على جمعة: التعايش السلمي مع الآخر نموذجًا عظيمًا يهتدى به في الدعوة
قال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إنه لما دخل وفد بني تميم المسجد نادوا رسول الله ﷺ من وراء حجراته أن اخرج إلينا يا محمد, فآذى ذلك رسول الله ﷺ من صياحهم فخرج إليهم, وفي ذلك نزل قوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) [الحجرات:4]، وقالوا له: نحن ناس من تميم, جئناك بشاعرنا وخطيبنا لنشاعرك ولنفاخرك, فقال رسول الله ﷺ: «ما بالشعر بعثنا, ولا بالفخار أمرنا, ولكن هاتوا»، فجرت بين الوفد وبين المسلمين سجالات شعرية ومعارضات خطابية, كانت في النهاية سببا في إسلامهم وإسلام قومهم بعد ذلك, حتى إن الأقرع بن حابس -وهو من كبارهم- دنا من رسول الله ﷺ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله, وأنك رسول الله, فقال النبي ﷺ: «لا يضرك ما كان قبل هذا» (معرفة الصحابة لأبي نعيم1/533).
وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى قائلا : فحاز السبق في إسلامه قبل قومه, ثم تبعوه بعد ذلك, وكان فأل خير لهم حين سيقت له ولهم البشرى في قوله ﷺ: «لا يضرك ما كان قبل هذا»، والوفد لثالث كان لبني عبد القيس, حيث جاء رجل منهم وهو منقذ بن حيان إلى المدينة للتجارة, فرأى النبي ﷺ وأنصت لكلامه فأعجبه فأسلم وحسن إسلامه, ثم بعثه النبي ﷺ بكتاب إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام, فتوافدوا عليه مسلمين.
وأضاف قائلا : عن قدوم قومه ورد أن رسول الله ﷺ كان يحدث أصحابه فقال لهم: سيطلع من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق, فقام عمر فتوجه نحوهم فتلقى ثلاثة عشر راكبا, فقال: من القوم؟ فقالوا: من بني عبد القيس, قال: فما أقدمكم هذه البلاد, التجارة؟ قالوا: لا. قال: أما إن النبي ﷺ قد ذكركم آنفا فقال خيرا, ثم مشوا معه حتى أتوا النبي ﷺ فقال عمر للقوم: وهذا صاحبكم الذي تريدون, فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم فمنهم من مشى ومنهم من هرول, ومنهم من سعى حتى أتوا رسول الله ﷺ فأخذوا بيده فقبلوها, وتخلف الأشج -وكان كبيرهم- في الركاب حتى أناخها وجمع متاع القوم, ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله ﷺ فقبلها, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» (البداية والنهاية).
وأوضح : إن تعامل الرسول ﷺ مع الوفود العربية من غير المسلمين بهذا المنهج الواضح الذي يدعو إلى دين الله بالحسنى مع فهم الواقع -ليؤكد سمة الإسلام الرئيسية في التعايش السلمي مع الآخر ومدى التسامح الذي يبديه معهم, مما يعد نموذجا عظيما يهتدى به في الدعوة إلى الإسلام في كل زمان ومكان.