«جيوش البوت».. كيف تُنشئ هاشتاجًا ضمن الأكثر تداولًا على «تويتر» وتستغله سياسيًا؟ (تحقيق)
خلال سنوات الربيع العربي حدث ما يشبه الطفرة لمواقع التواصل الاجتماعي، والتي ربما كانت المحرك الرئيسي للحشد الشعبي والتعبير عن النبض الحقيقي للمجتمع، لاسيما موقع التدوينات الصغيرة "تويتر"، الذي منح ميزة إضافية هي إمكانية عدم الظهور بالشخصية الحقيقية للأفراد كما هو الحال مع "فيسبوك".
تلك الميزة بمرور السنوات تحولت إلى وسيلة يستخدمها البعض للخداع والتضليل وربما إظهار تأييد أو معارضة وهمية لأشخاص أو أفكار أو ما شابه، تحول "تويتر" إلى منصة للتعبير السياسي، لاسيما مع ظهور "الهاشتاج" أو الوسم الذي يجتمع عليه مجموعة أفراد في سياق ما للتعبير والمناقشة.
وأصبح الآن وصول هاشتاج في دولة ما إلى قائمة الأكثر تداولًا دليلًا على أهمية القضية محلّ النقاش، وتعبيرًا عن مدى التفاعل تجاهها سواء بالتأييد والمشاركة في نشر الهاشتاج أو الرفض وعدم التفاعل معه، لكن ذلك الأمر أصبح يشوبه خروقات على يد مجموعات الذباب الإلكتروني أو ما يعرف بـ"البوت".
ما هو البوت؟
تعرف شركة "Duo Security"، المتخصصة في خدمات التحقق من الهوية، البوت بأنه برنامج يشبه الروبوت يستطيع التحكم في مئات الحسابات الوهمية على موقع "تويتر"، لاستخدامها في عملية تغذية هاشتاج ودفعه إلى قائمة الأكثر تداولًا من خلال نشر تغريدات على ذات الهاشتاج أو إعادة التغريد.
كل تلك الحسابات غير الحقيقية، التي تعود إلى حساب واحد فقط حقيقي، في النهاية تعطي للرأي العام انطباعًا وهميًا بأن هناك تفاعلًا ما على ذلك الهاشتاج من رواد السوشيال ميديا، رغم أنه لا يخرج عن كونه ذبابا إلكترونيا يتحكم فيه شخص واحد فقط.
دلائل معرفة الحسابات الوهمية التي يديرها "البوت"
في أواخر نوفمبر، خرجت ورقة بحثية من المختبر الرقمي للأبحاث الجنائية DFRLab، تحذر من خطورة البوت، وتضع 12 طريقة لمعرفة الحسابات الوهمية التي تديرها مجموعات الذباب الإلكتروني والتي يكون تفاعلها على هاشتاج ما غير حقيقي.
في البداية تصف الورقة البحثية الطريقة الأولى بأنها أسهل طريقة للتحقق ما إذا كان الحساب ليس "بوت"، عبر الاطلاع على التغريدات التي كتبها، ووضعها في شريط البحث على تويتر، فإذا كانت التغريدات التي تم العودة إليها لم يتم نسخها من مستخدم آخر فذلك الحساب ليس بوت على الأرجح.
تتبع 50 حسابًا على موقع تويتر على هاشتاج "نازلين مش خايفين"
طبقنا تلك الدلائل التي تؤهلك لمعرفة إذ كان الحساب المتفاعل على الهاشتاج يعود إلى بوت أم حساب حقيقي، على 50 حسابا بموقع "تويتر" تفاعل على هاشتاج "#نازلين_ مش_خايفين" سواء بالتغريد أو إعادة التغريد، وهو الهاشتاج الذي أطلقه عدد من مؤيدي جماعة الإخوان الإرهابية في 20 سبتمبر الماضي من أجل التظاهر والنزول إلى الشارع.
وجدنا ثلاث دلائل من التي ذكرتها الورقة البحثية السالف ذكرها من المختبر الرقمي للأبحاث الجنائية، تنطبق وتتشابه على الحسابات التي تتبعناها وتفاعلت على ذلك الهاشتاج، كنموذج لإدارة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي عبر البوت.
اللافت للنظر والمشترك بين الحسابات هي أنها حديثة النشأة تم إضافتها مؤخرًا إلى تويتر، وعليها عدد قليل من المتابعين ولا تحوي أي تغريدات سوى تلك التي شاركت في التفاعل على الهاشتاج مما يعطيك شعورا بأنها أنشئت خصيصًا لذلك اليوم.
