أجواء رمضان الاحتفالية وطقوسه المقدسة كما رصدها القنصل الأمريكي ألبرت فارمان
شغل ألبرت فارمان، منصب القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية في مصر، خلال الفترة من عام 1868 وحتي عام 1875، والذي ينقل لنا في يومياته وتقاريره الدبلوماسية طقوس الإحتفال بالمناسبات الدينية الإسلامية٬ معتبرا أن من أمتع المشاهد التي يشاهدها الأجنبي في القاهرة هي شهر رمضان .
ويعرف فارمان شهر رمضان لقارئه الغربي الذي لا يعرف شيئا عن شهر رمضان وطقوسه وما يعنيه للعرب والمسلمين بأنه: الشهر التاسع من شهور السنة العربية ويشتمل علي ثلاثين يوما خصصها المسلمون لفريضة الصيام٬ ولو أن المسلم متراخ في القيام بالفروض الرئيسية الدينية إلا أنه شديد التمسك بالصيام المفروض٬ فلربما ينسي القيام بالخمس صلوات في أوقاتها المعلومة ولكنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يفرط في صوم رمضان.يشرح فارمان لماذا يواظب المصريين علي تأدية فريضة الصوم وإن كانوا يتراخون عن بقية الفروض قائلا:وإنه ليعتقد أن القرآن قد أنزل علي محمد في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المعظم٬ ذلك الشهر الذي تفتح فيه أبواب السماء ويلبي الله فيه دعوات التائبين ويغفر لهم خطاياهم .
ثم يتناول ألبرت فارمان الفارق بين التقاويم الهجرية والقبطية والإفرنجية التي كانت مستعملة في مصر ويستخدمها جميع الأفراد علي إختلاف جنسياتهم ودياناتهم: "أي تاريخ هجري ثابت إذا ما نسبناه إلي تقويمنا الإفرنجي وجدنا أنه يأتي عادة مبكرا عن السنة الإفرنجية بأحد عشر يوما تقريبا٬ واليوم العربي يبدأ مع غروب الشمس والشهر العربي يبدأ من وقت ظهور الهلال.
ــ استطلاع هلال رمضان كما رصده ألبرت فارمان
ويلفت ألبرت فارمان إلي أنه: لإثبات أول يوم في رمضان يجب رؤية الهلال عمليا٬ وحقيقة ظهوره يجب أن تقرر بعد المغرب بقليل وهذا الأمر ليس بصعب في جو صاف كجو مصر٬ حيث يخرج الرجال إلي التلال العالية خلف القلعة وبمجرد أن يشاهدوا تمام الهلال من فوق جبل ليبيا يقفلون راجعين. ولا بد من إثبات ذلك كتابة بل لا بد من صدور قرار بشأنه وإعلانه علي أصحاب المقامات العالية الذين يجتمعون بمنزل القاضي. وسرعان ما تطلق المدافع من القلعة وتتحرك المواكب في مختلف أنحاء العاصمة مصحوبة بالموسيقي معلنة بدء صيام رمضان في كل مكان. وفي طليعة فجر اليوم الثاني يعلن المنادي الصيام في كل حي وعند بزوغ الشمس تسمع صوت المؤذنين من المآذن من مختلف أنحاء العاصمة(هاقد بدأ الصيام).
وفي محاولة لتقريب ما يعنيه الصيام للعقل الغربي يضيف ألبرت فارمان: وصيام المسلمين هو في واقع الأمر الأمتناع عن الطعام والشراب والتدخين ما بين شروق الشمس وغروبها طوال مدة الصيام٬ ولا يعفي من الصيام إلا المرضي والجنود في ميدان القتال. ويبدو أن طوال المدة التي مكثها ألبرت فارمان في مصر لاحظ مواكبة شهر رمضان لفصول الصيف أكثر من الشتاء معتبرا أن الصيام في ذلك الطقس تضحية عظيمة خاصة وما يصاحبه من إعتلال في مزاج المصريين أثناء فترة نهار رمضان وما ينعكس علي أعمالهم من فتور وإهمال: وبسبب قصر فصول الشتاء في مصر يأتي شهر رمضان في فصل الحرارة سنين متتابعة٬ هذا وإن الإمتناع عن الطعام والشراب في أيام قد إشتد فيها الحر والجفاف طوال شهر كامل من شهور فصل الصيف ليعتبر تضحية عظيمة. وهذا الإمتناع عن الطعام والشراب يؤثر في حالة الأهالي الطبيعية حيث تشاهد عليهم توعك المزاج من جهة العمل وسرعة التأثر والإنفعال الذي يسبب المخالفات في بعض الأحيان.
ثم يرصد ألبرت فارمان مظاهر الإفطار والأجواء الإحتفالية التي يختص بها شهر رمضان دونا عن غيره من شهور العام٬ سواء في الفضاء العام والبهجة المصاحبة لليالي رمضان٬ أو السهرفي المقاهي حتي الساعات الأولي من الصباح :"يعوض صيام النهار بإفطار الليل٬ وإنه لمن المؤلم أن يشاهد الإنسان في بعض الأحيان والناس يترقبون غروب الشمس بفروغ الصبر في يوم قد طال أمده واشتدت حرارته٬ وعندما توشك الساعات المضنية من النهار علي الإنتهاء ينتظرون في صمت مطبق دوي المدافع التي تطلق من القلعة معلنة أن الصيام قد انتهي ٬ حينئذ تشعل السجائر ويعد البلح والفاكهة وتكثر الطلبات علي حمالي المياه حيث أن الظمأ هو أول ما يجب إطفاؤه في مثل هذه اللحظة٬ هنالك يلقي العامل عدته ويقفز سائق العربة من عربيته والجمال من فوق جمله٬ والكل ينتظر بفروغ صبر جرعة من ماء النيل المقدس. وعندئذ يأتي الإفطار حيث ينغمس كل شخص فيما أعد الله له من نصيب.