نشأة عبد الناصر ومصادر التكوين الفكري لديه في مرحلة الطفولة والشباب (1925-1936)، حيث تشكل وجدانه وفكره من خلال القراءات التي قرأها في مرحلة الثانوية بالمسجد المجاور لمنزله مروراً بالتحاقه بالكلية الحربية، ومدى تأثير هذه القراءات وبعض الشخصيات التاريخية التي أثرت في وعيه، فضلاً عن تأثير البيئة الاجتماعية والمشاركة السياسية التي أثرت على تصوراته الأيديولوجية، بالإضافة إلى مؤثرات أخرى مثل الأفكار الاشتراكية والأحزاب السياسية مثل الوفد ومصر الفتاة والحزب الوطني، وجماعة الإخوان المسلمين والشيوعيين.
وبالانتقال إلى الفصل الثاني؛ فإنه قد عالج المفردات التاريخية في خطب عبد الناصر؛ إذ إنه اشتهر بأنه كانت لديه قدرة في التأثير في الجماهير.
كما تناولت الباحثة في الفصل الثالث المفردات التاريخية التي ذكرها عبد الناصر التي توضح وعيه بالظروف والدوافع المتشابهة بين الثورة المصرية والثورة الفرنسية، و إدراكه أسباب ونتائج الحملة الفرنسية على مصر.
ورصدت الباحثة في الفصل الرابع المفردات التاريخية في خطب عبد الناصر، مستعرضة فيه تناوله الأزمات المتراكمة في الفترة ما بين 1942 وحتى 26 يناير 1952، التي أدت في النهاية إلى حريق القاهرة، أضف إلى ذلك فساد الأحزاب السياسية، وظهور الحركة الشيوعية في مصر، وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين وانشغالهم بالسياسة.
واهتمت الباحثة في الفصل الخامس بمعالجة أثر الوعي بالتاريخ على سياسة مصر الداخلية، و اتضح ذلك من خلال القرارات التي اتخذها عقب نجاح الثورة وكانت أولى هذه القرارات القضاء على الإقطاع وإصدار قانون الإصلاح الزراعي و تحديد الملكية الزراعية.
أما الفصل السادس (الأخير) فقد أفردت فيه الباحثة دراسة حول أثر الوعي التاريخي على سياسة عبدالناصر الخارجية والتي يظهر فيها ملامح التحديات الخارجية، وتبنيه فكرة القومية العربية والعمل على توحيد الصفوف العربية، بهدف خلق حزام حول عدو العرب إسرائيل، كما تناولت الدراسة علاقة عبد الناصر بالولايات المتحدة الأمريكية، وبالاتحاد السوفيتي، والحروب التي خاضها عبدالناصر، وموقف أمريكا وإسرائيل من اتفاقية الجلاء.
وفي الخاتمة سجلت الباحثة أهم ما توصلت إليه من نتائج؛ والتي منها وعي جمال عبد الناصر دروس التاريخ. وأدرك ملامح الشخصية الجغرافية لمصر ومدى أهمية مصر وتأثير ذلك على أطماع الدول الغربية.
إلى جانب ذلك أشارت الباحثة إلى أن "أدرك عبد الناصر أسباب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في مصر قبل الثورة، كما أدرك ظلم البناء الطبقي وانحياز نظام فاروق إلى كبار الملاك والرأسمالية المصرية والمتمصرة والأجنبية، وهاله الظلم الواقع على متوسطي الفلاحين وصغار الفلاحين، كما استفزه هيمنة كبار الملاك على الثروة والسلطة، ومن ناحية أخرى أدرك عبد الناصر ووعى السلبيات التي ارتبطت بتطبيق الممارسة السياسية للنظام شبه الليبرالي، وفكرة الحرية المنقوصة وفساد الحياة الحزبية قبل 1952، ولعل هذا ما دفعه إلى اتخاذ قرار بتحديد الملكية، ولعل هذا ما دفعه أيضاً إلى حل الأحزاب السياسية وإلغائها، وعلى المستوى الداخلي أيضاً أدرك عبد الناصر أن أبرز عيوب فترة حكم المماليك هي هيمنة فرق العسكرية للمماليك على الشعب المصري، فكل شيخ من شيوخ المماليك كانت له فرقته التي نهبت المصريين، ولعل هذا ما دفعه إلى بناء جيش وطني قوي.