أسرار صوفية المغرب.. «مولاي بوشعيب» قبلة العاقرات وأصحاب الحاجات
تتمتع المملكة المغربية بوجود الكثير من الطرق الصوفية، ذات الطقوس الغريبة، والتي تدور كلها حول شخصية شيخ الطريقة، ومنهم "مولاي بوشعيب الرداد، الملقب بـ"بعطاي العزاري" "منقذ العاقرات"- أي مانح الذرية من الذكور-، يعرف بـ"أبو شعيب أيوب بن سعيد الصنهاجي"، وقد عاصر دولة المرابطين، ولد عام 463هـ، بقرية أيير، الواقعة في مدينة "آسفي" المغربية، وعاش في مدينة "أزمور" وأحد أوليائها المشهورين، وتتميز المدينة عن باقي المدن المغربية بتعدد المؤسسات الدينية من مساجد وزوايا وأضرحة.
ففي كتاب "الدر النفيس والنور الأنيس في مناقب الإمام إدريس بن إدريس" لمؤلفه الإمام أبي العباس أحمد بن عبدالحي، المتوفي سنة 1120هجرية، في الجزء الثاني من الكتاب، يعرف "بوشعيب" بـ"أبو شعيب السارية من أكبر مشايخ المغرب، وكان فيما رُوي فقيهًا صالحًا"، كنيته "أبو شعيب"، واسمه "أيوب بن سعيد الصّنهاجي" المعروف بـ"السارية"، وتوفي سنة 561هجرية، وكان من الأبدال وأخباره مشهورة مذكورة.
وتابع: من شيوخه "أبو علي منصور بن إبراهيم المسطاطي" المتوفي بأزمور ودفينها سنة 540 هجرية، و"أبو ينور عبدالله ابن وكريس الدكالي" دفين المدينة المعروفة باسمه سيدي بنور، المتوفي عام 561هجرية، ودفن بأزمور، وضريحه مشهور مقصود للزيارة من كل أنحاء المغرب.
أخد "بوشعيب" الطريقة عن أبي ينور عبد الله بن واكريس، في زمن يوسف ابن تاشفين، فتأدب بآدابه وتعرف على أسراره وأنواره وتخلق بأخلاقه حتى بلغ مقاما عاليا في الولاية والمعرفة والتصوف.
بدأ حياته معلمًا للقرآن الكريم في إحدى قرى دكالة -المنطقة التاريخية التي تقع بين الدار البيضاء شمالا ومراكش شرقًا وعبدة جنوبًا والمحيط الأطلسي غربًا، وعاصمتها مدينة الجديدة-، وكان يدخل الكتاب وهو متكأ على عصاه ويظل واقفًا إلى أن ينصرف عن مجلسه الصبيان.
ويقال عن "بوشعيب"، أنه التزم العبادة والزهد إلى أن ظهرت على يديه كرامات، وكان يحاول إخفاءها كي لا تبدو منه أمور تميزه عن غيره، وكان إذا دخل الصلاة أطال فيها متعامدًا مع سواري المسجد أو الزاوية، حتى أنه سمى نفسه بـ"أيوب السارية".
وعرف عن "بوشعيب" بـ"السارية" لكونه كما قال الصومعي "إذا وقف في الصلاة قد لا يحس بشيء ويطيل القيام وكأنه سارية واقفة، ولذلك قيل له السارية".
وعقب تعلمه التصوف على يد أكثر من شيخ، رحل إلى مراكش المغربية عام 541هجرية، وذلك بعد خلاف مع والي المرابطين آنذاك، ليعود إلى بلده ويؤسس بها زاويته الأشهر، إلى أن توفي سنة 561هجرية عن عمر يناهز 98 عاما، ودفن بالضريح الموجود حاليًأ بمدينة "أزمور".
ويرى مريدو "بوشعيب"، أنه من أهم طقوس زيارته أن تتوفر النية وطلب التسليم، بالإضافة إلى اقتناء الشموع عند الولوج على باب الضريح، لتبدأ بعدها الطقوس المعتادة بتقبيل الجدران، وبث الشكاوى، والطلبات، جهرًا أو سرًا، كما ينشد مريدو "بوشعيب"، الأوراد الصوفية أثناء موسم الاحتفال به، وخلال الزيارة السنوية.
أما المرأة المغربية المتبعة لطريقة "بوشعيب، ومريدة ضريحه في مدينة أزمور، فإنها تقصده من أجل التوسل له بغية الحفاظ على زوجها من هجرها أو الزواج عليها، فيما تأتي المرأة العاقر التي لا تلد، أو المرأة التي تريد إنجاب الذكور للضريح لطلب بركة الولي وتفتح حزامها داخل الضريح وتتركه هناك ليلة لأجل بركة الوالي المخصبة وحل عقدة العقم فيكون الإنجاب، بحسب اعتقادهن.
وبحسب مزاعم مريدي "بوشعيب"، فإنه خلال موسمه يتم استقطاب العديد من الزوار والمريدين، الذين يأتون للمدينة لحضور فعالياته ، ويجسد طقوسًا احتفالية دينية عريقة في مناخ مشبع بالعطور والبخور والفرح وحافظ رواده على تنظيمه على مدى سنوات بل وعقود حتى صار تقليدًا دينيًا لا يمكن لأي منهم ان يهمل هذه المناسبة، أو يتخلى عن إحيائها بالمقدار الذي تسمح به إمكانياتهم وظروفهم، بالإضافة إلى تحملهم الصعاب ومواجهة المشاق من أجل إقامة شعائره، لكنهم لا يتراجعون عن هذا الموسم، بالإضافة إلى إقامة الأعراس أمام الضريح كما كانت العادة قديمًا بقصد إشهار الزواج.