«العيد»| من المتنبي لـ سمية عزام.. قصة الفرح المتجدد عبر الزمن
يمثل العيد بكل ما يحمله من تفاصيل أحد أبرز معالم وطقوس الفرح، فدلالة الكلمة لدى العرب لاتعني سوى الفرح والبهجة والانتصار، واستقبال حياة جديدة.
العيد في عيون كبار كتابنا بدء من أبرز شعراء العرب المتنبي وصولا لللناقدة اللبنانية سمية عزام وكيف عبروا عنه، وماذا كان يمثل لهم نسرده في التقرير التالي:
يقول المتنبي لسيف الدولة الحمداني في تهنئته بالعيد:
هنيئاً لك العيد الذي أنت عيده *** وعيد لكل من ضحى وعيدا
ولازالت الأعياد لبسك بعده *** تسلم مخروقاً وتعطي مجددا
فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى *** كما كنت فيهم أوحداً كان أوحدا
هو الجد حتى تفضل العين أختها *** وحتى يكون اليوم لليوم سيد
ومن المتنبي لصلاح جاهين والذي يغزل الفرح على صدر الموت ، ينحت تفاصيل الفرح فوق القبو ليقول.. عيد و العيال اتنططوا ع القبور..لعبوا استغمايه .. و لعبوا بابور.. و باللونات و نايلونات شفتشي.. و الحزن ح يروح فين جنب السرور
عجبي !!
أمل دنقل عن العيد والتصالح
ومن رباعيات جاهين لأمل دنقل والذي يؤكد رفضه للتطبيع عبر قصيدته لاتصالح يقول " «قلت لكم مراراً
إن الطوابير التي تمر..في استعراض عيد الفطر والجلاء..(فتهتف النساء في النوافذ انبهاراً)..لا تصنع انتصاراً."
نجيب محفوظ يروى مشاهداته عن العيد
وفي كتاب "أنا نجيب محفوظ" للكاتب الصحفي والمؤرخ الأدبي "إبراهيم عبد العزيز يقوول نجيب محفوظ: لقد حضرت في طفولتي عيد الأضحى في أكثر من مكان، أولا في حي الجمالية الذي ولدت به، ثم فيحي العباسية الذي انتقلنا إليه بعد ذلك، ثم حضرته في الكبر في أنحاء متفرقة من القاهرة والإسكندرية، لكن ذكرى العيد في الطفولة مازالت هي ذكرى الجمالية، فقد كنت أشاهد مباهجه حتى من قبل |أن يُسمح لي بالنزول إلى الشارع.
وأضاف محفوظ: فقد شاهدت من خلف مشربية شبابيك البيت ذبح الضحية بعد صلاة العيد بميدان بيت القاضي، ذلك الميدان الهادىء المليء بأشجار "ذقن الباشا"، كما شاهدت الزينات والأفراح التي لم يمض وقت طويل حتى كنت أشارك فيها بنفسي.
وعن العيد عند العقاد فقد عبر عنه في كتابه «الإسلام دعوة عالمية» عن عيد الفطر وحكمة الأديان من الأعياد الدينية الكبرى أنها تأتى بعد فترة يُمتحن فيها الإنسان في فضيلتين من ألزم الفضائل له في حياته الخاصة والعامة، وهما التضحية وضبط النفس ولعلهما ترجعان من مصدرهما إلى أصل واحد وهو حرية الإرادة وحرية الاختيار.
الناقدة اللبنانية سمية عزام .. العيد ودلالاته
يبدّل الزمن، بفعل حركة التطور، من سلوك الفرد والجماعات في المناسبات الدينيّة؛ ولا غرابة في الأمر حين نفهم أنّ الاحتفال، وإن كان طقسًا مرجعه شريعة روحيّة أو سرديّة عظيمة ذات طابع مقدّس، فهو لصيق بالثقافة الشعبية وبسلوكيات الجماعة الاجتماعية في مكان وزمان محددين. بمعنى أنّ الجماعات تخلع على الدين تقاليدها وتلبسه رداءها. ولا تبتعد عن هذه العلاقة المثلّثة (الديني-الاجتماعي) بالزمن مظاهر الاحتفال.
