خلافة داعش.. غيبوبة مؤقتة أم نهاية لمسرحية كبيرة؟
في التاسع والعشرين من يونيه عام 2014م أعلن أبو بكر البغدادي نفسه خليفة للمسلمين من المسجد الكبير بالموصل العراقية، تحت اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" والتي يطلق عليها اختصارا تنظيم"داعش"، وكان ذلك التاريخ بمثابة نقطة تحول كبير في كل من العراق وسوريا وعدد من البلدان الإسلامية التي ظهر فيها التنظيم ومارس داخلها عمليات إرهابية غير معهودة من قبل.
وفجأة وبمقدمات غير مقنعة أعلن الرئيس الأمريكي قرب نهاية التنظيم وانتهاء الخلافة، والقضاء على إمبراطورية البغدادي، بطريقة دراماتيكية بدأت على أثرها قوات سوريا الديمقراطية الإعداد لحفل تخرج التنظيم من قرية الباغوز والذي بثته على الهواء مباشرة الأسبوع الماضي؛ لتعلن للعالم الانتهاء الفجائي للتنظيم وسيطرتها على آخر معاقله في سوريا برعاية أمريكية.
وهنا يأتي التساؤل الأبرز حول مصير عناصر وقيادات التنظيم الذين لم تُظهر قوات سوريا الديمقراطية خلال المعركة الأخيرة في الباغوز السورية والتي كتبت- بحسب قسد- نهاية داعش- ولو اسما واحدا من قيادات التنظيم، فهل سقط داعش في غيبوبة مؤقتة، أم أن المسألة تعد نهاية مسرحية كبيرة كتبت فصولها بيد تريد أشياء أخرى، وأن هناك موسما آخر يظهر فيه التنظيم بثوب جديد، وفي مناطق أخرى من العالم.
خبراء كثيرون ومراقبون دوليون أكدوا أن معركة الباغوز لم تكتب نهاية لـ "داعش"، وأن الهزيمة العسكرية التي تلقاها التنظيم في الباغوز لن تمحوه من الوجود، ولذلك تظل كلمات أبو الحسن المهاجر المتحدث الرسمي باسم التنظيم، في موضع الجدية التي لابد من وضعها في الاعتبار ، والتي أكد فيها أن خسائر التنظيم في آخر معاقله بالباغوز مجرد "انحياز إلى فئة"، وليست خسارة، وأن التنظيم يترقب "ساعة الحسم"، وأن التهديد سيظل قائما، وأن جنود الدولة مازالوا متناثرين في سوريا والعراق، وأن الدولة الإسلامية تتنامى في أنحاء أخرى من العالم".
خريطة التنظيم في العالم
ويعكس الواقع
العملي هذه المقتطفات من آخر كلمة للمتحدث الرسمي باسم التنظيم الإرهابي، فالتنظيم
بالفعل منتشر في مناطق كثيرة من العالم سواء في شكل تنظيمي أو ذئاب منفردة تتبع
أيديولوجيا وفكريا فقط لمنهج التنظيم دون ولاء رسمي له، وبنظرة يسيرة على خريطة
توزيع التنظيم في العالم يمكن أن ترى أن هناك مراكز قوى بعضها يتعرض لمواجهات شرسة،
تكبل يديه وتعرقل تقدمه ولا تسمح له بإنشاء بؤرة أخرى كسوريا والعراق، إلا أن بعضها
يحاول الظهور في مظهر القوة لكن يفتقد إلى الإمكانيات المناسبة لذلك.
الساحة الإفريقية
وتعد الساحة الإفريقية ابرز أهم المناطق التي تظهر فيها بوضوح البؤر التنظيمية لداعش التي ينافس فيها التنظيمات والجماعات الموالية للقاعدة، على وجه الخصوص، باحثا عن موطئ قدم له، وتشير الأرقام إلى وجود نحو 6000 مقاتل للتنظيم في إفريقيا، تمثل أكبرها فيما يسمى ولاية غرب إفريقيا التي بدأت بانشقاق أبو بكر شيكاو الذي بايع البغدادي في 2015م والذي حل محله أبو مصعب البرناوي ابن مؤسس بوكو حرام التابعة في الأساس لتنظيم القاعدة، وتمتلك ولاية غرب إفريقيا أكثر من نصف عناصر التنظيم في القارة السمراء لكن الجيش النيجيري يلعب دورا كبيرا في تحجيمه والحد من عملياته بما يجعله عاجزا عن تحويل نيجيريا إلى نقطة مركزية له أو إعلان الخلافة من هناك.
