رحلة فك الهيروغليفية.. كيف كشف حجر رشيد عظمة الحضارة الفرعونية؟
في يوليو 1799، قامت القوات الفرنسية ببناء تحصينات لحملة نابليون بونابرت المصرية باكتشاف بلاطة بازلتية سوداء غريبة، وكان طولها حوالي 4 أقدام وعرضه 2.5 قدم تقريبًا؛ كانت حوافها خشنة تم تغطيتها أيضا في الكتابة سميت بـ “حجر رشيد" عليها كتابات باللغة الهيروغليفية.
وبحسب صحيفة "مينتال فلوس" الأمريكية، أن الضابط القائد للجيش، وهو مهندس مثقف يدعى بيير فرانسوا بوشار، أدرك أن اللوح يحمل نوعًا من الرسالة المكتوبة بثلاث لغات، وكان أحد المخطوطات باللغة اليونانية القديمة، وواحد غير معروف وظهر أحدهم على أنه كتابات هيروغليفية - اللغة المقدسة المفقودة لمصر القديمة، والتي لم تُفهم لأكثر من ألف عام.
وأضافت الصحيفة أنه تم العثور على الحجر بالقرب من مدينة رشيد في دلتا النيل، وكان من شأنه أن يثبت أنه مفتاح حل لغز عمره آلاف السنين، فكان فك رموز النص المصري القديم هدفًا قديمًا للعلماء الأوروبيين.
رحلة فك رموز الهيروغليفية
وقبل قرون، كان الكتاب اليونانيون والرومانيون ينسبون الصفات الصوفية للثقافة المصرية، وكان الرحالة الأوروبيون الأوائل إلى مصر قد أعادوا المنحوتات المنحوتة بالصور الغامضة، والتي بدا أنها تدعم ارتباط مصر بالمعرفة الغامضة، وأثارت حملة نابليون في مصر مزيدًا من الاهتمام الأكاديمي بأصول الأهرامات العظيمة والمعابد ونظام الكتابة.
وأكدت الصحيفة أن بوشارد أمر بحفظ اللوح من أجل مجموعة نابليون المتنامية من الكنوز المصرية، ولكن لسوء حظ الفرنسيين، هُزِموا على يد القوات الإنجليزية عام 1801، وبعد فترة وجيزة، استولى الجيش البريطاني على مجموعة الغنائم المصرية، بما في ذلك حجر رشيد، الذي قدمه كهدية للملك جورج الثالث.
وتابعت أنه قبل أن تفقد القطعة الأثرية التي لا تقدر بثمن، كان العلماء الفرنسيون ابتكروا نسخًا من النقوش التي شقت طريقها في جميع أنحاء أوروبا، وعلى مدى العقد التالي، أكد اللغويون أن النقش في الجزء العلوي من الحجر مكتوب بالهيروغليفية، وهو نظام كتابة تلاشى بحلول نهاية القرن الرابع الميلادي ما أضعف قدرة العلماء على تفسيره، بينما أشارت ترجمة النص اليوناني القديم في أسفل الحجر إلى أنه كان مرسومًا صادرًا عن بطليموس الخامس في عام 196 قبل الميلاد، وبشكل حاسم، كشف السطر الأخير أن النقوش الثلاثة كانت ذو معنى واحد.
وأضافت أنه عندما واجه العالم البريطاني اللامع توماس يونج التحدي المتمثل في فك رموزها في عام 1814، لم يكن على دراية بأن لغويًا فرنسيًا لامعًا بنفس القدر يُدعى جان فرانسوا شامبليون كان يدرس بالفعل الحروف الهيروغليفية الغامضة لعدة سنوات، حيث بدأ السباق لفك رموز الحضارة الفرعونية.
سر الهيروغليفية
وبحسب الصحيفة، كان توماس يونج يعرف 12 لغة قبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره وتدرب كطبيب في جامعة كامبريدج، كما يليق بشخص يلقب بـ "الظاهرة" من قبل زملائه في الفصل، حول يونج انتباهه لاحقًا إلى مجموعة من المساعي العلمية، ليصبح عضوًا رئيسيًا في الجمعية الملكية والمؤسسة الملكية، وبدأ دراسة حجر رشيد بعد قراءة كتاب عن تاريخ اللغات.
وتابعت أن يونج حصل على نسخة من نص الحجر معه في عطلة إلى منتجع ورثينج الساحلي، حيث اقترب من مهمة فك التشفير كما لو كان لغزًا رياضيًا، وقام بتقطيع النقوش إلى أسطر فردية ومحاولة مطابقتها مع بعضها البعض، لكن هذه التقنية لم توصله لشئ، فلا يزال غير قادر على معرفة ما إذا كانت الهيروغليفية تمثل لغة منطوقة فعلية، وما إذا كانت الرموز المكتوبة تتعلق بالأصوات، أو الحروف، أو الكلمات الكاملة، أو حتى المفاهيم البسيطة.
واصل يونج بحثه، مع التركيز على النص الديموطيقي لفك تشفير الحروف الهيروغليفية ونشر مقالات تحظى باحترام كبير عن مصر لموسوعة بريتانيكا بين عامي 1816 و1818، بما في ذلك رؤيته للنصوص الهيروغليفية والديموطيقية، وبعد سنوات من العمل، حقق يونج أخيرًا تقدمًا كبيرًا - فقد أدرك أن الخراطيش الهيروغليفية (صور محاطة بشكل بيضاوي) تحتوي على اسم الحاكم بطليموس.
وسمح له ذلك بالبدء في مطابقة الأحرف اليونانية القديمة في اسم بطليموس مع نظائرها الهيروغليفية، وفي عام 1819، نشر ورقة بحثية اقترح فيها مبدئيًا الأصوات المحتملة التي تصدرها 13 حرفًا هيروغليفيًا - وهي الخطوة الرئيسية الأولى في فك الشفرة، باستخدام هذه المفاتيح، بدأ يونج في ترجمة كل من الهيروغليفية والديموطيقية، مما أدى إلى إحياء نظامي كتابة لم يتم فهمهما منذ آلاف السنين.
وأكدت الصحيفة أنه في ظل إحراز يونج تقدمًا في فك رموز الهيروغليفية كان العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون والذي كان يصغر العالم البريطاني بنحو 17 عامًا، تحقق التقدم الأكبر بسبب هوسه بالحضارة المصرية والتاريخ الفرعوني، وبعد ترجمة العديد من السطور تمكن شامبليون من إنشاء أبجدية كبيرة من الهيروغليفية وما يعادلها من اليونانية، وقدم النتائج التي توصل إليها في Académie des Inscriptions et Belles-Lettres في باريس في 27 يوليو 1822.
وتابعت أن اليوم، يعتبر حجر رشيد مرادفًا لكشف أي عظيم، وبعد 100 عام بالضبط من تقديم شامبليون أول إنجاز له في دراساته الهيروغليفية، تحرك عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر جانبًا بابًا في مقبرة مصرية منسية منذ فترة طويلة وكشف النقاب عن ثروات الملك توت ليكشف عن عالم به العديد من ألغاز مصر القديمة فك رموزها.