ثالث تلك الدلائل هي أن جميع الحسابات المسلسلة التي تفاعلت على هاشتاج "نازلين_مش_خايفين" وتتبعناها، لا تحمل أسماء الأشخاص، ولكن بعضها كان رموز أو حرف بلا معنى أو مصطلحات مثل: "مش هغير اسمي، عودة فاطمة كشري، بياع جرجير"، وهكذا دون أن تحوي أي معلومات شخصية عن صاحبها.
البوت يتحكم في اللعبة السياسية بدول العالم
ما يعزز أن البوت أصبح لاعبًا أساسيًا في المعترك السياسي، الدراسة التي قام بها أربعة علماء تحليل بيانات في جامعة كورنيل الأمريكية خلال يوليو العام 2015، بعنوان "البوت السياسي والتلاعب بالرأي العام في فنزويلا".
الدراسة فجّرت قضية أثارت الرأي العام وقتها، بعدما كشفت عن استخدام النظام الحاكم في فنزويلا برامج "البوت" في الدعاية السياسية، وخلق صورة زائفة من التأييد الشعبي الواسع للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على تويتر، بإظهار كتل تأييد واسعة لرؤى الرئيس.
وفي دراسة بحثية نشرت العام 2019، أجراها باحثون في جامعة "ساذرن كاليفورنيا" تتبعت حوالي 250 ألف حساب على تويتر، نشرت تغريدات تتعلق بمواضيع سياسية أو بالانتخابات التي أجريت عامي 2016 و2018، خلصت إلى أن 12.6% أي حوالي 31 ألف حساب كانت حسابات من نوعية "بوت".
الأمر ليس صعبًا أن تنشئ هاشتاج وتتحكم فيه عبر الحسابات الوهمية باستخدام البوت ودفعه إلى قائمة الأكثر تداولًا، فهناك أدوات بحثية تساعدك على ذلك وتطبيقات أيضًا، إذ تحوي أداتي "Twitterarchiver، hashtagify"، تقنية تسمى إعادة التغريد من خلال الكلمات المفتاحية.
تلك التقنية تقوم على تغذية البوت بكلمات مفتاحية معينة تخص الهاشتاج المراد توصيله لقائمة الأكثر تداولًا، بحيث يرصد أي تغريدة تحوي تلك الكلمات المفتاحية حتى يعيد نشرها على كل الحسابات المربوطة به تلقائيًا دون الحاجة إلى التدخل البشري.
كما أن هناك تطبيقات تسهل عمل البوت، مثل تطبيقيّ TweetDeck وRound Team الذي يمكنه ربط حساب رئيسي واحد بعدد من الحسابات الأخرى الوهمية، ويرصد التطبيق أي تفاعل على الحساب الرئيسي، ويعيده تلقائيًا على الحسابات الأخرى المربوطة به من خلال جدولة التغريدات وبناء مجموعات تغريدات.
هل ساعدت سياسة تويتر على انتشار "البوت"؟
لا يحظر موقع "تويتر" استخدام البوت بطريقة حازمة، ولكنه يتيح استخدام تطبيقات البوت للتغريدات الآلية السالف ذكرها، وفق عدد من الشروط والضوابط المعلنة في سياسته، والتي من بينها السماح باستخدام البوت في الحملات الدعائية أو التوعوية.
لا يملك تويتر آلية لذلك، لكنه في مارس الماضي أعلن عن سياسة جديدة للتعامل مع البوت، إذ ناشد الموقع المطورين الإشارة إلى حساباتهم الآلية من خلال مساحة التعريف الموجودة في ملف الحساب الشخصي والإظهار للجمهور أن الحساب عبارة عن بوت.
200 مليون حساب وهمي على تويتر
نتاج التوسع في استخدام البوت دون آلية واضحة، يظهر جليًا في وجود 15% من الحسابات على تويتر عبارة عن بوت، وإذ كان هناك 319 مليون مستخدم نشط على موقع تويتر كما أعلن، فمن المقدر أن 48 مليونا منهم عبارة عن بوت.
وإلى أبعد من ذلك، هناك تقدير خرج من شركة Ghost Data بأن عدد الحسابات الوهمية على تويتر هي 200 مليون حساب ونسبة مستخدمي تويتر الحقيقيين لم يتجاوزوا 40% من العدد الإجمالي للمستخدمين في تويتر حول العالم، وأن البوت يشغل نحو 15% من الحسابات الحالية.