وتتضاءل أعداد
عناصر التنظيم في المناطق الأخرى منها الصحراء الكبرى والصومال، التي ينافس فيها
تنظيم القاعدة بعد انشقاق عبدالقادر مؤمن عضو حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة،
وإعلان بيعته للبغدادي في 2015، إلا أن أعداد المنضمين لولاية شرق إفريقيا تعد
ضئلة للغاية؛ إذ تشير التقديرات إلى أنها لا تتجاوز 500 عنصر، تنفذ عمليات خاطفة
في المناطق التي تشهد صراعات أمنية وسياسية في الصومال، ومالي وغيرهما من دول
القلب الأفريقي.
ويحاول
التنظيم التأكيد على وجوده في الجزائر، التي تعد أول محطاته في إفريقيا، لكن
الفصائل الأخرى تجعله الأقل تأثيرا، إضافة إلى يقظة الجيش الجزائري في التصدي لأية
بؤرة تظهر للتنظيم، وكذلك الحال في ليبيا التي كان يتوقع كثير من المحللين
والخبراء أن تكون الوجهة أو القبلة الثانية لتنظيم داعش بعد العراق وسوريا إلا أن
الواقع يشير إلى أن أعداد عناصر التنظيم في ليبيا قليلة للغاية، ولا يمكن التعويل
عليها في ظل الضربات العسكرية التي يواجهها ودخوله في صراعات مع الفصائل الأخرى منه
الأكثر قوة.
عملية سيناء2018
أما في سيناء،
فقد أثبتت العملية العسكرية سيناء 2018م التي تقودها القوات المسلحة بالتعاون مع
وزارة الداخلية، نجاحات كبيرة في كبح جماح عناصر التنظيم التي كانت تسعى لإنشاء ما
يمسى ولاية سيناء في أرض الفيروز، وابرز مثال على ضعف عناصر التنظيم فيها هو
اعتماده في دعايته على الإصدارات والمشاهد القديمة مثلما ظهر في الإصدار الأخير
الذي أطلق عليه "عهد وثبات"، وهو ما يؤكد إفلاس التنظيم وتهاويه أمام
القبضة الحديدية للأمن المصري.
داعش في آسيا
تبقى ولاية
خرسان أملا أخيرا للتنظيم في آسيا، والتي أعلن عنها أبو بكر البغدادي أمير داعش في
يناير 2015، لتكون فرعا لخلافته المزعومة في أفغانستان التي بدأت تتجه إليها
الأنظار بعد تحرير الموصل من التنظيم في يوليو 2017، كبديل مباشر للخلافة، وتمتلك
ولاية خرسان قدرات تسليحية وبشرية غير الموجودة في إفريقيا، إلا أنها أيضا تواجه
تحديات كبيرة على الأرض، خاصة في المنافسة الكبيرة بينه وبين حركة طالبان، إضافة
إلى مساومات قوات حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة مع الحركة من أجل التعاون
على القضاء على داعش، وكذلك المواجهات المباشرة مع القوات الأفغانية.
والحال نفسه في اليمن، فالتنظيم
الإرهابي ترك شعاراته التي يحملها من أجل محاربة ما يسميهم "الرافضة" في
العراق وسوريا، ولم ينشغل بالحوثيين، لينشغل في خصومة مباشرة مع تنظيم القاعدة فرع
اليمن.
تحديات كبيرة
ومع ذلك فيرى مراقبون أن تهديد التنظيم سيظل قائما، وأن ما يعيشه الآن مجرد غيبوبة يمكن أن يفيق منها، لأن جنوده
مازالوا متناثرين في سوريا والعراق، وأن داعش يتنامى في أنحاء أخرى من العالم.
ويعتقد توماس
بيريت، الباحث في المركز الوطني للدراسات الفضائية ، المتخصص في الحركات الإسلامية
والصراع السوري ، أن التنظيم الإرهابي سيكون قادرا على الاعتماد على قدراته على
التجديد وسيطرته على الأرض.