في اليوم العالمي للصداقة.. أبرز صداقات المشهد الثقافي
يحتفي العالم اليوم بيوم الصداقة العالمي، والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في مثل هذا اليوم الموافق الـ30 من يوليو العام 2011، عن الصداقات التي لاتنتهي والتي صارت نموذج أمثل في المشهد الثقافي المصري والعربي يدور هذا التقرير التالي:
شلة المحلة
حكى الكاتب الراحل سعيد الكفراوي في حوار مطول، عن علاقته وما ربطه بشلة المحلة قال: «التقيت منتصف الستينيات تقريبًا بالمفكر الراحل نصر حامد أبوزيد، كانت القرية قد ضاقت بي، ذلك العالم المحدود بمكوناته الفطرية الأولى، كان عليّ الانتقال للمدينة، لأعيش داخل جغرافيا أخرى، ولأعرف حياة وعالم مختلفين، وأكتشف قراءة تعين على الفهم، كان قصر الثقافة بمدينة المحلة الكبرى، الملاذ، والمأوى».
وتابع: هناك التقيت بنصر حامد أبوزيد ، الذي كان يعمل في الإدارة الفنية لجهاز بوليس النجدة، كان يكتب شعر العامية، اتفقنا أنا وهو على إنشاء ناديً للأدب في القصر، سرعان ما انضم لنا الآخرون، جاءنا دكتور جابر عصفور بعد أن انتهى من دراسته في كلية الآداب، وصار الناقد الشاب للجماعة، كنا في ذلك الوقت نكتب قصصًا تشبه ما يكتبه يوسف إدريس من قصص، وقصائد على غرار صلاح عبد الصبور وصلاح جاهين وأحمد عبد المعطى حجازي.
واستطرد: «في العام 1968، بعد هزيمة يونيو، صدرت مجلة في القاهرة اسمها “جاليري 68” تختلف كثيرا عن مجلات تلك الأيام، ونصوصها تنطلق لتواجه النكسة التي كانت الثمن الفادح لسعينا لمعرفة الواقع، في ذلك الوقت كانت كتابة تتم عبر الحلم بتغيير العالم، يصلنا ما حدث من ثورة 68 الفرنسية، وكنا مثل الوثبة المضادة لمواجهة الثابت والمألوف.
وأضاف: سعيت أنا للتعرف عليهم، وسرعان ما انتقلت إلى القاهرة، كانوا يتواجدون على مقهى “ريش” في ذلك الوقت حول الأديب الكبير نجيب محفوظ، مثل جمال الغيطاني، إبراهيم أصلان، يحيي الطاهر عبد الله، والشعراء محمد عفيفي، عبد الرحمن الأبنودي، أمل دنقل وغيرهم.
التحقت بالحلقة، وانتسبت لهذا الجيل الذي فتح عيني على وعود الحلم القومي الذي صدمته الهزيمة المروعة، فأعلن هذا الجيل تمرده على من صنعوا الهزيمة، ثلاث من أقصى الجنوب "أمل دنقل ويحي الطاهر عبد الله، وعبد الرحمن الأبنودي".
لكل منهم رحلته الطويلة واسمه الذي صار أيقونة في مجاله الإبداعي، ويبدو لحسن الحظ، أن الثلاثة أمل دنقل، ويحيى الطاهر عبد الله، وعبد الرحمن الأبنودي، كان لكل منهم تفرده في مجاله فكان اتجاه أمل دنقل لشعر الفصحى، وكان للأبنودي تفرده في شعر العامية، وكان ليحيي الطاهر عبد الله دهشته التي مازالت في تقفز عبر كتاباته القصصية التي تركها لنا.
رحل الثلاثة كان أولهم يحيى الطاهر عبد الله أثر حادث سيارة كان أكثرهم شقاء وشقاوة، وأقربهم لبعضهم البعض، يحكي الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي في مقال نُشر بصحيفة “أخبار الأدب” كيف تعرف على يحيى الطاهر عبدالله؛ فيقول: ذات صباح شتائي منذ حوالي أربعين عاما أو أكثر دلف إلى مكتبي بمحكمة قنا الشرعية شاب نحيل الجسم جدا ضعيف البنية، قلق النظرات كأن به مسا وقال في “عظمة”: هل أنت عبد الرحمن الأبنودي أنا يحيي الطاهر عبد الله من كرنك الأقصر، جئت للتعرف عليكما أنت وأمل دنقل.
لم أكن قد عرفت شيئا عن يحيي الطاهر عبد الله، في ذلك اليوم أخذنا المسير الى منزل الشيخ الأبنودي ولم أكن أعلم أن يحيي الطاهر عبد الله لن يغادر هذا البيت إلا بعد ثلاث سنوات.
منذ أول يوم أصبح فردا من أفراد العائلة ينادي أمي (يا أمه) ويتعامل مع الشيخ الأبنودي كأنه والده واستولي مني علي أخوتي. وكان أينما يذهب تمشي الشجارات والمشاكل بين أقدامه.
وهكذا ارتبط يحيي بعبد الرحمن وأمل دنقل بصداقة عميقة وممتدة على مدار حياتهم، لدرجة جعلت عبد الرحمن الأبنودي يجلس في كرسي زفاف يحيي الطاهر عبد الله نتيجة تأخر الأخير عن حفل زفافه، والأكثر دهشة اننا نجد أمل يرثي صديق عمره عبر وفاته بقصيدة صارت أحد أبرز القصائد كلما جاء ذكرى رحيل يحيي الطاهر عبد الطاهر يقول فيها:
«ليت أسماء تعرف أن أباها صعد
هل يموت الذي كان (يحيا)
وكأن البنات الجميلات يمشين فوق الزبد
بينما ينحني القلب يبحث عما فقد».