مع الوقت، ينسى الإنسان الجوهر والمعنى الروحي، ويتعلّق بالرموز، لتغدو الممارسات طقوسًا متوارثة ليس إلا. وما يعني هذه السطور تجلية القيمة الإنسانية لأي مظهر اجتماعي ذي أسس روحية. فالغاية ينبغي أن تكون وجهتها الإنسان المتواصل، مهما اختلفت أشكال تواصله.
بعيدًا من النوستالجيا إلى ما ندعوه "الزمن الجميل"، كأنّ الجمال وقف على زمن دون سواه، وأبعد من رومنسية تعترينا في الحنين إلى ماضٍ لأنه ابتعد ترغب الذاكرة في استعادته وحسب. فالمشترك الإنساني في الاحتفالات، بين العائلات الروحيّة، على اختلاف طبقاتها، هو التواصل، أو بتعبير ديني "صلة الأرحام"، وهو تقليد فرح. هذا ما نعوّل عليه، وهو منحى ينطلق من النزوع الإنساني الديني واللاديني على حد سواء، ولدينا رجاء أن يستمر.
قد يكون الفرد لادينيًّا ويمارس التقيّة في مجتمع متشدّد، وربما يطفو في ممارساته الدينية على السطح ويتمسّك بالقشور ويهمل العمق جهلًا به. غير أنّ الاجتماع في أي حال، تواصل، والعطاء لوجه الإنسانية، تعبير فرح، وأنّ الكلمة الطيبة فيها قوّة تغيّر المزاج والحال والمآل .
رباب كساب .. طفلة تنتظر صباحا
من جانبها ترى الكاتبة الروائية رباب كساب " العيد يعني لي كوني طفلة تنتظر صباحا يختلف عن أي صباح، ملبس جديد بات الليل في حضني وشوق للنهار الذي كنت أراه يأتي ببطء وأنا أتعجله، أطباق الكعك والبسكويت والبيتيفور التي تبدأ أمي رحلتها معهم منذ نصف رمضان، أكواب الشاي باللبن، العيدية التي كنا نأخذها وننطلق في رحاب مدينتنا الصغيرة، كانت أسعد لحظاتي حين أنقد الرجل عشرة قروش وأصعد على أرجوحته البسيطة لم تكن الأرجوحة القارب ولا الأحصنة التي تلف في دائرة، كنت أفضل ذات العوارض الخشبية المتدلي منها حبال تنتهي بقاعدة خشبية، أمسك بيدي الحبال الخشنة وأقف فوق العارضة وأتأرجح وكأنني ملكت الدنيا، لازلت أشعر بطعم السعادة كأنني لازلت طفلة تتأرجح.
وتتابع: "كنت أذهب للنشان ولكني لم أصب هدفا، في كل مرة أفشل في إصابة الهدف، ولم يكن أهنأ إلا حين أذهب للبحر، في بلدتنا كان يمر بحر شبين، ترعة كبيرة نصعد للقوارب الصغيرة مقابل ربع جنيه لصاحب القارب يمشي بنا في الماء حتى يدخل العيون المبنية أسفل الجسر، لم أكن أفهم سر فرحتي لكن فرحة العيد لا تكتمل إلا بنزهة القارب، لم يعد لهذا وجود وردمت ترعة بحر شبين بل وبني على أرضها مساكن ومدارس وقاعات أفراح، بيت جدتي الذي كان يستقبلنا جميعا فلا نكف عن الصياح واللعب والأكل والضحك المستمر، كنا نضحك ضحكا حقيقيا من قلوبنا، أما الآن فلم يعد لدي عيد خاص، لا أحب النزهات في المناسبات، لا أحب الزحام، أفضل العزلة كأنني أخذت في طفولتي ما يكفي كل أعياد عمري كله، لحظة العيد هي تلك اللحظة التي أحتضن فيها أولاد أخوتي وأعطيهم أنا العيدية وأرى في عيونهم وفي حضنهم فرحتي القديمة بالعيدية والعيد».