علي جمعة: من ينكرون وجود قبر السيدة زينب فى مصر هم خصوم أهل البيت
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن السيدة زينب الكبرى رضي الله عنها، أمها هي السيدة فاطمة البتول، بضعة سيدنا الرسول ﷺ، وأبوها هو سيف الله الغالب سيدنا عليُّ بن أبي طالب رضى الله عنه، وجدتها هي السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله تعالى عنها، وأخواها الشقيقتان، الإمام أبي محمد الحسن، والإمام أبي عبدالله الحسين رضي الله عنهم جميعًا، ووُلدت بعد مولد سيدنا الحسين بسنتين، ويقال إن كلاهما ولد في شهر شعبان، أمَّا هي ففي السنة الخامسة أو السادسة للهجرة، فعاصرت إشراق النبوة عِدَّةَ سنوات، وسَمَّاهَا الرسول ﷺ «زينب»؛ إحياءً لذكرى ابنته (السيدة زينب) ومعنى زينب: الفتاة القوية المكتنزة الودودة العاقلة، واشتهرت السيدة زينب بجمال الخِلقة والخُلُقِ، اشتهارها بالإقدام والبلاغة، وبالكرم وحسن المَشُورَةِ، والعلاقة بالله، وكثيرًا ما كان يرجع إليها أبوها وإخوتها في الرأي، ويأخذون بمشورتها؛ لبُعْدِ نظرها وقوة إدراكها.
وأوضح “جمعة” عبر صفحته الرسمية، تزوجت بابن عمها عبدالله بن جعفر (الطيَّار) بن أبي طالب، وكان عبدالله هذا فارسًا شهمًا نبيلًا كريمًا، اشتهر بأنه (قطب السخاء)، وهو أول طفل ولد أثناء الهجرة الأولى بأرض الحبشة، وهو يكبُر (زينب) بخمس سنوات؛ أى إنه عاصر إشراق النبوة عشر سنوات، ومنه أنجبت ذكورًا وإناثًا، ملئوا الدنيا نورًا وفضلًا، وهم: جعفر، وعلي، وعون الكبير، ثم أم كلثوم، وأم عبدالله، وإليهم ينسب الأشراف الزَّيَانِبَة، وبعض الأشراف الجعافرة.
وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية قائلا: ولمَّا خرج الإمام الحسين رضى الله عنه في جهاد الغاصب الفاسد (يزيد بن معاوية) شاركته السيدة زينب في رحلته وقاسمته الجهاد، فكانت تثير حَمِيَّةَ الأبطال، وتشجع الضعفاء، وتخدم المقاتلين، وقد كانت أبلغ وأخطب وأشعر سيدة من أهل البيت خاصة، والنساء عامة في عصرها، ولما استشهد سيدنا الحسين وساقوها أسيرة مع السبايا، وقفت على ساحة المعركة، تقول: «يا محمداه! يا محمداه! هذا الحسين في العراء، مزمَّل بالدماء، مقطع الأعضاء، يا محمداه! هذه بناتك سبايا، وذريتك قتلى، تسفي عليها الرياح»، فلم تبقَ عين إلا بكت، ولا قلب إلا وجف.
كما كانت لها مواقفها الجريئة الخالدة مع ابن زياد ومع يزيد، وبها حمى الله فاطمة الصغرى بنت الحسين من السبي والتَّسَرِّي، وحَمَى الله عليًّا الأصغر زين العابدين من القتلِ، فانتشرت به ذرية الإمام الحسين، واستمرَّت في الثورة على الفساد ولا تزال، ولقبت زينب بلقب (بطلة كربلاء زينب).
وأضاف " جمعة" قائلا رحلتها من المدينة إلى مصر ووفاتها:
وَلَمَّا أعادوها رضي الله عنها إلى المدينة المنورة بعد أن استبقَوا رأس الحسين بدمشق ليطوفوا به الآفاق؛ إرهابًا للناس، أحسُّوا بخطرها الكبير على عَرْشِهِم، فاضطروها إلى الخروج، فَأَبَتْ أن تخرج من المدينة إلا محمولة، ولكن جمهرة أهل البيت أقنعتها بالخروج، فاختارت مصر لما علمت من حب أهلها وواليها لأهل البيت، فدخلتها في أوائل شعبان سنة 61 من الهجرة، ومعها فاطمة وسكينة وعلي أبناء الحسين، واستقبلها أهل مصر في (بُلْبَيْس) بُكَاةً معزِّين، واحتملها والي مصر (مسلمة بن مخلد الأنصاري) إلى داره بالحمراء القُصوى عند بساتين الزهري (حي السيدة الآن)، وكانت هذه المنطقة تسمى (قنطرة السباع) نسبة إلى القنطرة التي كانت على الخليج المصري وقتئذ، فأقامت بهذه الدار أقل من عام عابدة زاهدة تفقه الناس، وتفيض عليهم من أنوار النبوة، وشرائف المعرفة والبركات والأمداد، حيث توفيت في مساء الأحد (15 من رجب سنة 62هـ)، ودفنت بمخدعها وحجرتها من دار (مَسْلَمَةَ) التي أصبحت قبتها في مسجدها المعروف الآن. وقد توفيت، وهي على عصمة زوجها (عبد الله)، وأمَّا قصة طلاقها منه فكذب من وضع النواصب (خصوم أهل البيت)، أو هي على أحسن الأحوال وَهْمٌ واختلاط وتشويش على أهل البيت من المتمسلفة.
وأشار قائلا: كان المسجد الزينبي الذي هو بيت أمير مصر مَسْلَمَةَ بن مخلد قائمًا على الخليج المصري، عند قنطرة على الخليج كانت تسمى (قنطرة السباع)؛ لأنها كانت مُزَيَّنَةً من جوانبها بسباع منحوتة من الحجر، ولما رُدِمَ الجزء الذي عليه القنطرة من الخليج زالت القنطرة فاتَّسَعَ الشارع، وظهر مسجد السيدة بجلالِه وتوالت التجديدات عليه، وقد أنشئ هذا المسجد في العهد الأموي، وزاره كبار المؤرِّخِين وأصحاب الرحلات.
وأضاف: مشهدها ترياقٌ مجرَّبٌ، ترفع فيه التوسلات إلى الله، وتستجاب فيه الدعوات، وأمَّا ما قد يكون فيه أحيانًا -كما يكون في غيره- من بعض المخالَفَات لظاهر الشرع الشريف؛ فهو من أثر الجهل، الذي يخفف من سوئه حسن نية أصحابه وسلامة اعتقادهم، والحمد لله، ويجب أن تسمى الأشياء بأسمائها، فلا يُسَمَّى الجهل شركًا ولا كفرًا، وأمَّا من ينكرون وجود قبرها بمصر فهم خصوم أهل البيت الذين يكرهون أن يحيا لهم ذكر، أو يعرف لهم قبر، ولا اعتبار لأقوالهم على الإطلاق بعد أن ألزمناهم الحُجَّةَ التي لا تدفع بالتهريج والغل الدفين.