لتأسيس الدولة العثمانية.. إندونيسيا بوابة أنقرة لوضع قدمها فى شرق آسيا (تقرير)
بعد لقاء وزيرة الخارجية الإندونيسية، ريتنو مارسودي، مع نظيرها التركي مولود جاويش أوغلو، يوم الثلاثاء 22 ديسمبر الجاري، خرجت منه معلنة أن أردوغان سيزور إندونيسيا في عام 2021، وقالت، في مؤتمر صحفي افتراضي كان قد عقد في نفس اليوم مع نظيرها التركي: "إنها زيارة عودة للرئيس أردوغان بعد زيارة الرئيس جوكو ويدودو لأنقرة في عام 2017".
وأضافت وزيرة الخارجية الإندونيسية أن الزيارة من شأنها أن تنقل العلاقات بين إندونيسيا وتركيا إلى مستوى جديد، فكلا البلدين يتطلعان إلى إنشاء مجلس استراتيجي رفيع المستوى لمناقشة الاستراتيجيات الثنائية والإقليمية متعددة الأطراف بشكل منتظم، لكن، هل ستكون زيارة أردوغان لجاكرتا للتعاون فحسب؟ أم أن تركيا تتطلع لجعل إندونيسيا داعمًا لها في شرق آسيا مثلما هو الحال مع قطر؟.
للإجابة عن السؤال، أجرى "أمان" لقاءً عبر الهاتف مع الباحث في شئون الإرهاب أحمد عطا، والخبير والباحث السياسي عمرو فاروق، والباحث في الجماعات الجهادية والإسلامية مصطفى أمين، لمعرفة ما هو وراء زيارة أردوغان المتوقعة.
وقال الباحث السياسي عمرو فاروق إن تركيا تسعى لصناعة ما يسمى الشبكات السياسية الكبرى، والتي تقوم على الدعم اللوجستي والتعاون العسكري والتعاون الاقتصادي لتعزيز موقفها، مضيفا أن أردوغان يعمل على إيجاد شركاء استراتيجيين له في منطقة شرق آسيا وتعزيز سياسته التوسعية في تلك المنطقة عن طريق استهداف الأقليات الإسلامية الموجودة والمسلمين بشكل عام ومحاولة ضمهم إلى صفه.
وأشار "فاروق" إلى أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي عانت منها تركيا نتيجة للمقاطعة التي تلقتها من بعض الدول العربية، بسبب التجاوزات التي بدرت منه في منطقة الشرق الأوسط وصراعه مع مصر وقبرص واليونان، ثم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فإن أردوغان يحاول الآن فتح سوق جديدة له خاصة بعدما كانت المملكة السعودية إحدى أهم الدول التي تستقبل واردات المنتجات التركية في المنطقة.
وحول الأهداف السياسية لأردوغان، قال الباحث السياسي إن أردوغان يسعى لإيجاد ما يسمى الدولة العثمانية الكبرى أو الدولة العثمانية الجديدة، والتي يحاول- أردوغان- أن ينصب نفسه زعيمًا عليها، وأن يقوم بها عن طريق التوسعات الإقليمية؛ لذا، نجده يحاول أن يقيم علاقات مع جميع الدول، وهو يحاول أن يستند إلى الجزء التاريخي في مسيرته والاحتلال العثماني الأقدم وعلاقاته المتأصلة تاريخيًا مع بعض الدول في شرق وجنوب آسيا، فبعض القبائل هناك لها أصول تعود إلى الدولة العثمانية الأولى، مشيرا إلى أنه يحاول اللعب على المفهوم والأيديولوجية الدينية في إندونيسيا، خاصةً أن الغالبية العظمى من سكانها من المسلمين.
من جانبه، يرى الأستاذ أحمد عطا، الباحث في شئون الإرهاب، أن أردوغان يحاول التحرك في شرق آسيا عن طريق نقاط ارتكاز، منها السياسي ومنها العسكري، أبرز تلك النقاط التي تحرك لها أردوغان كانت في نوفمبر 2019، حيث وقّع أردوغان على مذكرة تعاون عسكري مع حكومة السراج وأخرى لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، ثم محاولته قبل ثورة 30 يونيو 2013 لشراء جزيرة في السودان، وتأسيسه جامعة إسلامية على الحدود الألبانية الإيطالية بتكلفة 3.5 مليار دولار بالتعاون مع قطر، والتي سيتم افتتاحها قبل نهاية 2021.
وتابع "عطا": "من ناحية اتجاه أردوغان لإندونيسيا ودول شرق آسيا التي تحمل صبغة إسلامية معتدلة كما وصفها، فمعنى هذا أن هناك مشروعا قد تحرك بالفعل في عام 2019 لاستعادة الخلافة من ناحية، والتأكيد على دور الدولة الجهادية العظمى برعاية قطر وتركيا وتنظيم الدولة وجماعة الإخوا"، مضيفا: "عندما يتحرك أردوغان نحو إندونيسيا فهو يحاول أن يخلق أذرعًا سياسية وحالة من التفاهم والتعاون في إطار سياسي واقتصادي، ليليه بعد ذلك تعاون عسكري كما فعل مع حكومة فايز السراج، فلهذا مشروع الدولة الجهادية العظمى هوهدف لقطر وتركيا، حتى وإن أعلنت تركيا غير ذلك".
في حين قال الأستاذ مصطفى أمين، الباحث في الجماعات الجهادية والإسلامية، فإنه من الطبيعي أن يحاول أردوغان مد نفوذه وعلاقاته مع دول شرق آسيا الإسلامية الكبيرة، مثل إندونيسيا وماليزيا، لأن البيئة في تلك الدول مهيأة لمسألة وجود نفوذ ديني وللمشروع الأردوغاني الإسلامي بشكل عام.
وأضاف "أمين": "لكن، أعتقد أن هذه الدول تملك نفس المقدار من نوع من الوضوح في العلاقات الخارجية والمشروع الإسلامي بشكل عام، وبالتالي، المسألة لن تخرج من سياق توثيق العلاقات مع تلك الدول، دون مد نفوذ أردوغان الواضح لها، لأن هذه الدول تحاول الحفاظ على الخط المحافظ، لكنها أيضًا تحاول الحفاظ على العلاقات الجيدة مع جميع دول العالم الإسلامي الكبيرة، منها مصر وباكستان وإيران وتركيا."
وأشار إلى أن زيارة أردوغان لن تخرج عن الزيارة التقليدية، وأردوغان لن يحقق من تلك الزيارة ما يصبوه من محاولة لمد النفوذ التركي إلى منطقة جنوب شرق آسيا، فالنفوذ الديني في تلك الدول، وبالأخص إندونيسيا ثم ماليزيا، نفوذ قوي، وبالتالي، هم يميلون للإسلام المتدين أكثر من الإسلام الذي يهدف لتحقيق مشروع سياسي والذي يمثله أردوغان وجماعة الإخوان الإرهابية، فإذا كان أردوغان من خلال زيارته يسعى بالفعل إلى تحقيق نفوذ في تلك المنطقة، فلن يحقق ما يصبو إليه، لأن تلك الدول لديها قرار مستقل وتوجه ديني بعيد بعض الشيء عن مشروع أردوغان.