«فرسان راحلون.. من جيل الأسطوات».. قراءة لـ أحمد مصطفى في تراث خلد أسماء أصحابه
يصدر قريبًا عن دار غراب للنشر والتوزيع كتاب "من جيل الاسطوات .. فرسان راحلون" للكاتب أحمد مصطفى.
الكاتب أحمد مصطفى أكد لـ"الدستور" أن الكتاب محاولة متواضعة لتخليد ذكرى مجموعة ممن تركوا تراثا في حياتهم بقي بعد مماتهم، لعل الأجيال الجديدة تستفيد بالرجوع إلى المزيد عنهم لتظل "مصر ولادة" لكل ما هو مبدع وأصيل.
ويجمع الكتاب مقالات سابقة عن 20 شخصية كانوا "أسطوات" في مجالهم العام ممن أثروا في حياتي بدرجات مختلفة ورحلوا عن دنيانا في العقدين الأخيرين مع إضافات بسيطة عما كتب عنهم عند وفاتهم.
وتابع:" الآن، لأني تجاوزت الستين من العمر ورحل عن دنيانا كثير من جيلي والجيل الذي تعلمت على يديه.. ربما لا يضيف الكثير سوى التذكير بنفر قليل من "أسطوات" رحلوا عن دنيانا لعل من بعدنا يرغبون في معرفة المزيد عما تركوه والاستفادة منه.. الشخصيات ليست كلها شهيرة بالمعنى الجماهيري العام .. لكن منهم الكاتب والمفكر عادل حسين ود. عبد الوهاب المسيري و شخصيتين تاريخيتين هما المهندس إبراهيم شكري والبابا شنودة ومن غير المصريين الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب والإذاعي الشهير ماجد سرحان.
وأضاف:"هناك طبعا شخصيات قد لا تكون شهيرة، لكنهم كانوا أسطوات فعلا مثل الصحفي محمد حمدي (الشعب، الأهرام، روز اليوسف) والإذاعي القدير كارم محمود (الإذاعة المصرية، بي بي سي، الجزيرة) والدكتور حسنين أمين، طبيب الأسنان من قلعة الكبش صاحب التاريخ النضالي الوطني غير المعروف لكثيرين.
وقال الكاتب أحمد مصطفى عبر مقدمته للكتاب "تصور أن جيلي، الذي جاء إلى الدنيا في بدايات النصف الثاني من القرن الماضي، جيلٌ محظوظٌ إلى حدٍ ما – على الأقل مقارنةً بالأجيال التي تلته بعد عقودٍ. والسبب أنه كان إلى حدٍ ما «جيلًا وسيطًا» بين تحولات كبرى، ليس فقط في بلدنا ومنطقتنا بل ربما في العالم كله. صحيحٌ أن كل جيلٍ هو «وسيطٌ» – أي بين جيلين أو مرحلتين .. إلخ. لكن من معرفتي بمهنتين، متباعدتين إلى حدٍ كبيرٍ، عن قربٍ أدَّعي أن جيلي أصاب قدرًا من ثقافةٍ ومجموعةِ قيمٍ وسلوكيات سبقت، وتكاد تكون اندثرت ثم أدرك ثقافةً ومجموعةَ قيمٍ وسلوكياتٍ اختلفت تمامًا إلى حدٍ يقترب من القطيعة مع سابقاتها.
وتابع "ليس الأمُر مجرد حنينٍ للماضي (نوستالجيا) أو مفاضلةً بين وقتٍ ووقتٍ في مسارِ حياةِ المرءِ. فلكلِ زمنٍ مزاياه وعيوبه، ولا يصح الحكم على فترةٍ ما بوعيٍ متأخرٍ دون الأخذِ في الاعتبار كل الظروف والعوامل الآنية في وقتها. وعلى أي حالٍ، فكل ما يتعلق بذلك هو أمرٌ نسبيٌ تمامًا ولا يخضعُ لقواعدٍ صارمةٍ. فليس الماضي كله جميلًا كما يغالي البعضُ، وليس الحاضرُ كله رديئًا كما قد يتحسر عليه البعض.
وأكمل "وبما أني أقترب من المحطة الأخيرة في قطارِ العمرِ، انتابتني رغبةٌ قويةٌ في أن أجمعُ شيئًا مما يخص ذلك الجيل – من خلال انطباعاتٍ شخصيةٍ تمامًا لا تتحمل أية استنتاجاتٍ عامة. وعذرًا على هذه السفسطة في المقدمة، فهذا شأنُ من يمتهنون الصحافةَ والكتابةَ حين يتقدم بهم العمر دون أن يفقدوا الشعورَ بأهميةِ الكلمةِ والحاجةِ إليها.
جيلي ونهايات جيل الاسطوات
وأكمل قراءته قائلًا: "أتصورُ أن من ميزاتِ جيلي أنه أدرك نهايات «جيل الأسطوات»، وللأسف ربما يتحملُ وزر أنه والجيل الذي تلاه لم يحافظوا على ذلك الخط المهم، وشعاره: «الأسطى اللي علم ما مات». لا أعرف قطعًا المعنى الدقيق لكلمة «أسطى»، فالبعض يقول أنها دخلت اللغةَ العربيةَ من اللغة ِالفارسيةِ أو من اللغةِ التركيةِ، لكن الأقرب للدقةِ تاريخيًا أن مصرَ عرفت تلك الكلمة وشاعت في العصرِ المملوكي.. وبما أن المماليك أتوا من مناطق شتى في القوقازِ وآسيا الوسطى فمن الصعب تحديد أصل الكلمةِ من أي لسانٍ في تلك المناطق. لكني أتذكرُ أنها كلمةٌ قديمةٌ جدًا في لغة سكان داغستان، وربما كان أصلها من هناك. ثم أن معناها في داغستان أقرب ما يكون لمعناها الذي نعرفه: الشخص بالغ المهارة في مهنةٍ معينةٍ والذي أيضا له تلاميذ في المهنةِ – يسمون «صبيان».
ويشير إلى أنه "يختلف كثيرون حول بداية نهاية عصر الأسطوات في مصرَ، فالذين يتخذون موقفًا مسبقًا من ثورة يوليو 1952 والإطاحة بالنظام الملكي والتخلص من الاحتلال الانجليزي، سيرون أن ذلك بدأ مع التغيير القسري في المجتمع مع الثورة. وهؤلاء في تصوري أسرى صور غير حقيقية عن مصر في ظل حكم أسرة محمد علي والاحتلال الأجنبي. لا أحكم على تصورهم، فهناك الآن من يتمنى لو أن مصرَ تعود للوراء أو يحتلها أجنبي. وهناك من رأوا في التغيير في منتصف القرن الماضي استعادة لقدرات مصرَ والمصريين، وهو ما شحذ همم أسطوات في كافةِ المجالاتِ والميادين، وأن نهاية عصر الأسطوات بدأت ما بعد حرب أكتوبر 1973 والتحول الذي شهدته مصرُ – مفروضًا من قمتها أيضًا.
واختتم كلماته "بما أن «آفة الرأي الهوى»، وأنا من جيلٍ عابرٍ بين الآراء، فالأهواء هنا متضاربة إلى حدٍ ما – لذا لا رأي حاسم سوى من التجربة الشخصية وبشكل أقرب للتصور الفردي الذي لا يجوز تعميمه.