شيدت مدفن مجاني لعابري السبيل
زينات صدقي.. كيف أطلقت ضحكات «السادات» المجلجلة؟
تحل اليوم الذكري العاشرة بعد المائة لميلاد فاكهة الكوميديا المصرية النسائية، إنها بنت بحري السكندرية، زينات صدقي، والتي ولدت في مثل هذا اليوم من العام 1912 بحي الجمرك بمدينة الإسكندرية.
بدأت زينات صدقي مسيرتها الفنية كراقصة ومونولوجيست، وهربت من أسرتها لتجيئ إلي القاهرة وتبدأ رحلتها الإبداعية التي مازالت حاضرة في أذهان ووجدان محبيها من مختلف الأجيال، عبر الأعمال الفنية التي قدمتها وخلدت ذكراها حتي اليوم.
ومن المواقف التى تنم عن نبل وأصالة معدن زينات صدقي تلك الفنانة العظيمة، ما حدث بعد رحيل المخرج «كمال سليم» عن 32 عاما، ولم يستكمل فيلمه الأخير «قصة غرام»، وكانت تشارك فيه زينات صدقي، فوفاة سليم لفتت انتباه زينات إلى ضرورة شراء مدفن للعائلة: «يعنى يا أمى لما أموت هتستنوا لما تسافروا بيا كل الطريق ده لحد إسكندرية؟» وبالفعل تشترى المدفن، لم تضع عليه لافتة تحمل اسم أسرتها، إنما كتبت عليه عبارة «مدفن لكل عابر سبيل»، وأوصت حارس المدفن أن يسمح بدفن أى إنسان ليس لديه مدفن خاص به أو بعائلته، وكان أول من دفن فيه هو زوجها السابق إبراهيم فوزى خاصة أن أحدا لم يستدل له على أقاربه أو أهله.
هكذا أجبرت زينات صدقي المؤلفين على كتابة أدوار كوميدية
يذهب الناقد الفني محمود عبد الشكور، في كتابه “وجوه لا تنسي”، إلي أن زينات صدقي أجبرت المخرجين والمؤلفين علي أن يكتبوا لها أدوارا كوميدية، رغم أنها كانت تقدم أدوارا جادة في بدايتها.
زينات صدقي هي خلاصة بنت الحارة المصرية التي تعوض قلة جمالها بلسان لا يتوقف عن الكلام، لاحظ كيف تستخدم كل حزء من وجهها، وليس من جسدها فقط: حرك الحاجب، حركة الفم يمسنا ويسارا، حركة اليد إلي أعلي الجبهة، ثم استمع إلي الإيقاع الذي تصنعه للعبارات، متي تتوقف في فاصل صمت، ومتي تلقي العبارات وراء بعضها وكأنها تلقي قصيدة عصماء؟ سبقتها الممثلة المكلبظة خفيفة الظل "إحسان الجزايرلي" في دور بنت البلد الظريفة والجدعة، ولكن زينات صدقي أنفردت بأداء دور العانس أو الباحثة عن عريس، مما أكسبها لمسة إنسانية إضافية. الإثنتان إحسان وزينات كانتا من المرتجلات، تضيفان إلي الحوار، الأولي سمينة والثانية نحيفة، قرر كتاب الأفلام أن يكتبوا لها مشاهد خاصة تتسم بالسجع “شرب نفسك ــ وكل نفسك ــ إدفع أجرة بيت نفسك”. زينات بالتحديد كانت تختار ملابسها وقبعاتها وأكسسواراتها الغريبة، لا يمكن أن تتصور أن يكون سيناريو “شارع الحب” أو “ابن حميدو” قد كتب دون تخيل زينات صدقي مسبقا، يقول أحمد رمزي من أول مشهد له في السينما كان أمام زينات صدقي في فيلم “أيامنا الحلوة”، كان يطلب منها فقط أن تخيط له زرار قميصه، ففوجئ بها تخطفه منه قائلة: “هات يا منيل”، فسقط من الضحك وباظ المشهد.
يروي أنها عندما التقت “السادات” وكان من أشد المعجبين بها في فرج ابنته في السبعينيات، تكعبلت قدمها، وكادت تسقط، فقالت لمن خلفها علي البديهة: “كده يا ولية ؟ كنت حاتوقعيني ع الجدع”، فأطلق السادات ضحكته المجلجلة المعروفة. تأثرت بأداء زينات صدقي الذي يعتمد علي تلقائية اللحظة ممثلات بعدها، أشهرهن وداد حمدي ونعيمة الصغير، أعتقد أيضا أنهما كانتا من المرتجلات مثلها.
في مقاطع الإلقاء العادية، التي تبتعد عن النبرة العالية التي أشتهرت بها، هي فقط يمكن أن تلمس حزنا دفينا في صوتها ثم سرعان ما تنساه، تنطلق في عرضها المنفرد، لتجعل من إيقاع الردح الشعبي، فنا ووسيلة للتعبير، ولكن وراء الكلمات قلبا أبيض من البافتة، هي إنسانة غلبانة تريد أن تعيش، أنها تؤمن فقط بالمثل القائل: “ألحقوهم بالصوت قبل ما يغلبوكم.”