علي جمعة: النبي ربى أصحابه على تزكية أرواحهم وتحمل مسئولياتهم الدينية
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن الرسول ربى أصحابه على تزكية أرواحهم وبناء شخصياتهم وتحمل مسئولياتهم الدينية والدنيوية، وأرشدهم إلى الطريق التي تساعدهم على تحقيق ذلك بحثهم على التدبر في كون الله ومخلوقاته وفي كتاب الله تعالى؛ حتى يشعروا بعظمة الخالق وحكمته سبحانه وتعالى".
وتابع “وكذلك بالتأمل في علم الله الشامل وإحاطته الكاملة بكل ما في الكون، لأن ذلك يملأ الروح والقلب بعظمة الله، ويطهر النفس من الشكوك والأمراض، كما أرشدهم إلى سبل الإخلاص في عبادة الله عز وجل، وذلك لأنه من أعظم الوسائل لتربية الروح وأجلها قدرا، إذ العبادة غاية التذلل لله سبحانه ولا يستحقها إلا الله وحده ولذلك قال سبحانه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)”.
وواصل “جمعة” عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك”:"ولم يكتف النبي بالحث على العبادات الظاهرة, بل ربى أصحابه كذلك على مكارم الأخلاق بأساليب متنوعة, فالمتدبر للقرآن المكي يجده مليئا بالحث على مكارم الأخلاق وعلى تنقية الروح وتصفيتها من كل ما يعوق سيرها إلى الله تعالى, ورسولنا عليه الصلاة والسلام القدوة الكاملة والمربي الناصح للأمة كان في غاية الخلق، فعن عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله ﷺ, قالت: كان خلقه القرآن، (مسند أحمد)".
وأوضح:"كان الرسول يعرض الأخلاق مع العبادة والعقائد في وقت واحد، لأن العلاقة بين الأخلاق والعقيدة واضحة في كتاب الله تعالى، حيث إن الأخلاق ليست شيئا ثانويا في هذا الدين, وليست محصورة في نطاق معين من نطاقات السلوك البشري، إنما هي ركيزة من ركائزه".
وواصل:"كما أنها شاملة للسلوك البشري كله كما أن المظاهر السلوكية كلها ذات الصبغة الخلقية الواضحة هي الترجمة العملية للاعتقاد والإيمان الصحيح، لأن الإيمان ليس مشاعر مكنونة في داخل الضمير فحسب، إنما هو عمل سلوكي ظاهر كذلك, بحيث يحق لنا حين لا نرى ذلك السلوك العملي أو حين نرى عكسه، أن نتساءل: أين الإيمان إذن؟ وما قيمته إذا لم يتحول إلى سلوك؟، وقد اهتمت التربية النبوية بتربية الصحابي على تنمية قدرته في النظر والتأمل والتفكر والتدبر، لأن ذلك هو الذي يؤهله لحمل أعباء الدعوة إلى الله، فالعقل يعتبر إحدى طاقات الإنسان المهمة، وقد جعله المولى عز وجل مناط التكليف، كما يعتبر العقل نعمة منّ الله على الإنسان يتمكن بها من قبول العلم واستيعابه ولذلك، وضع القرآن الكريم منهجا لتربية العقل سار عليه رسول الله لتربية أصحابه".
وبين: أن “من أهم نقاط هذا المنهج: تجريد العقل من المسلمات المبنية على الظن والتخمين أو التبعية والتقليد، ومنها: إلزام العقل بالتحري والتثبت، ومنها: دعوة العقل إلى التدبر والتأمل في نواميس الكون، ومنها، دعوة العقل إلى التأمل في حكمة ما شرع الله لعباده من عبادات ومعاملات وأخلاق وآداب وأسلوب حياة كامل في السلم والحرب والإقامة والسفر، لأن ذلك ينضج العقل وينميه، وتعرفه على تلك الحكم يعطيه أحسن الفرص ليطبق الشرع الرباني في حياته، ولا يبغي عنه حولا، لما فيه من السكينة والطمأنينة والسعادة والبشرية، ولأن الله سبحانه وتعالي إنما شرع ما شرع لذلك، ومنها: دعوة العقل إلى النظر في سنة الله في الناس عبر التاريخ البشري: ليتعظ الناظر ويتأمل في سنن الله في الأمم والشعوب والدول، لقد ربى النبي صحابته على المنهج الكريم, منهج تزكية الأرواح, وإصلاح القلوب، وتصفية النفوس، وتنوير العقول، مع المحافظة على الأجساد ورعايتها وتقويتها لإعداد الشخصية الإسلامية الربانية المتوازنة”.